هل كنت تعلم؟ تأثيرات شبه الجزيرة العربية والهضبة الإيرانية في الموسيقى التايلاندية خلال فترة مملكة أيوتايا
تتمتع تايلاند بوفرة من الموارد الطبيعية وفرص الزراعة، والتي، جنبًا إلى جنب مع موقعها المتميز على طرق الحرير البحرية، جذبت تاريخيًا الأشخاص الذين يمرون عبر المنطقة للتجارة، وفي بعض الأحيان الاستقرار، في مراكز الموانئ التجارية. نتيجة لذلك، أصبحت المنطقة واحدة من المجتمعات التعددية الحقيقية الواقعة على طول طرق الحرير البحرية والمكونة من مزيج واسع من الثقافات واللغات. يمكن العثور على الدليل عن هذا التفاعل الثقافي والتبادل في الفن، الذي يتم تصديره الى وإنتاجه في المنطقة في أشكال متعددة تتراوح من التعبيرات عن الإيمان الديني إلى الترفيه الشعبي مثل الفنون المسرحية والموسيقى. على الرغم من أن ازدهار الفنون في تايلاند يسبق ظهورها كمركز مهم على طول طرق الحرير البحرية، فقد تغيرت المنطقة بشكل كبير خلال فترة مملكة أيوتايا (1350 - 1767م) بسبب التدفق المستمر للأشخاص من شبه القارة الهندية وشبه الجزيرة العربية والهضبة الإيرانية، والذي كان له تأثير كبير على الموسيقى والآلات الموسيقية المستخدمة في البلاط التايلاندي، والتي قدمت ألحانًا ومؤلفات جديدة سرعان ما أصبحت شائعة ومندمجة في التقاليد الموسيقية القائمة.
استقر التجار من شبه الجزيرة العربية في مناطق من شبه القارة الهندية الغربية مثل ساحل مالابار منذ أوائل القرن التاسع الميلادي. من هناك وصلوا إلى جنوب شرق آسيا عن طريق البحر حاملين معهم العديد من جوانب ثقافتهم. وفقًا لذلك، وبحلول نهاية القرن، أصبحت جنوب شرق آسيا حاضنة ثقافية تضمنت أيضًا اتصالات لاحقة مع التجار من الهضبة الإيرانية الذين يمرون عبر آسيا الوسطى وشبه القارة الهندية. كان من الشائع خلال فترة مملكة أيوتايا المبكرة أن تتبنى العائلة المالكة جوانب من الثقافات الأجنبية، لا سيما العادات الاجتماعية وأنماط الملابس. على سبيل المثال، تأثر الديوان الملكي في تايلاند بالملابس التي نشأت في الهضبة الإيرانية والتي تتبنى أنماط القبعات والأحذية من المنطقة. أما من ناحية تدفق التبادل الثقافي، فقد لعبت هذه التفاعلات أيضًا دورًا مهمًا في تطوير الموسيقى في تايلاند من خلال إدخال الأغاني والآلات الجديدة بالإضافة إلى الطرق التي تم بها تنسيق الموسيقى.
حيث تم استعارة الثقافة الموسيقية من مناطق أخرى على طول طرق الحرير تدريجيًا بمرور الوقت مع إدخال آلات وأساليب عزف جديدة تم تكييفها في بيئاتها الجديدة لإنشاء آلات جديدة تمامًا.
في البداية، تم اعتماد الأدوات من المناطق المجاورة مثل جافا وماليزيا، ومع ذلك، وبمرور الوقت، حيث توسعت الاتصالات البحرية، وصلت أدوات جديدة من مناطق شبه الجزيرة العربية والهضبة الإيرانية إلى تايلاند. يأتي الدليل الأكثر انتشارًا على هذه التبادلات من اللوحات الجدارية الباقية حيث أن الأدوات نفسها غالبًا ما تكون مصنوعة من مواد شديدة التلف مثل الأخشاب الخفيفة وجلود الحيوانات. على وجه الخصوص، في تايلاند، كانت اللوحات الجدارية شكلاً من أشكال الفن السردي للغاية الذي سجل مجموعة واسعة من الأنشطة لكل من الحياة اليومية والبلاط الملكي، وبالتالي يمكن اعتباره سجلاً تاريخيًا موثوقًا لتطور التقاليد الموسيقية في المنطقة.
أشار تحليل مثل هذه الجداريات إلى أن الأدوات الشعبية في هذه الفترة الزمنية تشمل على نوعين من العود، وهما السيتار "العود ثلاثي الأوتار والرباب "العود ذي الوترتين"، ونوعين من آلات الإيقاع هما طبل "الثاب " أو ما يعرف بأسم الدربوكة - وطبل "رامانا" الضحل والذي يشبه الدف بدون الصنج. تم صنع عود السيتار باستخدام المواد المتاحة محليًا بما في ذلك العاج وقشور جوز الهند وجلد الماعز. يُعتقد أن طبلة الثاب قد تم استيرادها في الأصل إما من شبه الجزيرة العربية أو الهضبة الإيرانية. ومع ذلك، فقد خضعت الطبلة في تايلاند والتي كانت في الأصل تستخدم من قبل شخص جالس على كرسي، لتعديلات تدريجية على شكلها مما جعل من السهل العزف عليها بالجلوس على الأرض كما لو كانت تستخدم في البلاط الملكي في تلك الفترة الزمنية. وبالمثل، كان العود ذو الوترتين سليلًا مباشرًا لآلة عربية ظهرت أيضًا في أوروبا. مع بعض التأثيرات الفارسية الإضافية، انتشر عود الرباب إلى جنوب شرق آسيا عبر طرق الحرير البحرية، ووصل إلى جاوة، وإندونيسيا، وتايلاند.
نظرًا لأن الموسيقى متنقلة ودائمة، فإن تبادل التقاليد الموسيقية بما في ذلك النشر والتطور التدريجي للعديد من الآلات المختلفة مثل العود والآلات الوترية والآلات الإيقاعية هو أحد أبرز أمثلة التراث المشترك المتبقي لطرق الحرير عبر جنوب شرق آسيا وما بعدها. في الواقع، على طول هذه المسارات التاريخية، تظل الموسيقى والفنون المسرحية عنصرًا حيويًا للتراث الثقافي غير المادي المشترك الذي ينتقل من جيل إلى جيل، والذي تعيد صياغته المجتمعات والشعوب باستمرار، مما يوفر إحساسًا قويًا بالاستمرارية والهوية المتميزة.
أطلع أيضا على
كتب الطهي من العصور الوسطى مرآة تعكس التبادلات في تقاليد تذوق الطعام على طول طرق الحرير
شكلت طرق التبادل القديمة عبر مناطق آسيا الوسطى بشكل مباشر النظم الغذائية والأطعمة المستهلكة في أورآسيا اليوم. في الواقع، تم نشر العديد من الحبوب والفواكه والبقوليات والمكسرات الأكثر شيوعًا حول العالم لأول مرة في مناطق آسيا الوسطى عبر طرق الحرير.
مدينة بلخ: عاصمة باكتريا القديمة ومركز الديانة البوذية والزرادشتية على طول طرق الحرير
تقع مدينة بلخ، الواقعة على السهل بين سلسلة جبال هندو كوش ونهر آمو داريا (نهر أوكسوس في العصور القديمة)، في شمال أفغانستان الحالية، على مفترق طرق على طول طرق الحرير، مع وجود العديد من الطرق التجارية التي تتقاطع في وحول المدينة