حسب النزعة السائدة في النقاش العام حول تغيّر المناخ، تعتبر التكنولوجيات الخضراء الحل المعجزة لكل المعضلات. ولكن كثيرا ما تُهمل نقطة هامة، وهي ضرورة تطويرها بالتوازي مع العدالة الاجتماعية. يقول تياغاراجان جايارامان في هذا الصدد: «ما لم نفهمه بعدُ، وما هو أساسي أن نفهمه، هو أن الأمر لا يتعلّق بالاحترار العالمي فحسب، وإنما باحترار في عالم يفتقد للمساواة والعدل». حسب هذا الخبير الهندي، لا يمكن مكافحة تغيّر المناخ بطريقة فعّالة دون تحقيق المساواة والإنصاف، أي دون سلم وأمان.
تياغاراجان جايارامان يُجيب عن أسئلة شراز سيدهفا
هل يحجب هذا التحمس للتكنولوجيات الخضراء ضرورة التأكيد على المساواة والعدالة الاجتماعية في مكافحة تغير المناخ؟
هذا هو بالذات السؤال الذي يجدر طرحه. فمن الصعب مكافحة أكبر خطر بيئي يُهدّد البشرية دون التطرق لمسألة المساواة والعدالة الاجتماعية، وهو أمر أصبح، في اعتقادي، مقبولا به على نطاق واسع: نحن نميل، بشكل طبيعي، إلى التسليم بأن مكافحة تغيّر المناخ لا بد أن تتمّ بالتوازي مع العدالة الاجتماعية. ولكن مع الأسف، فقدت هذه العبارة جوهرها في الخطاب العادي للمنظمات الدولية التي تتناول أحيانا الموضوع، حتى أننا لم نعد نعرف المعنى الحقيقي للعدالة الاجتماعية. وفعلا، يختلف مغزاها بشكل كبير من ثقافة إلى أخرى.
من وجهة نظري، أرى من بين التعريفات الممكنة للعدالة الاجتماعية تحديدها بوجود نظام حكم أو نظام اجتماعي-اقتصادي من شأنه أن يُؤدّي إلى تثمين القدرات البشرية وتوسيعها وتطويرها.
من الواضح أنه لا يمكننا أن ندّعي إنقاذ البشرية مع القبول بالمظالم الاجتماعية والاقتصادية. والحال أننا نلاحظ وجود نزعة حقيقية لدى عدد من المسؤولين السياسيين – وخاصة منهم المدافعين عن المحيط – إلى التسليم بأن الأول (إنقاذ البشرية) لا بد أن يمر قبل الثاني (المظالم الاجتماعية) باعتبار أهميته القصوى. مثل غلق مصنع مُلوّث قبل الاهتمام بمصير العاملين فيه. وفي هذه الحالة تتجلى مسألة الإنصاف والعدالة بكل معانيها.
كيف يُمكن إذن تفادي السقوط في فخ اللامساواة الاجتماعية مع الاستمرار في تطوير البنى التحتية الخضراء؟
المسألة لا تتعلّق فقط بتطوير البنى التحتية الخضراء، وإنما بكافة أشكال العمل المناخي. وحلها ليس بسيطا: ونكون على خطأ إذا ادّعينا العكس. نسمع حديثا كثيرا عن التكيف أو الهشاشة أو ضرورة الأخذ في الاعتبار، عند التكيف، احتياجات ضعفاء الحال. ونجد تقريبا نفس المصطلحات في الخطاب الذي يدور حول القضاء على الفقر، عندما يتطرق إلى وسائل العيش المستدامة. وكأن هذا الأسلوب الخطابي حقّق الكثير في سبيل القضاء على الفقر... ليس من السهل ضمان العدالة الاجتماعية وفي نفس الوقت مقاومة المناخ. وكما هو الشأن بالنسبة لكافة أجندات التنمية، النضال من أجل عالم عادل ومُنصف هو كفاح طويل المدى، وسوف يتواصل. المهم هو أن نقول بوضوح إن المناخ لا يُمثّل استثناء.
منذ صدور تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، في أكتوبر 2018، هناك من يحاول إقناعنا بأن عالمنا سيكون مُنصفا بشكل طبيعي إذا لم يتجاوز معدل ارتفاع الحرارة في الأرض 1،5 درجة مئوية. في رأيي، هذا غير صحيح على الإطلاق: إذ لا يمكن الجمع بين العدالة الاجتماعية والمساواة والتنمية، والحفاظ على ارتفاع الحرارة في العالم بمعدل 1،5 درجة مئوية... فكأنما سلمنا بأن كافة مشاكل الظلم مُتأتية من المناخ، وهو طبعا كلام سخيف.
