بناء السلام في عقول الرجال والنساء

زاوية كبرى

بينغ ليوان: "معًا، سنجعل عالم الغد أفضل بفضل التعليم"

cou_sup_ed_wide-angle_peng_website.jpg

بينغ ليوان وأودري أزولاي، في تظاهرة حول تربية وتعليم البنات والنساء، انتظمت في مقرّ اليونسكو بباريس في 2019.

رغم التقدّم المُسجّل خلال السنوات الأخيرة، فإن جائحة كوفيد -19 زادت من تعميق الفوارق بين الجنسين. لذا وجب دعم الجهود الدولية، وضخّ المزيد من الاستثمارات، وتعزيز الابتكار والتّجديد حتى نضمن النّفاذ المتكافئ للفتيات والنساء إلى التربية والتعليم. ذلك ما تدعو إليه بينغ ليوان، زوجة رئيس جمهورية الصين الشعبية والمبعوثة الخاصة لليونسكو لتعزيز تعليم الفتيات والنساء. 

يُعتبر تعليم الفتيات والنساء وتربيتهنّ مكونًا رئيسيًا ضمن أهداف التنمية المستدامة. فحسب رأيكم، ما هو دور التربية والتعليم في الحدّ من الفقر ودفع النموّ الاقتصادي والتّنمية المستدامة؟ هل يمكنكم مدّنا ببعض الأمثلة ومشاركتنا بعض الممارسات الجيّدة في هذا المجال؟

القضاء على الفقر وتحقيق المساواة بين الجنسين من بين المثل العليا التي تتقاسمها الإنسانية جمعاء، ومطمح تشترك فيه النساء من جميع أنحاء العالم. فالنّفاذ إلى تعليم عادل وجيّد يمكّن النساء من اكتساب المعارف والمهارات الضرورية لضمان استقلالهن، والخروج من حالة الفقر، والعيش في سعادة. كما ستسمح لهن هذه الاستقلالية بالمساهمة في المجتمع، وتوريثها إلى الأجيال القادمة، ووضع حدّ لانتقال الفقر بين الأجيال.

لقد زرت عديد البلدان وتحدثت إلى أناس من كل الأطياف. شاهدت العديد من النساء ينتشلن أنفسهن من الفقر ويغيّرن مصيرهن بفضل التعليم. وأود، في هذا الصدد، أن أشارككم بعض التجارب والممارسات من الصين. فبلادنا تمكّنت، بعد جهود دؤوبة، من القضاء على الفقر المدقع. كنا دائما نُصرّ على أن مقاومة الفقر تمرّ عبر الجهود الرامية إلى إثراء المعارف الفردية. فتطوير التعليم إجراء أساسي. والصين تعتبر أنّ تعليم الفتيات والنساء من الأسر الفقيرة أولوية مطلقة، وتسعى جاهدة لحماية حق الفتيات في التعليم من خلال سلسلة من التدابير مثل بناء المدارس، وإعفاء الفتيات من الرسوم الدراسية وغيرها من النفقات المرتبطة بالدراسة، وتوزيع الوجبات المغذية وتقديم المنح. كما أدرجنا برامج تدريب مهني متنوّعة لفائدة النساء حسب الخصوصيات الجهوية واحتياجاتهن على المستوى المحلي من أجل مساعدتهن على تحسين دخلهن. مشروعنا "برعم الربيع" هو برنامج مساعدة عمومية يهدف إلى تحسين تعليم الفتيات من العائلات الفقيرة. ولقد مكّن، خلال الثلاثين سنة الأخيرة، أكثر من 3 ملايين فتاة من إنهاء دراستهن وتحقيق أحلامهن. كما أطلقت السلطات المحلية، في مقاطعة غويتشو الصينية، برنامج "الجميل"، الذي يُوفّر للنساء تدريبا على الأشغال اليدويّة. وشرعت أكثر من 500.000 فتاة وامرأة في العمل في منازلهنّ حيث يصنعن منتوجات من الصناعات التقليدية مثل التطريز، والنسيج المُزخرف بطريقة الباتيك، وغيرها من المنسوجات التي يبعنها ويتمكّن من الانفتاح على حياة جديدة بفضل مهاراتهن اليدوية.

