بناء السلام في عقول الرجال والنساء

زاوية كبرى

سكوت كولب: "ارتفاع منسوب المياه يشكّل تهديداً على المدى القصير"

cou_01_21_wide_angle_kulp_website_01.jpg

ٍساحة القدّيس مرقس (سان مارك) في البندقية (إيطاليا)، وقد غمرها ثاني أهمّ مدّ بحري (آكوا آلتا) في تاريخها، في نوفمبر 2019.

قد يبلغ عدد الأشخاص المعرّضين إلى مخاطر ارتفاع مستوى البحار أكثر بثلاث مرّات من التقديرات السّابقة حسب دراسة نشرتها "كليمايت سنترال" سنة 2019، وهي هيئة مستقلّة للبحث والإعلام حول المناخ، مقرّها في برينستون بالولايات المتحدة الأميركية. في هذا الحوار، يحلّل سكوت كولب، المؤلّف الرئيسيّ للدّراسة المذكورة التي أُنجزت باعتماد الذّكاء الاصطناعيّ، هذه الظاهرة التي قد تدفع بملايين الأشخاص إلى الهجرة قبل حلول 2050.

حاورته شيراز سيدفا

رسالة اليونسكو

ورد في دراستكم "المستقبل الغارق: ارتفاع مستوى البحار في العالم أسوأ  ممّا كان يُعتقَد سابقا" أنّ سواحل العديد من مناطق العالم أكثر عرضة لخطر ارتفاع مستوى البحار ممّا كان يُعتقد سابقاً. هل فاجأتكم هذه النتائج؟

كنّا نتوقّع أن تكشف الدّراسة عن زيادة مخاطر ارتفاع مستوى البحار في العالم ولكن ليس إلى هذا الحدّ. لقد خلصنا إلى أنّه في غضون ثلاثين سنة يمكن توقّع غرق شواطئ عديدة، بوتيرة سنويّة على الأدنى، في مناطق تضمّ حاليّاً 300 مليون شخص. ومن جهة أخرى، فإنّ 150 مليون شخص يعيشون اليوم على أراضٍ سوف ينخفض مستوى ارتفاعها عن مستوى المدّ العالي للبحر بحلول 2050، ممّا يعني أنّ هذه الأماكن يمكن أن تصير غير قابلة للسكن من دون حماية ساحلية.

أمّا في سيناريو تزايد الانبعاثات، وفقًا للنموذج المستخدم في هذه الدراسة، فإن الأراضي الأكثر حساسية لارتفاع مستوى البحر -والتي تضم حوالي 10٪ من سكان العالم- قد تصبح معرضة للخطر مع نهاية هذا القرن نتيجة الفيضانات المزمنة أو الدّائمة.

ما هو المدى الذي يمكن أن يبلغه ارتفاع مستوى البحار العالمي في القرن الحادي والعشرين؟

تُظهر معظم الإسقاطات المتعلّقة بالفترة الممتدّة حتى نهاية هذا القرن ارتفاعاً في مستوى البحار يتراوح بين نصف متر ومتر واحد، مع تسارعٍ في الارتفاع. وهذا يعني أنّنا سنشهد غرقاً للشواطئ بوتيرة أكبر وعلى نحو أخطر.

كما تبيّن الدّراسة أنّ تخفيضا هامّا في انبعاثات الكاربون العالمية، كما ينصّ عليه اتّفاق باريس، يمكنه، بحلول نهاية هذا القرن، التقليل من خطر غرق السواحل في مناطق تضمّ اليوم 30 مليون شخص. وقد يساعد هذا التخفيض، أيضا، على تخفيف العديد من التهديدات الأخرى المتصلة بالتغيّر المناخي.

ما هي المناطق التي ستضرّر أكثر من غيرها؟

إن ارتفاع مستوى البحار ظاهرة عالمية تمسّ كلّ البلدان التي تمتلك واجهاتٍ بحريّة. ولكن في العقود القادمة، ستؤثّر التداعيات الأهمّ على القارّة الآسيويّة بسبب عدد سكّان المناطق الساحلية في هذه القارّة. فإندونيسيا، وبنغلادش، وتايلند، والصين، وفيتنام، والهند، تضمّ أكبر عدد من السّكّان المقيمين على أراضٍ تشير التوقّعات إلى أنّها ستكون، بحلول العام 2050، تحت متوسّط المستوى السنوي لغرق السواحل. ومن أصل 300 مليون شخص من المقيمين على أراضٍ معرضة لهذا التهديد بحلول منتصف القرن، يعيش حوالي 75% منهم في هذه البلدان السّتّة.

وقد بادرت بعض البلدان باتّخاذ إجراءات راديكالية، على غرار إندونيسيا التي قرّرت نقل عاصمتها جاكارتا إلى مناطق أكثر ارتفاعاً عن سطح البحر في جزيرة بورنيو. ومثل هذه المبادرات الضخمة سوف تكون أكثر شيوعاً بسبب استمرار ارتفاع مستوى سطح البحر.

كيف يمكن للمدن المعرّضة لهذه المخاطر أن تستعدّ لمواجهتها؟

هناك مدن آسيويّة عديدة في كلّ من إندونيسيا، وبنغلادش، والصين، وفيتنام، والهند، تضمّ أراضٍ يبدو ارتفاعها عن مستوى البحر دون مستوى المدّ العالي المحلّي. فالمفترض أن يستفيد سكّان هذه المناطق من تدابير الحماية الطبيعية أو الاصطناعية التي تؤمّنها الحواجز والسّدود. ومن الأمثلة على ذلك المشاريع الضخمة التي أقيمت في شانغهاي، وهولندا، ونيو أورليِنز لمقاومة غرق الشواطئ وحماية المدن الكبيرة. لكن كلّما كانت وتيرة ارتفاع مستوى البحار أسرع، إلاّ وارتفعت تكاليف صيانة نظُم الحماية وتعزيزها، شأنها في ذلك شأن التكاليف المرتبطة بالكوارث.