يسعى المسؤولون السياسيون الواعون بمخاطر تغيّر المناخ وتأثيراته إلى حثّ المؤسسات على مساندة الصناعات الخضراء، مؤكدين أنها ستخلق الملايين من مواطن الشغل وإمكانيات جديدة للنمو. هل تدخل العدالة الاجتماعية في هذه المعادلة؟
إلى حد الآن، الاتجاه السائد هو مجاملة المؤسسات أملا في أنها سوف تقوم بما يلزم بخصوص تغيّر المناخ والعدالة الاجتماعية. وهي استراتيجية مآلها الفشل لا محالة.
الدول المتقدمة أمام طريق مسدود بخصوص هذا الموضوع في النقاشات حول المناخ. فهي لم تسجل أي تقدم بشأن الضريبة على الكربون أو تبادل حقوق الانبعاثات. لكن لماذا لم تتمكن من فرض بعض الأهداف على بعض الصناعات؟ لا بد من سن قوانين أكثر صرامة، أو فرض غرامات مالية، وهو أمر ليس مطروحا في الوقت الحالي. والاعتقاد بأنه بالإمكان حثّ المؤسسات، بشيء من التملّق، على التصرّف بشكل أخلاقي، يبدو لي سخيفا نوعا ما. كما لا أرى فيه نفعا لأن المنظومة الاقتصادية تسير بطريقة مختلفة. هناك شركات مثل شال أو إكسون موبايل تتحدّث بلطف عن الاستثمار في التكنولوجيات الخضراء، دون أن تُغيّر شيئا من أنشطتها.
أعتقد أننا بحاجة إلى استراتيجية مزدوجة حول التكنولوجيا في العالم. الجانب الأول يتمثل في إعطاء دفع قوي للانتقال السريع إلى التكنولوجيات الخضراء في الدول المتقدمة، علما وأن هذا الأمر لا يتمّ بالسرعة المطلوبة حاليا. فالعديد من الدول المتقدمة لا زالت، مثلا، تعتزم استعمال الغاز كبديل للفحم – في حين أن كلاهما طاقتان أحفوريتان – بدل اختيار الطاقات المتجددة.
الجانب الثاني من الاستراتيجية يتمثل في ضرورة تجاوز الدول النامية لبعض المراحل، لكن بشكل مدروس ومحكم، إذ لا يمكن أن ننتظر منها المرور مباشرة، دون مرحلة انتقالية، من المحروقات الحيوية على الطريقة القديمة، إلى أحدث تكنولوجيات الطاقة الشمسية. إن انتقال المنظومة الاقتصادية من مستوى معيّن في مجال استعمال الطاقة وجدواها، إلى مستوى مختلف تماما، لا يمكن أن يتمّ بمجرد الإعلان أن «هذا من باب الممكن، والأمر متعلق فقط ببذل الجهود». فالمسألة أكثر تعقيدا من ذلك.
هل الدول المتقدمة على استعداد لمساعدة الدول النامية على تجاوز المراحل حتى تساهم في مقاومة تغيّر المناخ؟
الجهود متفاوتة جدا. عندما تشعر الدول المتقدمة بوجود فرصة ملائمة، فهي لا تفرط فيها وتبقى على استعداد لتوفير تكنولوجياتها للدول النامية، مثل السيارات الكهربائية. ومن ناحية أخرى، هي تطالب بحلول من قبيل «كل شيء أو لا شيء»، وهذا موقف غير مجدي. على سبيل المثال، هي تريد أن تكفّ الهند على الاستثمار في الفحم. من وجهة نظري، بما أن الدول المتقدمة غير قادرة على ضمان الانتقال من الفحم إلى الطاقات المتجددة، وتكتفي في الواقع بالمرور من الفحم إلى الغاز، لماذا تطلب من الدول النامية أن تفعل ما لا تفعله هي؟
لماذا تتباطأ الدول المتقدمة في إصلاح مجال النقل؟ لماذا لا تحث هذه الدول على تطوير النقل بواسطة الكهرباء مثلما تفعله الهند أو الصين؟ توجد في الصين مُدن بأكملها، مثل شانزان، تعتمد على النقل الكهربائي. ولا يوجد مثيل لها في الغرب. وإذا تركنا النقل الكهربائي جنبا، نجد أنه تم تأجيل القواعد الصارمة لضبط الانبعاثات لسنوات عديدة في الاتحاد الأوروبي. لم تحقق الدول المتقدمة إلا القليل في مجال النقل.
