بناء السلام في عقول الرجال والنساء

زاوية كبرى

في أمريكا اللاتينية، افتتاح موسم القضاء على البلاستيك

cou_01_21_wide_angle_literacy_website_01.jpg

عملية تنظيف قاع البحر ضمن برنامج "فوندو دا فوليا" في شمال البرازيل.

ما فتئت المشاريع تتكاثر، من شمال القارة إلى جنوبها، من أجل التشجيع على معرفة أفضل بالبيئات البحرية، وتطوير نوع من "مواطنة المحيط".

رودريغو توراس

عالم المحيطات ودكتور في علم الآثار المغمورة بالمياه، أستاذ بمركز أبحاث التراث الساحلي بجامعة الجمهورية، الأوروغواي.

ساميلا فيريرا

دكتورة في الأنثروبولوجيا الثقافية، مُكلّفة بالبحث في مركز أبحاث التراث الساحلي بجامعة الجمهورية، الأوروغواي.

وُلِد المشروع عام 2010 في مدينة سلفادور دي باهيا، شمال شرق البرازيل، غداة الكرنفال. فأمام جبل النفايات التي ألقي بها في البحر بعد هذا المهرجان الشعبي، الذي يشهد خروج عديد الملايين من السكان إلى الشارع للاستعراض والرقص، قرّر أربعة من متعاطي رياضة ركوب الأمواج (المتركمجين) القيام برد الفعل، فأنشأوا فوندو دافوليا (قاع المهرجان) لانتشال الفضلات التي جرفتها المياه.

بعد عشر سنوات من ذلك، ما زالت الجمعية قائمة، بل إنها ما فتئت تكتسب مزيدا من الإشعاع كل سنة. وأصبح عدد من العلماء والسكان القريبين من الشواطئ يُشاركون في العمليات ولا يترددون في الغوص، بأقنعة بسيطة، في قاع الخليج لجمع النفايات، بمساعدة متطوعين آخرين ينتظرونهم على ألواح التزلج والعوّامات. وقد تم، إلى حدّ الآن، إطلاق أكثر من 200 نشاط في إطار هذا البرنامج الذي يجمع بين الرياضة والتوعية البيئية، وسمح بجمع عشرات الأطنان من النفايات. وفي سنة 2019 أُعلِنت المنطقة التي يغطّيها المشروع منطقة محمية على المستوى البلدي، وتُوّج القرار بإنشاء منتزه بارا البحري كأول محمية بحرية في بيئة حضرية بالبرازيل.

هذه المبادرة المحلية ليست سوى مثال من بين أمثلة أخرى على الوعي المتزايد بالتلوّث البحري في أمريكا اللاتينية، والذي يمكن أن يأخذ شكل مشاريع تنظيف الشواطئ، وورشات تحسيسٍ في المدارس، وحملات "صفر نفايات" في الشبكات الاجتماعية ...

جزر من البلاستيك

كان لبثّ صور الشواطئ، عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، وقد تحولت إلى مصبات مكشوفة وسلاحف اختنقت بسبب عدم تمكنها من ابتلاع الأكياس البلاستيكية، أثره على الجمهور الواسع الذي أصيب بصدمة كبيرة. والحقيقة أن هذه المادّ قد انتشرت على سطح المحيط حيث تقدّر كميّة البلاستيك الملقاة، سنويا، في المحيطات بثمانية ملايين طن. وتُعدّ أمريكا اللاتينية رابع أكبر منتج للنفايات البلاستيكية في العالم، حسب تقرير الصندوق العالمي للطبيعة.

هذا، وإنّ جزءًا كبيرًا من هذه الفضلات ينتهي به المطاف إلى الشواطئ، أو ينجرف على سطح المحيطات أو يغزو قاع البحر فيتحلّل إلى جزيئات دقيقة. ونحن نعلم، اليوم، بوجود تجمّعات لكميات كبيرة من المواد البلاستيكية داخل المحيط، على بعد حوالي ألف كيلومتر من السواحل التشيلية، والتي قد تصل في بعض الأماكن إلى 50.000 قطعة في الكيلومتر المربع الواحد.

