بناء السلام في عقول الرجال والنساء

زاوية كبرى

الباكستان يستعيد حُلته الخضراء

cou_03_19_idees_pakistan_01_website.jpg

العمل في المشاتل يساعد النساء على الخروج من الفقر ويساهم في مكافحة احترار المناخ.

خلال السنوات الأخيرة، توسّعت المساحات المكسوة بالأشجار في مقاطعة خيبر بختونخوا الواقعة على بعد خمسين كيلومترا من العاصمة الباكستانية إسلام أباد. فتغيّر المشهد العام وتغيّر معه المجتمع. مقاومة احترار المناخ ومقاومة الفقر إنما شيء واحد.

 

بقلم زوفين ت. إبراهيم

تجلس فرزانا بيبي بكل ارتياح تحت ظل شجرة، في الفناء الخلفي لمنزلها. تحوم حواليها دجاجات وديك وحيد يتبختر في الحديقة الصغيرة. المشهد ريفي بأتم معنى الكلمة. تتناول فرزانا حفنة تراب من كوم بجانبها ثم تسكبها في كيس طويل من المطاط الأسود. ولما تنتهي من ملء الكيس، تحفر وسطه بكل عناية حفرة صغيرة وتضع فيها بذرة، ثم تُغطّيها بالتراب.

تعيش فرزانا في قرية نجفبور، قرية غنّاء مُحاطة بالجبال، تقع في مقاطعة خيبر بختونخوا و تبعد خمسين كيلومترا عن العاصمة  الباكستانية.

فرزانا بيبي هي واحدة من أربعمائة امرأة حصلن على تكوين على الطرق الحديثة لإعداد مشاتل الأشجار في بيوتهن. ويتم بيع الشجيرات إلى أمانة الغابات التابعة لحكومة المقاطعة. هكذا تُساهم فرزانا في مشروع إعادة التشجير «تسونامي بمليار شجرة»، الذي أطلقته الحكومة في إطار المبادرة من أجل تنمية خضراء التي تهدف إلى مقاومة تغيّر المناخ والتلوث بواسطة غراسة الأشجار.

تغطي مساحة الغابات الإجمالية في الباكستان بين 2 و5% من الأراضي، ممّا يجعل من هذا البلد أضعف دول المنطقة من حيث التغطية الغابيّة، وهي نسبة دون نسبة 12% التي تُوصي بها الأمم المتحدة.

في سنة 2014، التحقت حركة تحريك-أ-إنصاف (الحراك من أجل الإنصاف) في باكستان، وهو حزب سياسي تولّى السلطة بمقاطعة خيبر بختونخوا بين 2014 و2018، بالجهود العالمية وانخرط في برنامج تحدّي بون الذي يهدف إلى إعادة إحياء 150 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة التي أزيلت منها الأشجار،  في أفق 2020. وقد التزم حزب تحريك-أ-إنصاف الذي يقوده عمران خان، لاعب الكريكيت السابق الذي اعتنق النشاط السياسي، بإعادة إحياء 350.000 هكتار من الغابات والأراضي المتدهورة بين 2014 و2018.

أكثر من مليار شجرة

في مثل هذه الفترة القصيرة، لم يكن بوسع أمانة الغابات أن تأخذ على عاتقها بمفردها الوفاء بوعد الحزب السياسي.

وبالتالي، استلزم النموذج المُعتمد لتنفيذ المشروع تشريك التجمعات المحليّة. «لقد تمكنا من إتمام إنجاز المشروع في شهر أغسطس 2017، قبل الموعد المحدد!». هذا ما صرّح به مالك أمين أسلام، الوزير الفدرالي الحالي والمستشار في مجال تغيّر المناخ لدى عمران خان الذي أصبح الوزير الأول للبلاد سنة 2018.

ويُوضّح م. أ. أسلام، صاحب المبادرة :«قُدّرت تكلفة المشروع بـ22 مليار روبية باكستانية (155 مليون دولار أمريكي)، وأُنجز بـ14 مليار (99 مليون دولار أمريكي)، وهو أمر غير مألوف بالنسبة لمشروع مُموّل من طرف الدولة، حيث تتجاوز التكلفة عادة الميزانية المبرمجة». وخلال فترة تقل عن ثلاث سنوات، تمّت غراسة 1،18 مليار شجرة.

وتتضمّن الاستراتيجية رباعية الأطراف التي تمّ وضعها، غراسة أشجار فتيّة وتجديد الغابات القديمة، وشفافية كبيرة، ووضع السكان في قلب البرنامج، ومكافحة العصابات القوية الفاعلة في مجال الخشب وقطع الأشجار بشكل غير قانوني.

وحسب م. أ. أسلام، الذي يشغل أيضا منصب نائب رئيس الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، تم إنجاز 60% من الهدف المرسوم (أي مليار شجرة)، من خلال «إعادة الإحياء الطبيعي بفضل حماية الغابات من قبل التجمعات». لقد تمّ تقسيم تلك الغابات إلى 4000 قطعة أرض، تمّ السماح للسكان بجمع ما عليها من الخشب الميت – تشجيعا لهم. كما استفادت التجمعات من الوظائف الخضراء، مثل وظيفة نيجيهبانز، أو حراس الغابات، المُكلّفين بحماية قطع الأرض من الرعي والحرائق وقطع الأشجار بشكل غير قانوني.

