بناء السلام في عقول الرجال والنساء

أفكار

من المستفيد من استغلال التراث "العرقي"؟

cou_01_21_idea_website_01.jpg

ماريا خيميناز مرتدية صدرية مطرّزة بزخارف مقدّسة اكْزامْنِينِكْسوي xaamnïxuy وسط حقل ذرة تزرعه صحبة زوجها وأطفالها (سانتا ماريا تهالويتولتيبك).

تشهد الزخارف المُسمّاة بـ"العرقية" رواجا كبيرا بعد أن وقع الاستيلاء عليها من قبل المصمّمين والعلامات التّجارية الكبرى حيث أصبحت تزيّن سلع الموضة التي تباع في جميع أنحاء العالم دون استشارة مسبقة، في أغلب الأحيان، للجماعات صاحبة هذه الزّخارف. وتطالب عالمة الأنثروبولوجيا المكسيكية، مارتا توروك، المتخصصة في النسيج التقليدي، بمزيد الاهتمام بحقوق جماعات السكّان الأصليين وأخذ مصالحهم بعين الاعتبار.

مارتا توروك

عالمة الأنثروبولوجيا المكسيكية وأمينة مجموعة روث د. ليتشوجا للفن الشعبي في متحف فرانز ماير للفنون الزخرفية بمكسيكو. وهي أيضا مؤلفة لعديد الكتب والمقالات حول الحرف اليدوية.

تعود القصّة إلى سنة 2015 حين فُوجئت المغنية الشهيرة سوزانا هارب، والعضوة في مجلس الشيوخ المكسيكي، باكتشافها في متجر بمركز تجاري بلاس فيغاس (الولايات المتحدة)، صدريّة مطرزة، ذات أكمام طويلة، شبيهة بتلك التي تصنعها جماعة ميكس المحلية في سانتا ماريا تلاهويتولتيباك من ولاية أواكساكا، جنوب المكسيك.

كانت القطعة، التي تحمل ختم مصمّمة فرنسية، مصنوعة في الهند باستخدام نموذج خياطة طبق الأصل، ونفس تقنيات التّطريز والألوان والرسم مقارنة بالأصل، مع فارق وحيد يتمثّل في سعر بيعها البالغ 290 ​​دولار والحال أنّ معدّل ثمنها داخل الجماعة المحلية في حدود 35 دولارا.

وللتّعبير عن غضبها، نشرت سوزانا هارب في شبكات التواصل الاجتماعي صورة للصّدرية التي لا يُشير أي جزء من البطاقة المُرفقة بها إلى أصلها، وتقدّمت بشكوى قضائية من أجل الانتحال والاستيلاء الثقافي.

في الأشهر الموالية، أدلت مسؤولات عن الجماعة المحلية بعديد التّصريحات في مدينتي أواكساكا ومكسيكو، مرفقات بممثلات عن المطرّزات. وأصررن على أنّ المصممة لم تأت لمقابلتهنّ، مما حرمهنّ من فرصة ليشرحن لها دلالات الأشكال المطرزة على الصدريّة ومغزاها، وأضفن أن هذا الزّيّ التقليدي الموشّح بزخارف قديمة لم يكن معروضا للبيع. كما أكّدن على أنّ الأمر لا يتمثّل في منح ترخيص أو الحصول على حقوق الاستنساخ أو أيّ نوع من الإتاوات.

مشهد مقدّس

أمّا الأكثر إثارة للدهشة، فهو أنّ شركة ملابس فرنسية صاحبة علامة أخرى، قدّمت، في نفس الوقت، شكوى ضد ذات المصممة في المحاكم الفرنسية بتهمة "سرقة زخرفة"، مدّعية أسبقية استخدامها لتلك الزّخرفة. ولكسب القضية أمام العدالة، اعترفت المصمّمة الفرنسية بأنها تحوّلت إلى الجماعة المحلية لاقتناء الثوب مباشرة من الأهالي.

