بناء السلام في عقول الرجال والنساء

زاوية كبرى

في غانا، أراضٍ يغمرها البحر

cou_01_21_wide_angle_ghana_website_01.jpg

مشهد الميناء من شرفة حصن كيب كوست المدرج في لائحة التراث العالمي لليونسكو، والواقع على بعد 200 كم غرب العاصمة أكرا.

هذا البلد الذي يبلغ طول سواحله نحو 550 كيلو متراً، ويعيش رُبع سكانه على ضفاف البحر، أصبح يعاني، على وجه الخصوص، من ظاهرة تآكل السواحل. ويُعزى ذلك إلى الأنشطة البشرية التي تسبّبت في زيادة ارتفاع مستوى المياه المرتبط بالاحترار المناخي.

كواسي آدّو آبينينغ

أستاذ مساعد في دراسات مناطق الدلتا والظّواهر الساحلية، ومدير معهد الدراسات البيئية والصّرف الصحي في جامعة غانا.

تقع فوفيميه على تخوم خليج غانا قرب مدينة كيتا من منطقة الفولتا، وقد كانت، لسنوات خلت، قرية مزدهرة يعيش سكانها على صيد الأسماك ومزارع جوز الهند. أما اليوم فقد التهم البحر جزءا منها.

لقد انهار ما يقرب من ثمانين منزلاً ومدرسة، وشُرّد أكثر من 300 ساكن، وجُرفت أراضٍ فلاحية ومزارع، وفقد الصيادون وسائل رزقهم، ولم ينفكّ الوضع يزداد سوءاً على مدى السنوات الثلاث الأخيرة حيث تراجع الخط السّاحلي عدّة أمتار إلى داخل الأراضي، وبلغ هذا الانحسار حوالي المائة متر في بعض الأماكن.

في الفترة الفاصلة ما بين أغسطس 2016 ويونيو 2017، سجّلتُ مع زملائي شرائط فيديو وصوراً جويّة باستخدام طائرة بدون طيّار مزوّدة بكاميرا عالية الدقّة. وعند مقارنة هذه الشرائط والصور بنظيراتها الساتلية الملتقطة عام 2014 والخرائط الفوتوغرافية المرسومة عام 2005، لاحظنا ضياع 37% من الأراضي الساحلية بسبب التآكل والفيضانات على مدى الفترة الفاصلة ما بين 2005 و2017.

لقد كان لتشييد سدّ أكوسومبا على نهر الفولتا عام 1965، والبحيرة التي تولّدت عنه على مساحة 8502 كم²، وكذلك للتوسعة الحديثة العهد لميناء تيما، أثرهما على إمدادات الرّواسب، وإسهامهما السّلبي في استفحال تآكل السّواحل الشرقية، إضافة إلى استخراج الرّمل كنشاط غير شرعي رغم تواصله بسبب الإخفاق في إنفاذ القانون، ويُعتبر، بدوره من الأسباب الرئيسية في تآكل سواحل غانا.

قرى تحوّلت إلى جزر

لا يقتصر التآكل على ضواحي مدينة كيتا وحدها بل يطال كامل سواحل غرب أفريقيا بدرجات متفاوتة. وتتعرض غانا على وجه الخصوص، بشواطئها البالغ طولها 550 كم، إلى مخاطر مرتبطة بالتآكل الساحلي. ورغم أن الخط الساحلي لا يمثل سوى 7% تقريباً من إجمالي مساحة اليابسة في البلاد، فإنه مكتظ بالسكان حيث يعيش ربع هؤلاء وعددهم 31 مليون نسمة على ساحل البحر. هذا وقد تسببت الأمواج العاتية والفيضانات، خلال العقود الأخيرة، في تآكل الساحل وحوّلت عددا من قرى الصيّادين إلى جُزر.

فغانا دفعت ثمن نجاحها الاقتصادي خلال العشر سنوات الأخيرة، خاصةً بالنسبة إلى الخط الساحلي للبلاد، ذلك أن ما نسبته 80% تقريبا من الأنشطة الصناعية، ولاسيما إنتاج النفط والغاز، وعمليات الموانئ، وتوليد الطاقة الحرارية والكهرومائية، تتركز في الساحل، ناهيك عن الزّراعة السّاحلية والصّيد البحري.

وتعدّ الأنشطة البشرية غير الخاضعة للضّوابط التنظيمية من العوامل التي سرّعت، إلى حدّ بعيد، في استفحال التآكل الساحلي الذي هو ظاهرة طبيعية مسترسلة تتكيف من خلالها السواحل مع تغيّرات مستوى سطح البحر، ومستوى طاقة المدّ والجزْر، وطاقة التيارات البحرية، وإمدادات الرّواسب، والتضاريس الموجودة على مدى عدّة مئات من السّنين.

صحيح أنّ الساحل الغربي، الممتدّ من رأس ترواـ بوانت إلى نيوتاون، القرية المتاخمة للكوت ديفوار، لئن لم يتعرّض، إلى حدّ اليوم، سوى لتأثيرات ضعيفة نسبياً من الأمواج بسبب وجود شواطئ صخريّة ساهمت في الحدّ من آثار التآكل الساحلي، فإن النموّ السّريع للبنية الأساسية الرّاجعة إلى إنتاج النفط والغاز، فضلاً عن تدفّق السكّان الباحثين عن فرص عمل في هذه المنطقة، بإمكانهما إحداث تغيير في النّظم الإيكولوجية السّاحلية.