أما الـ40% المتبقية فقد تمّ إنجازها بفضل تطبيق نموذج تنموي مشترك بين القطاعين العمومي وخاص مع تقاسم العائدات بين الشركاء. وتندرج مشاتل فرزانا بيبي وغيرها من النساء في هذا الصنف. كما تمكّنت الحكومة من استرجاع ما يقارب 3000 هكتار من الأراضي العمومية التي تمّ الاستيلاء عليها بطرق غير شرعية.

وقد نال هذا المشروع نجاحا كبيرا على الصعيدين الوطني والدولي. وتم تكليف الصندوق العالمي للطبيعة-باكستان بالقيام بمراجعة سنوية للأداء بصفة محايدة. ويعتبر حماد نقي خان، مدير عام الصندوق أن المشروع مثّل «خطوة كبرى إلى الأمام في الاتّجاه الصحيح».

تخفيف من وطأة البطالة

في الأثناء، وفي نجفبور، قدِم شوكت زمان ليساعد زوجته فرزانا بيبي على ملء الأكياس المطاطية. لقد فشل مشروعه في تربية الدواجن منذ سنتين بسبب فيروس قاتل أتى على الدجاج بأكمله. ونظرا لعدم قدرته على تغطية خسائره، لم يتمكّن من إعادة إطلاق مشروعه. معا، يتوصّل الزوجان إلى ملء حوالي ألف كيس في اليوم، يُكدّسانها بكل عناية في الفناء الخلفي للمنزل.

ويُوضّح محمد تهماسيب، مدير مشروع إعادة التشجير «تسونامي مليار شجرة»: «نحن نُوفّر البذور والأكياس، وهم يُوفّرون التراب بعد خلطه بالأسمدة العضوية، واليد العاملة».

خلال الأسابيع القادمة، الزوجان مُطالبان بملء 25.000 كيس. وبعد ستة أو ثمانية أشهر، ستشتري الأمانة المحلية للغابات الشجيرات التي ستبقى حيّة، بسعر 6 روبية لكل واحدة. وتقول فرزانا بيبي :«البطالة منتشرة في قريتنا، وحتى أبسط الأشياء لها قيمتها». ويُساعدها أبناؤها الثلاثة، وهم حاصلون على شهادات عليا وعاطلون عن العمل، في الاعتناء بالمشتل.

ويضيف محمد تهماسيب: «في أقل من سنة، يحصلون على حوالي 150.000 روبية (أي 1060 دولارا أمريكيا) مقابل تسيير مشتل بـ25.000 شُجيرة، ندفعها لهم على ثلاثة أقساط». أول ما تنوي فرزانا القيام به عند حصولها على مرابيح بيع الشجيرات هو وضع بلاطة جميلة على ضريح ابنتها أنام التي تُوفّيت فجأة في سن العشرين، قبل بضعة أشهر. وتقول والدمع يغمر عينيها: «في السنة الماضية، جمعت أنام مهر زواجها من إنتاج المشتل».

وتذكر روبينا غول، البالغة من العمر ثلاثين سنة: «لم يسبق لي أن حصلت على مثل هذا القدر من المال.  تغيّرت حياتي تماما، وكل ذلك دون أن أغادر بيتي». وتقول مُبتسمة: «اليوم، أصبح ابني  يُزاول تعلّمه في مدرسة خاصّة». هي وزوجها، سجيد زمان، يُعدّان مشاتل منذ عام 2015: «في السنة الأولى، قمنا بتنمية الشجيرات في الفناء الأمامي لمنزلنا». وبما وفّراه من مرابيح، تمكّنا من إنشاء مشتلة أكبر فوق قطعة أرض متروكة  كانت على ملكهما، كما فتحا دكانا يُوفّر لهما دخلا شهريا. وتمكّنا أيضا من شراء شاحنة صغيرة مستعملة. وتُضيف روبينا مُبتهجة: «الآن، أصبح بإمكاننا الذهاب إلى الوديان المجاورة».

عشرة أضعاف

عندما شكّلت حركة تحريك-أ-إنصاف الحكومة الفدرالية في شهر أغسطس 2018، قررت توسيع البرنامج إلى كافة أنحاء البلاد وغراسة عشرة مليارات من الأشجار.

هذه الدورة الجديدة «المضاعفة عشر مرات» لمشروع إعادة التشجير الملقب «تسونامي مليار شجرة» كانت، بحكم طبيعتها، مختلفة كثيرا عن المشروع الأصلي، حسب م. أ. أسلام، بسبب التنوّع الكبير للمناطق البيئية، والأراضي ونماذج التسيير التي يجب اتّباعها في غراسة الأشجار.