هناك أيضًا أمثلة أخرى عن الحماية الطبيعية مثل الكثبان، والمناطق الرطبة، وكذلك الابتعاد عن الساحل. فمثل هذه الإجراءات الحمائية تحدّ من تأثير زحف البحر على الأراضي المعرضة، حاليًا، للخطر، لكن ارتفاع مستويات المياه يقلل حتماً من جدواها.

بيد أنّ هذه المخاطر لا تخصّ قارّة آسيا وحدها. ففي ألمانيا، وفرنسا، والمملكة المتّحدة؛ والعراق ومصر ونيجيريا؛ والبرازيل، والولايات المتحدة الأميركيّة؛ تأوي الأراضي الساحليّة أعداداً كبيرة من السّكّان سوف يحتاجون على الأرجح إلى مزيدٍ من تدابير الحماية.

ما هو وضع البلدان الجزيريّة الصغيرة النامية؟

تُظهر أبحاثنا مدى خطورة ارتفاع مستوى البحار الذي تواجهه هذه البلدان، لا سيّما وأن كثيراً منها غير مجهّز بما يكفي للاستثمار في نظم الحماية ومواجهة المخاطر.

في جزر المالديف مثلاً، يعيش 50% من السكّان على أراضٍ من المتوقّع أن تصبح، بحلول 2100، تحت مستوى المدّ العالي. وتبلغ هذه النسبة 80% في جزر مارشال. ومع ارتفاع المياه، ستغرق الشواطئ على نحو أكثر تواتراً وخطورة في هذه المناطق، ممّا قد يجعلها غير قابلة للسكن قبل نهاية هذا القرن بكثير.

هذه التهديدات المتزايدة ناتجة، في جانب كبير منها، عن انبعاثات الكربون في البلدان الأكثر ثراء. وبدون دعم من هذه الأخيرة، قد لا تتمكّن حكومات البلدان الجزيرية النامية من توفير الموارد اللّازمة لمساعدة سكّانها على التأقلم مع ارتفاع المياه.

يعتمد مشروعكم CoastalDEM (النموذج العالمي الرقمي لقيس الارتفاع الساحلي استنادا إلى الرصد الطوبوغرافي للرادار المكوكي باستعمال الشبكات العصبية الاصطناعية)، على الذّكاء الاصطناعيّ بدلاً من الاستناد إلى بيانات الأقمار الاصطناعية التي استخدمتها نماذج ناسا السابقة. ما الذي تضيفه هذه التكنولوجيا الجديدة؟

لفهم التهديد الحقيقي الذي يشكله ارتفاع مستوى سطح البحر مستقبلا، نحتاج إلى قياس أفضل للتضاريس. ذلك هو الهدف من هذا المشروع.

فمجموعة البيانات الجديدة التي وقع تطويرها بفضل التعلّم الآليّ توفّر دقّة أفضل من التي توفّرها بيانات البعثة الطوبوغرافية الرادارية لسفينة ناسا الفضائية، لا سيّما في الأماكن المكتظّة بالسكّان حيث يوجد العدد الأكبر من الأشخاص والمنشآت المهدَّدة بارتفاع المياه.

وبالإمكان تطوير مساهمتنا، بل يجب أن تتطوّر، ومع ذلك فهي تشكّل، اليوم، المصدر الأدقّ المتاح لصنّاع القرار في العديد من البلدان التي تمتلك واجهات بحرية، لتقدير المخاطر الناجمة عن ارتفاع المياه.

ما هي الإجراءات الحاسمة المطلوب تشجيع الحكومات على اتّخاذها للتّقليل من هذه المخاطر؟

إنّ الخطوة الأولى والأهمّ التي يمكن للحكومات إنجازها هي تقدير المخاطر استنادا إلى أفضل الموارد المتاحة. بيد أنّ الجهود الدّوليّة لتخفيض انبعاثات الكربون والاحتباس الحراري تظلّ أساسيّة للسيطرة على هذا الخطر. وبإمكان الحكومات، أيضا، التخفيف من وتيرة ارتفاع مستوى البحار، ومنح السكان المهدّدين مزيداً من الوقت للاستعداد لهذه الأزمة والتعامل معها.

وعلى الحكومات التي تسعى إلى الحدّ من آثار إغراق الشواطئ، الناجم عن ارتفاع مستوى مياه المحيطات، أن تتخلى عن مواصلة التهيئة العمرانية للمناطق الأكثر عرضةً للخطر، وأن تبادر بحماية البنى التحتية والمنشآت الموجودة أو نقلها إلى مناطق أخرى.

وأخيرا، فإنّ ارتفاع منسوب المياه يمثّل تهديدا على المدى القصير وهو ما يستدعي من السكان، اليوم، أن يرجّحوا الخيارات المناسبة لا فقط من أجل الأجيال القادمة بل من أجلهم هم أيضاً.

مطالعات ذات صلة 

اكتشفوا الإسقاطات المتعلّقة بمخاطر غرق السّواحل عبر العالم بمراجعة أداة كشف المخاطر الساحلية  الصادر عن "كليمايت سنترال

اللاّجئون سوف يهاجرون، مستقبلا، لأسباب مناخية، رسالة اليونسكو، 10، 2009

"تساؤلات حول التضامن الدولي"، رسالة اليونسكو، العدد 3، يوليو-سبتمبر 2019

 

اشترك في رسالة اليونسكو لمتابعة الأحداث. الاشتراك في النسخة الرقمية مجاني 100%.
تابع  رسالة اليونسكو على تويتر، فيسبوك، أنستغرام