هل كنت تعلم؟ كيلوا كيسيواني ميناء تجاري شرق أفريقي على طرق الحرير البحرية
يمكن تتبع الطرق البحرية لطرق الحرير إلى آلاف السنين، للربط بين شبه الجزيرة العربية، بلاد ما بين النهرين وحضارة وادي السند. خلال أوائل العصور الوسطى، توسعت هذه الشبكة حين أنشأ البحارة والتجار من شبه الجزيرة العربية طرقًا تجارية عبر بحر العرب مرورا بالمحيط الهندي مع ربط أجزاء من شبه الجزيرة العربية بالصين في وقت مبكر من القرن الثامن الميلادي. تم الجمع بين التقدم التكنولوجي في الملاحة، علم الفلك وبناء السفن لجعل السفر البحري لمسافات طويلة عمليًا بشكل متزايد للنشاط التجاري. على هذا النحو، نشأت المدن الساحلية النابضة بالحياة حول الموانئ التي يتم زيارتها بشكل متكرر على طول هذه الطرق، متضمنة زنجبار الإسكندرية، مسقط وجوا. حيث أصبحت هذه المدن مراكز ثرية لتبادل السلع، الأفكار، اللغات والمعتقدات، مع وجود أسواق كبيرة وتغيير مستمر للسكان من التجار والبحارة.
كان ميناء كيلوا كيسيواني التجاري في شرق إفريقيا من المدن الساحلية الأخرى التي نشأت وازدهرت بسبب ارتباطها بطرق التجارة البحرية. كانت المدينة، الواقعة قبالة ساحل ما يعرف اليوم بجنوب شرق تنزانيا، ميناءً تجاريًا مزدحمًا في جزيرة كلوة، وهي جزء من أرخبيل كيلوا كيسيواني (سلسلة من الجزر) التي تقع قبالة الساحل الجنوبي الشرقي لتنزانيا وشمال مدغشقر، ومعترف بها الآن كموقع تراث عالمي لدى اليونسكو. يعد ميناء كيلوا كيسيواني التجاري أحد أهم الموانئ التجارية في العصور الوسطى البالغ عددها خمسة وثلاثون أو نحو ذلك في شرق إفريقيا، وقد كان مأهولًا بالسكان في وقت مبكر من القرن السابع أو الثامن الميلادي وأصبح في مركز متميز خلال القرن الثالث عشر الميلادي. منذ منتصف القرن الثامن الميلادي، بدأ التجار المسلمون من شبه الجزيرة العربية ومصر في الاستقرار بشكل دائم في المدن والمراكز التجارية على طول هذا الجزء من ساحل شرق إفريقيا. ساهمت التبادلات التجارية في تحقيق تفاعلات أوسع حيث اختلطت المجتمعات التجارية الوافدة حديثًا مع المجتمعات المحلية مما أدى إلى مزيج من اللغات والممارسات الثقافية وإضافة متميزة إلى الثقافة السواحيلية الفريدة من نوعها.
تم بناء أقدم الهياكل الحجرية في كيلوا كيسيواني حوالي عام ألف ميلادية وسرعان ما غطت المستوطنة كيلومترًا مربعًا. كان أول مبنى كبير في الميناء التجاري هو المسجد الكبير الذي شيد في القرن الحادي عشر الميلادي باستخدام المرجان المحلي وتم تزينه بالبورسلين الصيني، وتم توسيعه لاحقًا بشكل كبير. كما وتوجد أيضًا بقايا قصر ملكي غير مكتمل يعود تاريخه إلى حوالي 1300 م. شمل الهيكل الضخم الإضافي في وقت لاحق قصر حسوني كوبوا في القرن الرابع عشر. بالإضافة إلى ذلك، وصل التجار من الخليج العربي إلى كيلوا كيسيواني أبداء من القرن الثاني عشر الميلادي وما بعده، مما عزز تأثير العمارة الإسلامية في المنطقة. قام الرحالة والعالم ابن بطوطة (1304 - 1369 م) بزيارة مدينة كيلوا كيسيواني عام 1331 ووصفها بأنها من أجمل مدن العالم.
تم تصدير الموارد الطبيعية مثل العاج والأخشاب وجلود الحيوانات والبخور والكريستال الصخري والعنبر من كيلوا كيسيواني، وكذلك المعادن مثل الذهب والنحاس والحديد والأشياء الفاخرة بما في ذلك الأحجار الكريمة والكريستال. تم نقل هذه البضائع من كيلوا كيسيواني فصاعدًا عبر المحيط الهندي وإلى مواقع مختلفة على طول طرق الحرير البحرية. تم العثور على الأواني المستوردة من البحر الأبيض المتوسط في الحفريات الأثرية المبكرة للموقع مما يشير إلى أنه كان مرتبطًا بالتجارة الدولية، وإن كان ذلك على مستويات متواضعة للغاية، في وقت مبكر من القرن السابع الميلادي.
