بناء السلام في عقول الرجال والنساء

أفكار

مواجهة التحديات الاجتماعية بفضل الذكاء الاصطناعي

cou_03_19_idees_ai_02_website.jpg

: عمل من مجموعة «حياة تحت المراقبة» للفنانة الإيطالية فابيان ألبرتيني، تم إنتاجه في الدانمارك سنة 2018.

من فوائد استخدام الذكاء الاصطناعي أنه يسمح بحلّ مشكلين من بين المشاكل الشائكة التي نواجهها حاليا: انتشار الأخبار الزائفة والتدخل في الحياة الخاصة. وقد فازت كل من شركة فاكتماتا التي تستعمله للتصدّي للتضليل الإعلامي، وشركة د-إد، التي تستخدمه لحماية الهويات من نُظم التعرف على الوجه، بجوائز ناتأكسبلو 2019، التي سلمت في شهر ابريل بمقر اليونسكو.

ضروف غولاتي، رئيس مدير عام ومؤسس شريك لـفاكتماتا اللندنية، وجيل بيري، رئيس مدير عام ومؤسس شريك لـد-إد، التي يُوجد مقرّ لها في تل أبيب (إسرائيل) وآخر في بالو ألتو بكاليفورنيا (الولايات المتحدة)، يعرضان الابتكارات التي حققتها الشركتان.

 

أجرت الحوار شراز سيدهفا

ضروف غولاتي : مقاومة الأخبار الزائفة

ما الذي دفعك لبعث شركة ناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي تهدف إلى التصدّي للتضليل الإعلامي؟ أليست مهمّة جبارة مثل مكافحة الفساد؟

فعلا، الأمر ليس سهلا. لكن إذا أردت تغيير العالم، بدل مسايرة النسق العام، عليك أن تتحرّك في الاتجاه الذي يُمكن أن تُؤثّر فيه على العالم بأسره في حال نجاح المشروع. باستخدام الذكاء الاصطناعي مع الذكاء البشري، تعمل فاكتماتا على بلورة خوارزميات يمكن تفسيرها لحلّ مشكلة التضليل عبر الإنترنت وبناء نظام إعلامي أكثر جودة.

وضعت فاكتماتا نظام فرز يسمح باستيعاب مجمل المضامين المنشورة على النت، وقراءتها بطريقة ذكية، وتطبيق تسع إشارات للتصنيف – خطب الكراهية،  بما في ذلك الانحياز السياسي والتمييز الجنسي – لإعطاء فكرة دقيقة للمستعملين عن جودة كل ما يُنشر على الواب، وعن سلامته ومصداقيته.  ويُطبّق النظام هذا التصنيف بطريقة مُحايدة وقابلة للتفسير، وذلك بفضل شبكة من الخبراء تعمل حصريا لفائدة الشركة ومُؤلفة من أعلى الكفاءات في تقييم هذه المضامين.

هدفنا هو خلق نظام كوني جديد للتصنيف النوعي للمضامين المنشورة على النت، يتم وضعه على المنصات الآلية لبيع وشراء المساحات الإشهارية، وعلى متصفّحي الواب، ومحركات البحث، والشبكات الاجتماعية، الخ. وهكذا يتم تثمين الصحافة الجيّدة والترفيع من قيمتها النقدية، في حين تنخفض المردودية المالية للمضامين ذات المصداقية الضعيفة وغير الملائمة.

ما الفرق بين فاكتماتا وبرمجيات أخرى على غرار تلك التي يستعملها فايسبوك مثلا؟

تكنولوجيتنا قابلة للتطوير على نطاق واسع. يُمكن أن تُصبح أكثر دقّة لأننا نستعين في وضع البرمجيات حصريا بمجموعات الخبراء، وبالتالي نستعمل بيانات خاصة بنا بدل استعمال المعطيات المفتوحة التي يؤمّها الجميع. إن معالجة البيانات الفريدة من نوعها صعبة جدا وتتطلب الكثير من الوقت. أما نحن، فقد وجدنا طريقة للحصول على هذه البيانات بأقل تكلفة وأكثر نجاعة من غيرنا، بفضل تشريك المستعملين في العملية.