حاليًا، ما زالت 435 مليون امرأة فقيرة في العالم، ومازالت الفوارق بين الفتيات والفتيان راسخة في مجال التعليم. وهو ما يدعونا إلى مضاعفة عزيمتنا من أجل تعزيز تعليم الفتيات والنساء والعمل معًا حتى يتمكن العدد الأكبر منهن من الحصول على تعليم جيد، والمساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

تسببت جائحة كوفيد-19 في زيادة الفوارق في العالم في مجال التربية وفي ارتباك غير مسبوق في سير التعليم، إذ توقّفت الدروس بالنسبة لأكثر من ٪91 من التلاميذ في العالم. وحسب اليونسكو، قد لا تتمكن 11 مليون فتاة من مواصلة تعليمهن. علما بأن العالم يعدّ، قبل الجائحة، 130 مليون فتاة غير ملتحقات بالتعليم. كيف يُمكن، في رأيكم، رفع التحديات الخطيرة التي تواجه تعليم الفتيات ؟

الفتيات والنساء ينتمين إلى أكثر المجموعات عرضة للكوارث. وأنا أتابع عن كثب، منذ اندلاع كوفيد-19، قضيّتي الصحة والتعليم للفتيات والنساء عبر العالم. وإنّني شديدة الانشغال بوجود هذا العدد من الفتيات اللاتي لا يقدرن على العودة إلى المدرسة. ففي هذه الظروف الخاصة، يجب أن نوليهن مزيدًا من العناية وأن نقدم لهنّ مساعدة ملموسة.

منذ بداية الجائحة، اتّخذت اليونسكو إجراءات نشيطة لحماية حق الفتيات في التعليم، مثل إدراج موارد تعليمية عالمية على شبكة الإنترنت، وإصدار دليل عودة الفتيات إلى المدرسة، ونشر تقارير حول عدّة مواضيع. كما اشتغلت الحكومات جديّا، كل على طريقته، لضمان متابعة الأطفال، وخاصة الفتيات، للدروس المقدمة عبر الإنترنت أو التي تبث عبر الإذاعة والتلفزيون. من جانبنا في الصين، وبالتّوازي مع مقاومة الجائحة بما يقتضيه الوضع، بذلنا كل ما في وسعنا لحماية الصحة البدنية والعقلية لمئات الملايين من التلاميذ. فوفّرنا ​​التعليم عبر الإنترنت لحوالي 300 مليون دارس، بمن فيهم الفتيات، خلال الفترة التي كانت فيها المدرسة مغلقة، وبذلنا جهودًا لاستئناف الدروس حتى يتمكن الأطفال من العودة إلى المدرسة في الوقت المناسب وفي كنف الأمان.

ورغم مواصلة كوفيد-19 الانتشار عبر العالم، فإنّ أملنا المشترك هو عدم ترك أي فتاة تتخلف عن التعليم بسبب هذه الجائحة. لذا فأوّل ما نحتاجه هو التعاون، عملا بالمثل الصيني القديم الذي يقول: "اتحاد القلوب والعقول يُمكّن من نقل جبل تايشان". فطالما نحن متضامنون ونعمل معًا، لن تكون هناك صعوبات لا يمكن التغلب عليها. ثانيًا، لا بد من الزيادة في الاستثمار في تعليم الفتيات أثناء الجائحة، ببذل جهود أكبر لتعزيزه. ثالثًا، علينا أن نعمل بروح إبداعية، وأن نستنبط طرقا جديدة، ونتبنى تقنيات جديدة لحل المشكلات الجديدة، حتى يتمكن أكبر عدد من الفتيات من الوصول إلى موارد تعليمية جيدة ومواصلة دراستهن بطريقة مرنة ومتنوعة.

أطلقت اليونسكو سنة 2019 مبادرة بعنوان "مستقبل التربية والتعليم" التي تهدف إلى فهم الطريقة التي يمكن للمعرفة والتعلّم أن يكيّفا بها مستقبل الإنسانية والكوكب في أفق سنة 2050 وما بعدها. في رأيكم، كيف يُمكن لتعليم المستقبل أن يساعد الناس على تحسين قدراتهم على تعزيز التنمية المستدامة وبناء عالم أفضل؟

إن مبادرة اليونسكو لمستقبل التعليم مهمة جدّا، لأنها تقوم بتعبئة الحكمة العالمية من أجل التفكير في مستقبل التربية. فتربية المستقبل يجب أن تُصاحب الجميع طوال حياتهم، وأن تكون متاحًة للجميع على قدم المساواة، وأن تتكيّف مع الجميع وتكون أكثر انفتاحًا ومرونة.

