هل كنت تعلم؟ مدينة بلخ: عاصمة باكتريا القديمة ومركز الديانة البوذية والزرادشتية على طول طرق الحرير
من مدينة بلخ، يمكن للقوافل أن تتبع سفح الجبال المروية جيدًا باتجاه الغرب للوصول لهرات والهضبة الإيرانية، أو عبر نهر أوكسوس إلى سمرقند والصين.
يعود تاريخ المدينة إلى عام 330 قبل الميلاد، وكانت مركزًا قديمًا لكل من الديانة البوذية والزرادشتية، وهما ديانتان رئيسيتان ازدهرتا بفضل الانشطة التجارية والتبادلات الثقافية التي حصلت على طول هذه الطرق التاريخية.
كانت المدينة تمتلك موارد جيدة للمعيشة، حيث تميزت بموقعها على مروحة غرينية (مساحة كبيرة من رواسب النهر) المناسبة للري. كما واشتهرت المنطقة المحيطة بالعنب والبرتقال وزنابق الماء وقصب السكر وسلالة الإبل الممتازة.
نظرًا لموقعها المتميزعلى طرق الحرير، كان هناك عدد كبير من القوافل في المدينة وحولها، التي تمت أدارة العديد منها من قبل مجموعات من التجار المحليين. هذا بالاضافة الى وجود القوافل التجارية من العالم الروماني التي أشترت من مدينة بلخ الأواني المعدنية خاصة الأواني الذهبية والفضية، ومن آسيا الوسطى والصين جاءت البضائع المحملة بالياقوت والفراء والمواد العطرية والحرير الخام والمطرز.
وصلت البضائع من شبه القارة الهندية أيضًا إلى مدينة بلخ بما في ذلك التوابل ومستحضرات التجميل والعاج والأحجار الكريمة والمجوهرات. ومع تقسيم الأراضي التي مرت عبرها القوافل إلى عدد قليل من الدول المستقرة، تدين مدينة بلخ باستقرارها المبكر إلى المستوطنات المجاورة التي تتعايش وتتعاون في المصالح التجارية. وعلى هذا النحو ازدهرت بلخ كنقطة تخزين للكماليات في العالم.
لفترة طويلة من الزمن، كانت باكتريا مركزًا للديانة الزرادشتية، ويقال إن زرادشت كان يدرس في المدينة، في فترة القرن السادس قبل الميلاد.
تُعرف بلخ أيضًا بأنها أحد أماكن ولادة عيد النوروز. حيث تعود الاحتفالات في بلخ لطقوس العام الفارسي / الإيراني الجديد التي لاحظتها مجموعات متنوعة في العديد من المناطق على طول طرق الحرير خلال فترة الاعتدال الربيعي والتي تعود إلى حوالي 3000 عام. والجدير بالذكر أن الرهبان وأتباع الديانات غالبًا ما يسافرون مع التجار، ومعهم جاء الدين البوذي الجديد.
في الواقع، بعدما تمت زيارة مدينة بلخ من قبل اثنين من الرهبان البوذيين البارزين، تم بناء الأديرة ، المعابد والمعالم الاثرية البوذية في جميع أنحاء المدينة التي اشتهرت بمعابدها وأديرتها، وكمركز للعبادة والتعليم تشهد عليه سجلات تعود الى القرن السابع الميلادي.
كما كانت أيضًا مركزًا مزدهرًا للديانة المانشية، مع وجود أدلة على وجود المجتمعات الهندوسية والمسيحية المقيمة في المدينة أيضًا. كما وتشير السجلات اللاحقة من القرن العاشر الميلادي إلى أن المدينة كانت محاطة بسور ترابي بني بداخله قلعة ومسجد رائعان.
نتيجة لارتفاع مستويات الترابط الثقافي والتجاري، ازدهرت الحرف اليدوية والانشطة التجارية في مدينة بلخ، وشمل هذا الازدهار علم اللاهوت والفلسفة والفنون، واحتلت المدينة مكانة بارزة في سجلات المؤرخين والمسافرين على طرق الحرير.
استمرت سمعة المدينة كمكان للتعلم، بناءً على روايات وسجلات المسافرين في القرن الثاني عشر الميلادي، الذين يصفون وجود مجموعة من المؤسسات التعليمية، بالإضافة إلى أهمية بلخ كمركز تجاري للمنطقة، مع روابط وثيقة مع شبه القارة الهندية والصين.
يصف الجغرافيون في القرنين التاسع والعاشر خلال العصر الذهبي الإسلامي، اليعقوبي (توفي 897/8 م) والمقدسي (توفي 991 م) بلخ بأنها مدينة كبيرة ومزدهرة تبلغ مساحتها حوالي ثلاثة أميال مربعة ويبلغ عدد سكانها ربما ما يقرب من 200000 شخص.
بحلول هذا الوقت، احتل مسجد الجمعة الكبير وسط المدينة، مع وجود العديد من المساجد المنتشرة بين المساكن، بينما كان معبد النار، الذي كان سابقًا ديرًا بوذيًا متميزا والذي نال اعجاب الرهبان البوذيين والباحثين والمسافرين القادمين من الصين، تشيونتسانغ (602-604 م)،لا يزال يحتفظ بمكانته المتميزة
قد نميل أحيانًا إلى التفكير في المدن شديدة التعددية والعالمية كظواهر حديثة نسبيًا ، ولكن المدن الواقعة على مفترق طرق طرق الحرير تشهد على تاريخ عميق مشبع بكثير من أنشطة التبادل والتبادل التجاري والثقافي والهويات التعددية.
بفضل موقعها المتميز على طرق الحرير، أصبحت بلخ مدينة مزدهرة، وموطنًا لمجتمعات من متعددة من الهضبة الإيرانية ومنطقة الأناضول وشبه القارة الهندية، ومركزًا للديانة البوذية والزرادشتية، فضلاً عن مركز للفلسفة والفنون. وعلى الرغم من أنه يمكن العثور على مستوطنة أصغر بكثير في الموقع اليوم، لا تزال التأثيرات الثقافية المتنوعة لبلخ تنعكس في حياتها المعاصرة.
أطلع أيضا على
رياضات الفروسية وركوب الخيل التقليدية على طول طرق الحرير
لعبت الحيوانات دورًا أساسيًا في أنشطة التبادل والتفاعلات المتنوعة التي حدثت على طول طرق الحرير. في حين أن الأغنام والماعز زودت العديد من الناس بسلع الحياة اليومية، كانت الجمال والخيول ضرورية للسفر والاستكشاف وتطوير العلاقات التجارية بين الشعوب.