في وقت لاحق، خلال القرن الحادي عشر الميلادي، عندما بدأ السكان المحليون في الانخراط في أنشطة الصيد في أعماق البحار، قاموا بتوسيع روابطهم البحرية على طول ساحل شرق إفريقيا وصولا للمحيط الهندي، وفي النهاية أنشأوا البنية التحتية البحرية اللازمة لتسهيل استقبال سفن تجارية ذوات حمولات تجارية كبرى. في ذروتها، تضمنت البضائع المستوردة إلى كيلوا كيسيواني المجوهرات والأقمشة من شبه القارة الهندية، الفخار المزجج بالقصدير من الهضبة الإيرانية، والخزف والمجوهرات والخرز الزجاجي من الصين، والتي تم استيرادها بكميات كبيرة بحيث تم اكتشاف المزيد من القطع الأثرية الصينية من المواقع الأثرية في المدينة أكثر من أي مستوطنة تجارية سواحيلية أخرى.
علاوة على ذلك، قد يكون التجار من كيلوا كيسيواني قد سافروا بين مابونغوبوي على نهر ليمبوبو وزيمبابوي العظمى، حيث تم اكتشاف عملة نحاسية لسلطان كيلوا كيسيواني وشقوف خزفية من الصين. يعود تاريخ معظم الخزفيات الصينية من كيلوا كيسيواني إلى الفترة بين القرن الثالث عشر إلى القرن الخامس عشر الميلادي وهي ذات جودة عالية بشكل خاص. على سبيل المثال، تم الكشف عن قنينة زجاجية مصقولة من طراز كنبيوا من فترة سلالة يوان (1271 - 1368 م) في حصن حسوني كوبوا العظيم الواقع خارج الميناء مباشرةً. أما في المسجد القريب من منارة سونجو، وهو مركز تجاري مهم آخر في المنطقة الساحلية، فقد تم العثور على وعاء سيلادون لونج تشيوان مخزّنًا بداخله، ومن المحتمل أن يكون إرثًا مخصصًا للعرض ونقله عبر كيلوا كيسيواني.
أثبتت مثل هذه الأواني أنها شائعة جدًا لدرجة أنه بحلول القرن الخامس عشر الميلادي تم استيراد المزيد من الفخار الصيني إلى ميناء كيلوا كيسيواني النابض بالحياة مقارنة بشبه الجزيرة العربية.
الهندسة المعمارية المميزة لمدينة كيلوا كيسيواني بينما في ذاك الجسور البحرية والموانئ والمساجد، مزجت التأثيرات من شبه الجزيرة العربية والمحيط الهندي وساحل شرق إفريقيا مع `` بيوتها الحجرية '' المميزة الفريدة من نوعها للثقافة السواحيلية والتي تعمل كمستودعات وأماكن اجتماعات مزدحمة تجمع التجار وأنشطة التبادل، وكرموز تشير الى مكانة المدينة المتميزة. ساعد تفاعل الشعوب من جميع أنحاء المحيط الهندي في إنشاء مطبخ محلي انتقائي، ولغة ذات تأثيرات متنوعة، ومزج بين العمارة الإسلامية التقليدية والمباني الحجرية المحلية المميزة التي شيدت من المرجان والمواد الأخرى المتاحة.
ظلت المدينة ميناءًا تجاريًا مزدهرًا حتى نهاية القرن الرابع عشر عندما وضع انتشار المرض الذي يشار إليه عمومًا باسم "الموت الأسود" حواجز كبيرة أمام التجارة عبر البر والبحر. ومع ذلك، قدم كيلوا كيسيواني أدلة أثرية غنية على الثقافة الساحلية السواحيلية المميزة والتفاعلات البحرية المرتبطة بالتجارة التي ازدهرت على طول سواحل شرق إفريقيا في المحيط الهندي من فترة العصور الوسطى فصاعدًا.
أطلع أيضا على
مدينة بلخ: عاصمة باكتريا القديمة ومركز الديانة البوذية والزرادشتية على طول طرق الحرير
تقع مدينة بلخ، الواقعة على السهل بين سلسلة جبال هندو كوش ونهر آمو داريا (نهر أوكسوس في العصور القديمة)، في شمال أفغانستان الحالية، على مفترق طرق على طول طرق الحرير، مع وجود العديد من الطرق التجارية التي تتقاطع في وحول المدينة.
رياضات الفروسية وركوب الخيل التقليدية على طول طرق الحرير
لعبت الحيوانات دورًا أساسيًا في أنشطة التبادل والتفاعلات المتنوعة التي حدثت على طول طرق الحرير. في حين أن الأغنام والماعز زودت العديد من الناس بسلع الحياة اليومية، كانت الجمال والخيول ضرورية للسفر والاستكشاف وتطوير العلاقات التجارية بين الشعوب