من هم مُستعملي خدماتكم؟

أولا، ناس مثلك ومثلي يريدون استعمال أدواتنا لاختبار حسهم النقدي، ثمّ علامات تجارية وحكومات تريد التأكّد من إمكانية مراقبة أولئك الذين يبثّون الإشاعات المُضرّة بصحة المجتمع، أو الذين ينشرون الأخبار التضليلية التي قد تُسبّب اضطرابا في إطلاق منتوج أو حملة.

حسب رأيك، ما هو الأجدى لاستئصال الأخبار الزائفة، الذكاء الاصطناعي أم الذكاء البشري؟

الذكاء البشري دون شك. ولكن الخوارزميات تشتغل على تجهيزات عديدة وهي قادرة على تحليل ملايين المعطيات خلال ثانية واحدة. لو اكتفينا بالأداء البشري، لتطلب الأمر جيوشا كاملة، ولن تكون قادرة على العمل دون انقطاع وعلى نفس الوتيرة. وبالتالي، يكمن الحل في استعمال الموارد البشرية والذكاء الاصطناعي في آن واحد.

هل بإمكان القراصنة ومُروّجي الأخبار الزائفة التحايل على الذكاء الاصطناعي؟

سيُحاولون القيام بذلك دون شك. هدفنا السعي إلى جعل محاولاتهم تزداد صعوبة. لما يكون النظام جيدا، يتوصّل بسرعة إلى التغلب على المحتالين مهما كانت قدراتهم. بهذه الطريقة، تغلّبنا على مشكلة البريد المزعج، وكذلك على أغلب المشاكل المتعلقة بالأمن على الإنترنت.

المهم بالنسبة إلينا هو أن نتمكّن من البقاء لفترة طويلة مع ضمان التمويل اللازم حتى نبني التكنولوجيا الأساسية الخاصة بنا، ونضمن مجموعة من الزبائن الذين يُساندوننا، كي نواصل التطلع إلى المستقبل. وأعتقد أنه، مع مرور الزمن، ستُتوج جهودنا بالنتائج المرجوة، وسوف ننجح في ميادين قد يتخلى عنها غيرنا.

 

جيل بيري: حتى يستحيل التعرف على الوجوه

أنت من قدماء وحدة النخبة 8200 التابعة لجهاز المخابرات في الجيش الإسرائيلي. ما الذي حدا بك لابتكار برمجية لحماية الهويات من أنظمة التعرف على الوجه؟

راودتني هذه الفكرة حين كنت في الخدمة العسكرية. في تلك الفترة، كنا على وعي تام بمخاطر تكنولوجيات التعرف على الوجوه، بالنسبة لحماية الحياة الخاصة والهويات. ولذلك السبب، لم يكن لدينا الحق في نشر صورنا في وسائل الإعلام الاجتماعية. وعندما غادرت الجيش، قررت التعمّق في الموضوع. درست المشاهدة بالحاسوب ومعالجة الصور، واشتغلت طيلة عدة سنوات في هذا المجال. ثمّ، ومنذ حوالي سنتين ونصف، كوّنت فريق عمل مع سالا بلوندهايم وأليران كوتا اللذان أسسا شركة د-إد، وأخذنا معا في كتابة أحد الخوارزميات الأكثر دقة لحماية الصور الفوتوغرافية من تكنولوجيات التعرف على الوجوه. وهو ما يُمثّل اليوم القاعدة التي ترتكز عليها د-إد.