كما قدّمت أدلة تثبت أن تلك الرّحلة كانت سابقة للتاريخ الذي زعمته صاحبة الشكوى، وخلُصت إلى أنها "استعارت" من جماعة سانتا ماريا تلاهويتولتيبيك المحلية نموذج الصدرية وتطريزاتها، مُعترفة بذلك بأنها ليست مالكة النموذج. في الوقت نفسه، وبطلب من مجلس الشيوخ المكسيكي، أعلن المعهد المكسيكي للملكية الصناعية أنه ليس هناك انتحال باعتبار أن "المُنْتَج" لم يكن حاصلا على براءة اختراع.

ٍوأخيرا، يجب توضيح أن النص الذي يظهر على البطاقة الملصقة على الثوب تشير إلى أن الصدرية "مصنوعة من نسيج قطني خام، ومطرزة بعناية بخيط أسود وأحمر بنفسجي غامق لتشكيل نقيشة زهرية رائعة". غير أن الزخارف المستنسخة من سانتا ماريا تلاهويتولتيبيك، والمسمّاة اكزامنيكسوي بلغة الميكس، تمثل، في الحقيقة، مشهدا طبيعيًا مقدسًا مكوّنا من زخارف ترمز إلى الشمس، وإلى نبتة الأغاف (الصبّار)، وإلى الأرض، والطريق، والجبل، والقربان، والماء والزّهرة. 

إن ما تطالب به الجماعة المحلية في قضية الحال يتمثّل، بكل بساطة، في احترام إرادتها. فهي ترفض السّماح بإخراج الصّدرية من سياقها وتحويلها إلى مجرّد سلعة في السّوق العالميّة وإلى موضة زائلة. وطالما ظلّ الإنتاج والفوائد الاقتصادية تحت رقابتها ومُستوفية للمعايير التي تضعها بنفسها، فهي لا ترى أي عائق أمام الحرفيّين لإنتاج الصّدرية وملابس أخرى وبيعها سواء لدى الجماعة المحلّية أو خارجها.

وعمليا، فقد ارتفعت مبيعات الاكزامْنيكْسوي نتيجة هذه الحملة الإعلامية، وهو ما أكدته عاملات النسيج والتطريز بمناسبة اللقاء الأول الأمريكي اللاتيني للدفاع عن التراث الثقافي، وعن خبرات القدامى، والملكية الفكرية الجماعية وأراضي الشعوب الأصلية، المنعقد في سبتمبر 2018 بسان كريستوبال دي لاس كاساس من ولاية تشياباس بالمكسيك، حيث صرّحن بأنّ: "الهدف ليس خصحصة مهاراتنا وخبراتنا أو أن تكون مسجّلة؛ بل إن إبداعاتنا وتراثنا الثقافي جزء من حياة مناطقنا."

شكاوى من أجل الانتحال

تعتبر قضية الصّدرية المطرّزة، التّابعة لجماعة سانتا ماريا تلاهويتولتيباك المحلية، رمزا للجدل القائم حول الملكية الفكرية. فالشعوب والجماعات الأصلية وحرفيّوها أصبحوا يضعون موضع التّساؤل، أكثر من أيّ وقت مضى، ما يعتبرونه استخداما مبالغا فيه لعناصرهم الثقافية من قبل أطراف خارجية دون استشارة أو إذن مسبق. والنتيجة المنطقية هي تضاعف الشكاوى ضد الاستيلاء الثقافي والانتحال والسرقة.

لقد سرّعت العولمة والتكنولوجيات الحديثة والتنقل الجغرافي في نشر المعلومة، وأُدرج التنوّع الثقافي في مجال الرؤية على الساحة العالمية على نحو غير مسبوق. وقد كان لذلك تداعيات مُضاعَفة ومتضاربة. فمن جهة أولى، وأمام الثّغرات الموجودة في آليات حماية الحقوق الثقافية الجماعية، أتيح للجهات الفاعلة من خارج الجماعات المحلية النّفاذ بسهولة إلى الزّخارف والأشكال التراثية واستغلالها، معبّرين، في أغلب الحالات، على موقف يمكن توصيفه بالاستعماري الجديد. ومن ناحية أخرى، سمحت تلك الظواهر بأن تكون هذه الشعوب والمساندين لها على دراية أفضل بما يحدث وأن يُندّدوا بالانتهاكات بسرعة أكبر.