وفي العديد من المجالات الأخرى، نلاحظ في النقاشات بين الأخصّائيين، تباينا بين ما يعلنونه من ضرورة الاستعجال وبين السياسات المناخية المعتمدة وطريقة تفعيلها. كما أنهم يُشيرون بكل بوضوح في الوثائق الرسمية للدول المتقدمة، إلى أنهم سيجدون صعوبة كبيرة للوصول إلى الأهداف المحددة لمساهمتهم الوطنية إذا بقيت الوتيرة على حالها. ولكن أصحاب القرار في مجال المناخ لم يظهروا أي تأثر بهذه الملاحظات.
إذا ازداد تغيّر المناخ حدّة، فإن تأثيراته المباشرة وغير المباشرة - زيادة تدفقات الهجرة، مثلا – سوف تلحق الدول الغنية أيضا. فهل تعتقد أن مصالحهم الخاصة، مثل الحد من هذه التدفقات، قد تدفعهم إلى مساندة العدالة الاجتماعية؟
المصلحة الخاصة من صنفين: مصلحة مرتبطة باستقرار النظام العالمي، وأخرى مرتبطة بالبلاد التي ننتمي إليها. لكن مع الأسف، في الولايات المتحدة، الاهتمام بالظروف المعيشية منعدم حتى بالنسبة لداخل البلاد. وحسب دراسة حديثة، فإن ازدياد نسبة الاحترار في المناطق الأكثر ارتفاعا سوف تُؤدّي إلى تكثيف العواصف التي ستصيب بالخصوص كندا، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي وروسيا. والحال أن هذه الدول (ربما باستثناء الاتحاد الأوروبي الذي لا ينتمي إلى هذا الصنف) هي التي نادرا ما تعترف بأنه يعود إليها تحقيق الجانب الأكبر من التكيف. ومن الأجدر بها أن تعي بذلك. لأستراليا اليوم ، مثلا، احتياجات ضخمة للتكيف، بالنظر إلى العدد الهائل من الحرائق التي تحدث في الغابات وتُساهم إلى حد كبير في تغيّر المناخ.
يروّج الخطاب السياسي لفكرة مفادها أن التكيف مشكلة تخص العالم الثالث ولا تهم الدول المتقدمة، وهذا أمر مؤسف من وجهة نظري. فإذا قارنّا ارتفاع سطح البحار جراء ارتفاع الحرارة بـ1،5 درجة مئوية و2 درجة مئوية، بالنظر إلى عدد السكان المهددين، يتضح أن الأرقام المطلقة الأكثر ارتفاعا من حيث عدد الأشخاص المعنيين تتعلق بأمريكا الشمالية، وهي أرقام تفوق حتى الدول الجزرية. مع ذلك، تبدو الدول المتقدمة وكأنها غير واعية بأن من مصلحتها الخاصة أن تنشغل بالظروف البيئية للحياة البشرية، في العالم المتقدم على الأقل. أعتقد أن هذا الوعي موجود، إلى حدّ ما، في الاتحاد الأوروبي، رغم أنه لم يؤثر في تغيير السلوكيات بالكامل. أما في بقية العالم، فلا زلنا بعيدين كل البعد عن مثل هذا الوعي.
وظهر تيار فكري جديد ينسب مصدر الصراعات والهجرة إلى الظروف المناخية والبيئية. وعلى ما يبدو، يحاول هذا التيار، ولو جزئيا، تحفيز الشعور بالمصلحة الخاصة في الدول المتقدمة، ولكن من منظور الأمن العالمي. غير أن الحروب والصراعات المسلحة – التي كثيرا ما تكون مصدر الهجرة – هي بالأساس مشاكل نابعة من الظروف السياسية والاجتماعية، وليست فقط ناتجة عن ظروف المناخ. إن تدفق الهجرة بين أفريقيا الشمالية وأوروبا، مثلا، مرتبط وثيق الارتباط بزعزعة الاستقرار وقلب أنظمة الحكم التي كانت تضمن الحد الأدنى من رفاهة العيش، الأمر الذي دفع عشرات الآلاف إلى الفرار. وفي هذا الصدد، ليس هناك أي مبرر لنسب موجات الهجرة إلى تغيّر المناخ.
عالم يأمه السلام والأمن، ذلك هو الشرط المسبق للتصدي لتغيّر المناخ. ولكن القيام بعمل ناجع في مجال المناخ لا يكفي وحده لتحقيق السلام والأمن في العالم.
متضامنون للحفاظ على التنوع البيولوجي