استخدمنا وجوهنا مكان كلمات السر، وبما أنه ليس من الممكن تغيير الوجه مثلما نقوم بتغيير كلمة سر عادية، أصبح من الضروري حمايته. فطورنا تكنولوجيا في مجال الذكاء الاصطناعي قادرة على حماية الصور من خوارزميات التعرف على الوجوه، بإدخال بعض التغييرات التي لا تبصرها العين. وبذلك يتيسر للمستخدمين تخزين صورهم، وتقاسمها واستعمالها دون خشية من استغلالها من قبل محركات التعرف على الوجوه.

ما فائدة الحماية من التعرّف على الوجوه، وما هي مخاطر عدم استعمال برمجيات إخفاء الصور؟

أولا، انتشرت تكنولوجيا التعرّف على الوجوه في كل مكان، وتسويقها في أوج ازدهاره. ثمّ إننا محاطون بآلات الكاميرا. المراقبة بالفيديو تُوجد في الشوارع، وفي المتاجر، وفي القطارات. ولدينا جميعا هواتف ذكية نستعملها لأخذ الصور والفيديوهات. وأخيرا، توجد صورنا في كل مكان، وخاصّة في الشبكات الاجتماعية، وفي تجهيزات مكاتبنا، وفي قواعد البيانات التابعة للدولة، الخ. هذا يعني أنه يمكن لأيّ كان التعرّف عليك، وملاحقتك وسرقة هويّتك.

في مقدرة تكنولوجيا التعرّف على الوجه أن تسمح لك بتقييم سلوك الناس، وأن تُخبرك عمّا إذا كان الحساب البنكي لجارك في وضع تداين. في بعض الدول، يمكنك التقاط صورة في الشارع لأحد المارة واستعمال التعرّف على الوجه للحصول على أدقّ التفاصيل حول حياته. ومعلوم أن هذه التطبيقات استُعملت لمُضايقة الأقليات والمتظاهرين. في الولايات المتحدة وفي بلدان أخرى، يُستخدم التعرّف على الوجه لمعرفة سنّ الحريف، وجنسه، وأصله العرقي، ورأيه في منتوج ما، وأشياء أخرى عديدة.

باختصار، أرى من واجبنا جميعا أن ننشغل بحماية حياتنا الخاصّة. ومن حسن الحظ أن د-إد وجدت حلّا لذلك.

الخوارزمي الذي تنفرد د-إد في استعماله يجمع بين معالجة الصور بأحدث الطرق وبين تقنيات التعلم العميق (الذي يسمح للآلات بأن تقوم، هي بذاتها، بالتعرّف على مفاهيم مُعقّدة، مثل الوجوه)، لإعادة رسم أي صورة فوتوغرافية في نسخة محمية. العملية صعبة إلى أبعد الحدود، ونعتقد أننا، حاليا، الوحيدون القادرون على توفير هذه التكنولوجيا.

هل تعترضكم مشاكل مع المصالح العمومية، بما أنها تستعمل كثيرا هذه التكنولوجيا؟

لا، ليس لدينا مثل هذه المشاكل. بالعكس، فالحكومات والمُشرّعون المحلّيون يُطالبون بتعزيز تنظيم حماية الحياة الخاصّة، وهذا يتلاءم مع نظرتنا.

من هم حرفاؤكم؟ هل هم أشخاص يرغبون في حماية هوياتهم؟

حاليّا، نبيع تكنوجيتنا بالخصوص إلى الشركات. فهي تستخدمها لحماية صور إطاراتها ومُوظّفيها، وكذلك لحماية قاعدة المعطيات الفوتوغرافية الخاصة بحرفائها.

كما أننا نستهدف المدارس لمساعدة المُعلمين وتلامذتهم على نشر الصور وتبادلها دون التعرض للخطر. ونأمل أن نتمكّن تدريجيّا من توفير د-إد للجميع، مع إمكانية إدماجها في الهواتف الذكية وآلات التصوير الفوتوغرافي، بحيث يصبح التعرّف على أي صورة غير ممكن منذ عملية التقاطها.