أعتقد أن التعليم والتربية المستقبليّين يجب أن يهدفا إلى مساعدة الناس على تحسين قدراتهم في مجالات ثلاثة. أولاً، القدرة على العيش في تناغم مع الطبيعة. فالإنسان والطبيعة يُشكّلان حياة مشتركة. وأمام تحدّيات من قبيل التغيّر المناخي والتدهور البيئي، تُعتبر التربية ضروريّة لمساعدة الجميع على فهم الطبيعة واحترامها، والتّشجيع على إيجاد نماذج جديدة للإنتاج وأنماط حياة متلائمة مع التّنمية المستدامة، والعمل على جعل الناس يُبادرون بالتكيّف مع الطبيعة وحماية الأرض، هذا البيت الوحيد الذي تتقاسمه الإنسانية جمعاء. ثانيًا، القدرة على العيش في انسجام مع أناس من بلدان وثقافات مختلفة. فالمسارات التاريخية المتنوّعة، والظروف الوطنية المختلفة، والانتماءات العرقية والتقاليد المختلفة أدّت إلى ظهور حضارات متنوعة وخلقت عالَما ثريّا بالتنوع. وبفضل التربية والتعليم، يمكننا مساعدة الأجيال القادمة على معرفة ثقافات البلدان والأمم الأخرى وفهمها، وتثمين تنوع الحضارات، واحترام الخيارات التنموية للشعوب الأخرى، ونمط حياتها، مع الحفاظ على تقاليدنا الثقافية الجميلة. ثالثًا، القدرة على التعلّم والابتكار وتطبيق التكنولوجيات الجديدة. فبالنظر إلى انفجار المعارف والتكنولوجيات الجديدة، يجب أن يهتمّ تعليم المستقبل بتنمية قدرة البشر على التفكير الإبداعي والتعلّم طوال الحياة. كما يجب تحفيز التعليم الرقمي، وتدريب الأشخاص على تعلم كيفية استخدام الإنترنت، والبيانات الضخمة، والذكاء الاصطناعي، وغيرها من التكنولوجيات الجديدة لمواجهة التغيرات على نحو أفضل.

أنا مقتنعة بأننا، معًا، سنجعل عالم الغد أجمل بفضل التربية والتعليم.

لقد وضع إعلان ومنهاج بيجين للنهوض بالمرأة، المعتمديْن سنة 1995 في المؤتمر العالمي للنساء، أسسا متينة لتعزيز المساواة بين الجنسين وحماية حقوق النساء ومصالحهن، مما أعطى دفعا كبيرًا لتطوّر النساء على المستوى العالمي. ويُعدّ تعليم الفتيات والنساء وسيلة هامّة لتعزيز المساواة بين الجنسين وحماية حقوق النساء ومصالحهن. ماذا يجب، في رأيكم، القيام به، مستقبلا، لتعزيز تعليم الفتيات والنساء على نحو أفضل، ولمزيد المساهمة في بناء مصير مشترك للإنسانية؟

تعيش الإنسانية في نفس القرية العالمية، وتتطور في اتجاه مجتمع مترابط يواجه مستقبلا مشتركا. وللنساء القدرة على تعزيز تطوّر الحضارة الإنسانية وخلق مستقبل أفضل للبشرية. ويمكن لتعليم الفتيات والنساء أن يوقظ تلك القوة الرائعة على نحو كامل وتعزيزها وتحريرها. لقد دعّم إعلان وبرنامج عمل بيجين فكرة المساواة بين الجنسين واستقلالية النساء، وكان لهما تأثير كبير على تطوّر النساء في العالم، كما كانا حافزا قويّا لتطوير تعليم الفتيات والنساء. ومن الأمور المشجعة أن نلاحظ أن البلدان بذلت جهدا، على مدى العقدين الماضيين، من أجل تعزيز المساواة بين الجنسين في التعليم، وحماية حق الفتيات والنساء في التربية والتعليم، كما تم إحراز تقدم إيجابي في تعليم النساء في جميع أنحاء العالم.