هكذا أبلغت المنظمة غير الحكومية إينباكتو Impacto، التي تناضل من أجل حقوق الشعوب الأصلية وتنميتها، فيما بين 2012 و2019، عن 39 حالة انتحال على الأقل، مدانة فيها ما لا يقل عن 23 علامة تجارية للملابس من جميع أنحاء العالم. وهي ممارسات كانت محل استنكار منتظم في وسائل الإعلام. ومع ذلك، تتواصل الانتهاكات التي نادرا ما تتمّ معاقبتها. وبالتالي، لم يعد للمجتمعات المستهدفة سوى أن تعاين الوضع، وهي تقف موقف العجز التام أمام شركات محلية، وصناعة، وعلامات تجارية عالمية كبرى، تتاجر بموضة الأزياء المصنوعة من أقمشة "عرقية"، مستغلّة، بكل سهولة، عدم وجود مالك واضح وحماية قانونية. والأمثلة على ذلك ما فتئت تتكاثر دون اكتراث من أي جهة كانت، الأمر الذي يُعمّق من مشاعر الظلم والغضب والسّلب.

ويعود جزء من المشكل إلى قوانين الملكية الفكرية والصناعية الصادرة عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية والمتعارضة تماما، من حيث فلسفتها ورؤيتها للعالم، مع مطالب الشعوب الأصلية المتضرّرة والتي تحمل مفاهيم للملكية تقوم على رؤى مغايرة، وتعيش تراثها بطرق مختلفة.

في هذا السّياق، يُعدّ الإصلاح الأخير للقانون الفيدرالي المكسيكي حول حقوق التأليف خطوة في الاتجاه الصحيح. فالأحكام الجديدة، التي دخلت حيز التنفيذ في يناير 2020، تنص، فعليا، على سحب الأعمال الفنية الشعبية والحرفية من مجال الملك العام وإلحاقها بالأعمال الأدبية أو الفنية من حيث حمايتها واحترامها.

إضافة إلى ذلك، سيُصبح من الضّروري، من هنا فصاعدا، طلب ترخيص في استغلال الأعمال الفنية التقليدية، وتسويقها، وتصنيعها، من الجماعات المالكة لها. ومن جهة أخرى، تجري، حاليا، مناقشات حول مشروع قانون للحفاظ على هذه الممتلكات يعاقب الاستخدام غير المرخّص فيه (الانتحال) للعناصر المتصلة بثقافة الشعوب والمجتمعات وبهويتها. وهذا القانون من شأنه إرساء منظومة حماية لهذه العناصر، والدفاع عنها، وتعريفها، وتوثيقها، والبحث في شأنها، وتطويرها، ودعمها، ونقلها عبر الأجيال، وإحيائها على مستوى الفدراليات والولايات والبلديات.

تلك هي الخطوة الأولى والتي تبقى هامّة على الطّريق الطّويل الذي يُؤدّي إلى مراعاةٍ أفضل لحقوق مجتمعات السكان الأصليين ومصالحها. 

مطالعات ذات صلة

حول اتفاقية اليونسكو بشأن حماية وتطوير تنوع التعبيرات الثقافية (2005) 

أمير التطريز اللاوسي يدافع عن فن الحياة، رسالة اليونسكو، يوليو -أغسطس 2001 

التراث غير المادي، رسالة اليونسكو، مايو 2006

 

اشترك في رسالة اليونسكو لمتابعة الأحداث. الاشتراك في النسخة الرقمية مجاني 100%.
تابع  رسالة اليونسكو على تويتر، فيسبوك، أنستغرام