
عشرون ألف صوت تحت البحار
cou_01_21_wide_angle_sounds_website_01.jpg

تلعب الأصوات دورًا حيويا بالنسبة لعديد الكائنات البحرية. لكنّ الضّوضاء التي يصدرها البشر بحكم أنشطته تُعرّض حياة بعض الأجناس إلى الخطر. وهنا، يُحذر ميشيل أندري، أخصائي الصوت ومدير مخبر التطبيقات الصوتية الحيوية في جامعة البوليتكنيك بكاتالونيا في برشلونة (إسبانيا)، من مخاطر هذا التلوث الصوتي.
أجرت الحوار لايتيسيا كاسي
اليونسكو
هل يُصدر المحيط أصواتا؟
في أعماق المحيط، الصوت مرادف للحياة. وحيث أن الضوء لا يخترق أكثر من بضعة أمتار من سطح البحر، فإن الصوت يبقى الناقل الوحيد للمعلومات المُتوفّر لدى سكان البحر للتواصل.
لكن إدراك أهمية هذه الأصوات يعود إلى عشرين سنة فقط. وبما أن الأذن البشرية ليست مُؤهّلة للسماع تحت الماء، فإن صوت البحر بقي مجهولا لفترة طويلة، كما يتضح من الفيلم الوثائقي لجاك إيف كوستو ولوي مال، عالم الصمت، الذي عرض سنة 1956.
واليوم، بفضل تطوير تقنيات جديدة قادرة على التقاط الأصوات تحت الماء، مثل السماعات المائية (الهيدروفونات)، يمكننا التأكيد على أن البحر هو عالم يحتوي على 20.000 صوت ذي قيمة حيوية للحياة البحرية.
هذا الاكتشاف فتح أيضا أعيننا على شدّة الضجيج الناتج عن الأنشطة البشرية. فطيلة أكثر من 80 سنة، أي منذ بداية الاستغلال الصناعي للبحار، تسبّبنا في التلوّث الصوتي للمحيطات دون أن نعلم.
ما هي تبعات هذا الاكتشاف؟
عندما أدركنا أن الأصوات البشرية يمكن أن تهدّد توازن المحيط، أبدى المجتمع العلمي في البداية اهتماما بـ 89 من الأجناس التي تُشكّل صنف الحوتيّات. وقد نجحنا اليوم في تحديد الحساسية الصوتية لما يقارب 25% من تلك الأجناس التي تستخدم يوميا التّبادل الصّوتي، سواء للصّيد أو للتّكاثر. فتطوّر أدمغة بعض هذه الأجناس يتمّ، منذ أكثر من 30 مليون سنة، بفضل هذا الإدراك الحسّي.
أمّا الأكثر إثارة للاندهاش هو اكتشافنا، قبل عشر سنوات، بأن اللاّفقاريات البحرية (الرأسْقَدَمِيَّات، والقشريّات، والأصداف، وقناديل البحر، والشّعاب المرجانية...) لديها أعضاء حسيّة رغم أنها تفتقر إلى جهاز سمعي. هذه الأجناس يتوفّر لديها إدراك حسّي بالتردّدات الصوتية. وعند تعرضها للأصوات البشرية، فإنها تُصاب بصدمات صوتية تهدّد بقاءها على قيد الحياة. وهو ما يُمثّل إحدى أخطر التهديدات لتوازن المحيطات.
ما هو تأثير هذه الأصوات على الحياة البحرية؟
أول تأثير لها هو التشويش على إشارات الاتصال. فالمعلومات السمعية الضرورية لبقاء بعض الأجناس على قيد الحياة لا تصل إليها بسبب التلوث الضّوضائي، لأن الضوضاء يُمكن أن تربك الحوتيات أو أن تمنعها من سماع باخرة تقترب منها.
ويمكن لهذه الأصوات الضوضائية أن تقتل. فمصدر الصوت المُحدث قد يكون أحيانًا شديدًا بالنسبة للمتلقي الحيواني لدرجة أنه يسبّب صدمة فوريّة قاضية لبعض الأجسام. مثال ذلك مصادر الصوت المرتبطة بالتنقيب عن النفط أو بمناورات الغواصات العسكرية.
وخلاصة، هناك صدمة صوتية حيث يؤدّي التعرض لمدّة طويلة إلى مصدر صوتي إلى إجهاد الأعضاء المُتلقّية للصوت، مما يؤدّي إلى ندوب دائمة من قبيل العجز على التقاط الأصوات.
هل أدّى الانخفاض في حركة الملاحة البحرية بسبب الحجر الصحي العالمي في شهر مارس الماضي إلى انخفاض التلوث الصوتي في المحيط؟
استطعنا من خلال شبكتنا المتمثلة في المرصد العالمي لأعماق البحار (الإنصات إلى أعماق البحار) إجراء دراسة مقارنة للمستويات الصوتية. وفعلا، فقد أدّى الحجر الصّحي إلى انخفاض في حركة الأنشطة في البحر، وبالتالي انخفاض في شدّة مستوى الصوت. لكن هذا الانخفاض لم يكن، في الحقيقة، ذا أهميّة تُذكر، إذ يمكن مقارنته بفترات أخرى من السنة تكون فيها حركة الملاحة أقلّ كثافة.
كيف يمكن مكافحة هذا التلوّث الصوتي؟
منذ ما يزيد عن العشر سنوات، بُذلت جهود في التأقلم للحدّ من التأثير الصّوتي. ففي بواخر النقل مثلا، أصبحت اليوم غرفة الآليات معزولة لمنع الضّوضاء والذّبذبات من اختراق الهيكل.
وتم اتخاذ مبادرات من قبل المؤسسات الصناعية للحدّ من الضوضاء الناتجة عن أنشطتها. نذكر، على سبيل المثال، أن مصنّعي محطّات المروحيات الهوائية أصبحوا يستخدمون أنظمة غشائية وستائر فقاعية تسمح بالحدّ من الضجيج الصّادر عن المروحيات الهوائية.
وأخيرًا، يمكن الاشتغال على مصادر الأصوات المرتبطة بالتّنقيب عن النّفط أو بالعمليات العسكرية، حيث تسمح التّقنيات اليوم برصد تواجد كائنات بحرية قريبة ومن ثمّة انتظار ابتعادها للحدّ من الاضطرابات الصوتية.
أُجريت هذه المقابلة في إطار تعاون رسالة اليونسكو مع منظمة تشانج ناو ChangeNOW، التي ستنعقد قمتها أيام 27 و28 و29 مايو في باريس، و ستجمع أصحاب القرار، ورجال الأعمال، والمبتكرين الحاملين لحلول ملموسة لعالم مستدام.
مطالعات ذات صلة
غزو المقابل البحري لجبل الإفرست، جاك إيف كوستو، رسالة اليونسكو، يوليو-أغسطس 1960
حوار مع جاك إيف كوستو، رسالة اليونسكو، نوفمبر 1991
اشترك في رسالة اليونسكو لمتابعة الأحداث. الاشتراك في النسخة الرقمية مجاني 100%.