إن تطوير تعليم الفتيات والنساء لا يُمكن أن يتحقق دون توفّر الشروط الثلاثة التالية: الدور الحاسم الذي تلعبه اليونسكو ومنظمات دولية أخرى؛ والالتزام الصارم والدائم للمجتمع الدولي لفائدة المساواة بين الجنسين؛ والبيئة الملائمة التي يتم إنشاؤها بالاشتراك بين المجتمع، والأسر، ومدارس المجتمعات المحلية. آمل أن تبادر الحكومات، وعدد متزايد من المنظمات الدولية، والجمعيات الشعبية، والأشخاص الحريصين على المصلحة العامة، بالعمل معًا للدفاع عن رؤية لمجتمع مستقبلي مشترك متقاسم بين الإنسانية، ودعم التضامن والتعاون، ومضاعفة التزام الجميع، وتطوير سياسات وخطط عمل أكثر استهدافًا وفعالية، وإنشاء شبكة عالمية أفضل لتعليم الفتيات والنساء. فعندما يتم استخدام التعليم لتمكين النساء من استقلالهن، ويتم تحقيق تقدم أكبر في تعزيز تعليم الفتيات والنساء، نصبح قادرين على العمل بأقصى سرعة لبناء مجتمع مستقبلي مشترك متقاسم بين الإنسانية جمعاء.

مثّل منح جائزة اليونسكو لتعليم الفتيات والنساء 2021 بداية المرحلة الثانية من التعاون بين الصين واليونسكو بخصوص هذه الجائزة. ما هي، في رأيكم، أبرز إنجازات مرحلة التعاون الأولى وتبعاتها ؟ وما الذي يمكن للمجتمع الدولي أن يفعله لمواصلة دعم هؤلاء الفائزين؟

سنة 2015، أطلقت كلّ من اليونسكو والصين، بالاشتراك، جائزة تعليم الفتيات والنساء لمكافأة أبرز المساهمات المقدّمة من الأفراد والمؤسسات والمنظمات في هذا المجال. وتهدف الجائزة إلى إبراز أهمية التربية والتعليم في تغيير مصير الفتيات والنساء، ومزيد حثّ الأشخاص على الانخراط في هذه القضية. ولقد استمرّت الجائزة في ممارسة تأثيرها الإيجابي خلال السنوات الأخيرة. ففي مرحلة أولى، تم منحها لمشاريع مقدّمة من 10 منظمات في 10 بلدان، إضافة إلى مشروع آخر من دولة حادية عشرة حظي بامتياز خاص. وتراوحت مواضيع المشاريع الحائزة على جوائز بين تعليم الطفولة المبكرة والتعليم العالي، وغطّت كافة أبعاد تنمية قدرات النساء. فهي تحمي حق النساء في التعليم، وتساعدهنّ على اكتساب المعارف والمهارات، وتسعى إلى القضاء على التمييز بين الجنسين. لقد منحت ملايين الفتيات والنساء الثقة والقدرة الضروريّتين لتغيير مصيرهنّ ومواصلة أحلامهن. كما حثّت المزيد من الأشخاص على الانخراط في القضية النبيلة لتعليم الفتيات والنساء.

إن تعزيز تعليم الفتيات والنساء اليوم سيعود بالفائدة على الأجيال القادمة. وستواصل الصين العمل مع اليونسكو لإنجاح المرحلة الثانية من الجائزة. وسيكون ذلك نقطة انطلاق جديدة. أتمنى أن يلتحق بنا عدد أكبر من الدول والمؤسسات والأشخاص. أعوّل أيضا على الفائزين بالجائزة في تعزيز المبادلات والتعاون، وتعميم ممارساتهم السليمة وتجاربهم الناجحة بشتى الطرق. تمنياتي، بالخصوص، أن يُولي المجتمع المدني، بفضل هذه الجائزة، مزيدًا من الاهتمام والدعم لتعليم الفتيات والنساء. فقصصهن تستحق أن تُقرأ وتُسمع، وهي تستحق الاعتراف والتشجيع.

بصفتي المبعوثة الخاصة لليونسكو لتطوير تعليم الفتيات والنساء، أعلن استعدادي الكامل لتحمل المسؤولية الملقاة على عاتقي وضمّ جهودي إلى جهود كل واحد منكم حتى يتمتّع المزيد من الفتيات والنساء بالثقة، وقوة الشخصية، والعزيمة، وأن يعشن حياة ملؤها الحب.

مطالعات ذات صلة

بينغ ليوان: "تكافؤ الفرص مبدأ أساسي"، رسالة اليونسكو، أبريل - يونيو 2017

 

اشترك في رسالة اليونسكو لمتابعة الأحداث. الاشتراك في النسخة الرقمية مجاني %100.

تابع  رسالة اليونسكو على تويتر، فيسبوك، أنستغرام