ولعلّ القصبات البلاستيكية المصّاصة، التي يمكن أن يستغرق تحلّلها مائة سنة، أبلغ مثال على هذه الأشياء ذات الاستعمال الوحيد التي غزت حياتنا اليومية. وقد انضمّت العديد من دول أمريكا اللاتينية، مثل الأرجنتين، والبرازيل، والشيلي، والمكسيك، إلى مبادرات عالمية أخرى تهدف إلى الحدّ من استخدام البلاستيك أو منعه، وأُطلقت حملات على الشبكات الاجتماعية لزيادة تحسيس السكان بمكوّناته السّامة.

قد تبدو المعركة سخيفة بالنظر إلى هول التحدّيات المطلوب رفعها. ومع ذلك، ورغم أن المصاصات لا تُمثّل سوى جزءٍ صغير جدّا من الحجم الإجمالي للنفايات الملقاة في البحر، فإن مثل هذه الحملات تساهم في توعية أوسع بالآثار السلبية النّاجمة عن استعمال الأواني البلاستيكية وضرورة التخلص منها، والتي تبدو ظاهريا غير ضارة وهي حاضرة كلّيا في حياتنا اليومية. كما أنّ هذه الحملات تحثّنا على التفكير في عاداتنا الاستهلاكية وتأثير تصرّفاتنا اليومية على البيئة.

البحر في برامج ثلاثية الأبعاد

علاوة عن هذه المبادرات التي تمارس على أرض الواقع، فإن تحسيس المواطنين يمرّ أيضا عبر نشر الموارد البيداغوجية والتربوية القادرة، لا فقط على تمكين الشباب من استيعاب أفضل للظواهر الفيزيائية والكيميائية والمناخية المعقدة التي تحكم المحيط، بل على تعديل تمثلاتنا وتصوّراتنا لهذا المحيط وللعلاقة التي تربطنا به. ففي عالم يتميّز بتكثّف هائل للاتصالات، توفّر التقنيات الرقمية إمكانيات هامّة في هذا الصدد.

وقد بادرت الأوروغواي، على سبيل المثال، بإطلاق مشروع يحمل عنوان الطرقات البحرية: إنشاء متحف افتراضي للمشاهد البحرية لخليج مالدونادو يهدف إلى تحسيس الجمهور بالقضايا المتّصلة بالمحافظة على التراث الثقافي البحري والمغمور بالمياه. ويتم عرض تجارب تعليمية وممتعة مختلفة للتعوّد على البيانات العلمية.

يتكون البرنامج من نمذجة ثلاثية الأبعاد لمواقع رمزية في التاريخ البحري الإقليمي، ويستخدم الواقع الافتراضي لإنشاء معارض افتراضية حول المهن البحرية، والطرقات البحرية التاريخية، والمشاهد البحرية.

والهدف من ذلك هو استغلال الإمكانيات التي توفرها الثقافات الرقمية لتحسيس الجمهور بأهمية إعادة امتلاكه لتراثه الثقافي، وحثّه على التساؤل عن التغيرات التي تطرأ على منظور الشعوب وتكيّف علاقاتها بالبحر، وبناء هوياتها، وشعورها بالانتماء.

وعلاوة عن اختلاف المقاربات بينها، فإنّ هذه المبادرات تشترك في كونها لا تدعونا إلى التساؤل عمّا تقدمه لنا المحيطات، بل عمّا يمكننا أن نفعله من أجلها.

مطالعات ذات صلة :

مرحبًا بكم في الأنثروبوسين !، رسالة اليونسكو، أبريل - يونيو 2018

حطام سفينة في قصر من البلّور، رسالة اليونسكو، أكتوبر - ديسمبر 2017 

_____

اشترك في رسالة اليونسكو لمتابعة الأحداث. الاشتراك في النسخة الرقمية مجاني 100%.

تابع  رسالة اليونسكو على تويتر، فيسبوك، أنستغرام