تراث مُعرّض للخطر

إنّ التأثير المطّرد للتغيّر المناخي وارتفاع مستوى سطح البحر على تآكل ساحل غانا مدعاة لمزيد القلق والانشغال. فهذا السّاحل يشهد، حاليا، معدَّل تآكل بنحو مترين سنوياً غير أنّ بعض المواقع الأصغر حجما سجّلت تراجعا بسبعة عشر متراً خلال عام واحد. أما السّاحل الشّرقي البالغ طوله 150 كم والممتدّ من أفلاو إلى برامبرام فيُعتبر من أكثر السّواحل هشاشة بسبب تأثيرات دينامية النظام الدِلْتي لنهر الفولتا المتّسم بأمواج وتيّارات قويّة نسبياً.

في عام 2013، مثّل تنامي المخاطر النّاجمة عن ظاهرة التآكل أحد الأسباب وراء نقل مكتب رئيس غانا ومقر إقامته من حِصن كريستيان بورغ إلى فلاغستاف هاوس في أكرا. وتتعرّض معالم وطنية أخرى إلى مخاطر الغرق تحت أمواج البحر خلال القرن المقبل، نذكر منها، على وجه الخصوص، ميدان الاستقلال، وضريح كوامي نكروما وسط أكرا، وقلاع وقصور الفولتا في أكرا وضواحيها (بقايا المرافئ التجارية المحصنة، المشيدة فيما بين 1482 و1786 والمدرجة حالياً على قائمة التراث العالمي لليونسكو). هذا وقد جُرفت بالكامل مواقع من التراث الثقافي مثل حِصن كونغيستين، وهو حِصن تاريخي دنماركي شُيّد عام 1783 في آدا، في حين دُمّرت أجزاء من حِصن برينسونتن المشيّد عام 1734 في مدينة كيتا نتيجة التآكل السّاحلي.

كما دُمّرت مواقع تعشعش فيها السلاحف البحرية المعرضة للخطر في كلّ من آدا وتوتوب، وموائل للطيور المهاجرة. وعلاوة على ذلك، فإن أماكن الإنزال الطبيعية التي يستخدمها صيادو الأسماك آخذة في التآكل، وهو ما يُعرِّض سُبل العيش التقليدية إلى الخطر. كما يشهد انهيار الصناعات الصغرى المرتبطة بجوز الهند، المزدهرة فيما مضى، على أثر التآكل في الغطاء النباتي الساحلي.

طائرات بدون طيار لمراقبة السواحل

أمام هذا الوضع، تحرّكت السلطات لمواجهة هول التهديدات، فأُدرج تدهور المناطق البحرية والساحلية في السياسات البيئية الوطنية باعتباره أحد التحديّات البيئية التي تواجهها البلاد. وتزامنا مع ذلك، أُنشئت هياكل هندسية ثقيلة من سدود شيدت في الأماكن الاستراتيجية بهدف تثبيت الخط الساحلي، وأقيمت ست كاسرات أمواج ـ عبارة عن جدران سميكة منخفضة من الخرسانة أو الحجارة، تغوص في البحرـ في إطار مشروع الدفاع الساحلي عن كيتا.

بيد أن هذه الهياكل قد تؤدّي، في أمد معيّن، إلى تفاقم ظاهرة التآكل في مناطق أخرى من السّاحل. لذا يجب تجاوز التدابير التفاعلية الآنية والتركيز أكثر على التدابير الوقائية في مقاومة انجراف السّواحل. وفعلا، فإن مراقبة المخاطر تشكّل أهمية قصوى من أجل وضع الاستراتيجيات المناسبة وحماية المجتمعات المحلية الساحلية. فيمكن، مثلا، نشر طائرات بدون طيار، زهيدة الثمن وسهلة التسيير، لاستخدامها كنُظم إنذار مبكر. وهو ما من شأنه تأهيل الفئات السكانية الضعيفة على نحو أفضل لمواجهة العواصف والفيضانات التي ازدادت وتيرتها خلال السنوات الأخيرة.

على أنّه يجب، في الوقت نفسه، وضع استراتيجية لإدارة الوضع على نحو أشمل. إذ يجب عدم التعامل مع حماية السّواحل بمفهوم خط الدفاع فحسب بل يتعيّن أن ترفق بتدابير تعزّز التكيّف مع الأنشطة البشرية وإصلاح النُّظم الإيكولوجية الساحلية. فمن الأفضل تعزيز قدرات المناطق المتضرّرة على الصّمود أمام ظاهرة التآكل والتأقلم معها عوضا عن التصدّي للطبيعة.ـ

مطالعات ذات صلة

السنغال: مناطق ساحلية تبتلعها الأمواج، رسالة اليونسكو، نوفمبر 2005

الخط الساحلي يحتاج إلى الجميع، رسالة اليونسكو، نوفمبر 2001

التحدّيات الأخلاقية لتغير المناخ، رسالة اليونسكو، يوليوـ سبتمبر 2019

 

اشترك في رسالة اليونسكو لمتابعة الأحداث. الاشتراك في النسخة الرقمية مجاني 100%.

تابع  رسالة اليونسكو على تويتر، فيسبوك، أنستغرام