«إن "تسونامي العشرة مليارات من الأشجار" عملية أكثر تعقيدا، لأنه سوف يعبر المشاهد والنماذج الغابية في ست مناطق، تمتد من المانغروف إلى المزارع المربعة، مرورا بالمحميات الطبيعية والمساحات المشجرة في المناطق الحضرية». بعد النجاح في مكافحة الاستغلال غير المشروع للغابات في مقاطعة خيبر بختونخوا، تأهبت السلطات لمجابهة "العصابات" في أرض بنجاب، «لتوفير مساحات تسمح بنموّ الغابة»، حسب تصريح الوزير الفدرالي.

وقد مرّ إلى مرحلة التنفيذ. في بلوكي التي تقع في مقاطعة بنجاب على مسافة ساعة واحدة بالسيارة من لاهور، نجحت الحكومة في استرجاع الأراضي العمومية التي تمّ الاستيلاء عليها بطريقة غير مشروعة، لتُنشئ فيها محمية طبيعية تمسح 1011 هكتارا. وتطمح الحكومة، وبالوسائل القانونية، إلى استرداد متخلفات الإيجار من ثمانين من رجال السياسة وكبار المالكين الذين استغلوا الأراضي بصفة غير مشروعة طيلة عشرين سنة. كما تعتزم القيام قريبا بطرد أولئك الذين تعدّوا حدود الغابات المحاذية والمناطق الرطبة على طول نهر السند.

تغيير العقليات

بالنسبة للذين حظوا بهذه الفرصة الفريدة من نوعها للمساهمة في مشروع تسونامي مليار شجرة، كانت التجربة رائعة ومفيدة. يقول نزار شاه، أمين البيئة في مقاطعة خيبر بختونخوا: «لقد تم إصلاح أمانة الغابات بالكامل، بعد أن كانت سابقا تُعتبر القسم الأكثر فسادا في الإدارة العمومية. كما تمّ تحسين طريقة تسييرها بشكل محسوس. بالأمس، لم تكن هناك مراقبة، ولا مسؤولية، ولم يكن الأعوان يزورون المزارع إلا نادرا. كل ذلك تغيّر الآن. قد لا يكون الفريق الحالي مُتكوّنا أحسن تكوين، لكنه أصبح مُتفوّقا للغاية من حيث التفاني والحماس». 

بعد ذلك، تمّ تسليط أشد العقاب على المخالفين الذين كانوا في أغلب الحالات من أصحاب النفوذ في المجتمع وكانوا يظنّون أن نفوذهم لا يُقهر. وقد تحقق كل ذلك بفضل الإرادة السياسية التي توفّرت في أعلى المستويات.

ويعتبر العديد من العاملين في أمانة الغابات أن هذه التجربة غيّرت نظرة سكان خيبر بختونخوا للأشجار، وعادوا إلى التصديق بالحكمة التقليدية الداعية إلى الصيانة والمحافظة. يقول عُبيد الرّحمان، عون تنمية التجمعات في أمانة الغابات بخيبر بختونخوا: «نلاحظ اليوم وعيا كبيرا بقيمة الملكية لدى التجمعات»، مُضيفا: «لو لا مساهمتها، لما كان لهذا المشروع أن ينجح».

ويعتبر م. أ. أسلام «أن ما جعل مشروع تسونامي مليار شجرة مشروعا استثنائيا هو أنه لا يقتصر على عملية زرع الأشجار، وإنما يشمل أيضا تغيير العقليات وحثّ السكان على النظر إلى دور الطبيعة والأشجار بنظرة مختلفة، وعلى الاهتمام بصيانتها. لقد ساعدنا مشروع "مليار شجرة" على تغيير سلوك السكان في مقاطعة خيبر بختونخوا، وخاصّة منهم الأطفال والشباب، وعلى حثّهم على اعتبار الأشجار ثروة طبيعية. وقد تعدّت النتائج حدود المقاطعة لتنال أنحاء كثيرة أخرى، بما أننا كنا دافعا لخلق حركة سياسية خضراء في كامل البلاد التي أصبحت أكثر وعيا بأهمّية المحافظة على الطبيعة».

في البداية، كانت المهمّة تبدو مستحيلة، خاصّة في مقاطعة كانت تقع تحت سيطرة "عصابات" الخشب التي كانت تفرض فيها إرادتها. أما اليوم، مع مرور الزمن، يمكن استخلاص درسيْن أساسيّيْن، هما حسب م أ. أسلام : «أولا، إذا منحتَ الطبيعة مساحة وظروفا لتتجدّد، فإنها تجود بأكثر من توقعاتك وآمالك. ثمّ، إذا كرست كل قدراتك، وكنتَ على استعداد للعمل بأقصى جهدك، كل شيء يصبح ممكنا».

زوفين ت. ابراهيم

صحافية باكستانية مُتخصّصة في مسائل التنمية تعمل لفائدة وسائل الإعلام الوطنية والعالمية، زوفين ت. ابراهيم مُحرّرة في ذو ثورد بول في باكستان، وهي منصة متعددة اللغات تشجّع على التحاور حول حوض مستجمعات المياه في الهيمالايا والمجاري المائية النابعة منها.