هل كنت تعلم؟ مركز التجارة في ميناء أريكاميدو والتبادل الروماني مع شبه القارة الهندية

© Jayaseerlourdhuraj

على مر التاريخ، كان لشبه القارة الهندية روابط تجارية واسعة مع المناطق الواقعة الى الغرب من خلال التجارة البرية والبحرية. تشهد العديد من المصادر التي يعود تاريخها إلى الألفية الأولى قبل الميلاد على الأنشطة التجارية بين غرب آسيا والساحل الغربي لشبه القارة الهندية وكما يعتقد أن البابليين استخدموا خشب الساج وخشب الأرز المستورد من شبه القارة الهندية منذ القرنين السابع والسادس قبل الميلاد. بعد ذلك بكثير، شرع التجار من جنوب شبه الجزيرة العربية في تجارة بحرية واسعة النطاق مع شبه القارة الهندية لتزويد البضائع من المنطقة إلى مناطق البحر الأبيض المتوسط ​​وغرب آسيا.

خلال الحقبة الرومانية، تكثف الاتصال الوثيق بين هذه المناطق وشبه القارة الهندية، حيث استقبل الإمبراطور أوغسطس بعثتين دبلوماسيتين، على الأرجح بعثات تجارية، من شبه القارة الهندية حوالي 21-25 قبل الميلاد. وصلت هذه الروابط التجارية عادةً إلى شمال الهند برا وشبه جزيرة الهند عبر الطرق البحرية. ومع ذلك، لا يُعرف الكثير عن الاتصال البحري مع الساحل الشرقي لشبه القارة الهندية مقارنة بالساحل الغربي خلال نفس الفترة الزمنية.

أحد المواقع التي قدمت نظرة ثاقبة لأنشطة طرق الحرير على الساحل الجنوبي الشرقي لشبه القارة الهندية هي مدينة أريكاميدو، وهو موقع أثري يقع في جنوب الهند بالقرب من مدينة بودوشيري على ضفاف نهر أريانكوبوم. كانت أريكاميدو مدينة تجارية هندية رومانية وواحدة من أقدم مراكز صناعة الخرز في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. تم ذكر الموقع في كتاب الطواف من البحر الإرتيري وهو نص يوناني روماني مجهول الهوية من القرن الأول الميلادي يصف المعالم الساحلية المعروفة والموانئ على ساحل شبه القارة الهندية. هنا تمت الإشارة إلى مدينة أريكاميدو بالاسم الروماني "Poduke"، حيث ظهر مرة أخرى باسم "Poduke emporion"  في أطلس الجيوغرافيا لبطليموس في منتصف القرن الأول الميلادي.

كشفت الحفريات في الموقع الاثري عن أدلة قوية على الأنشطة التجارية الرومانية بما في ذلك الامفورة (قارورة ضيقة ذات حامل من الجانبين)، مصابيح وأواني زجاجية، عملات وخرز من الحجر بالإضافة الى الزجاج والذهب والأحجار الكريمة. بناءً على هذه الاكتشافات، يبدو أن المستوطنة انخرطت في تجارة كبرى مع العالم الروماني والعالم البيزنطي فيما بعد خلال فترة طويلة من القرن الثاني قبل الميلاد حتى القرن الثامن الميلادي. بالإضافة إلى هذه الأنشطة التجارية، كانت مدينة أريكاميدو أيضًا مركزًا للتصنيع في حد ذاتها لإنتاج المنسوجات، ولا سيما قماش الشاش القطني، المجوهرات، الحجر، الزجاج، والخرز الذهبي (التي اشتهرت بها المستوطنة بشكل خاص). كما وتم الكشف عن العديد من البضائع المميزة التي ترجع أصولها بوضوح إلى ما قبل فترة التبادل الروماني بما في ذلك المنتجات المصنوعة محليًا مثل الأصداف والخرز والفخار مما يشير إلى ازدهار تقليد الحرف المحلية قبل وصول التأثيرات الأجنبية. بعض من أهم الاكتشافات من هذا الموقع الاثري لتبادلات طرق الحرير تشمل على خرز المحيطين الهندي ــ الهادئ، السيراميك الأحمر والأسود، والأحجار الكبيرة المستخدمة لتمييز القبور، وكلها شواهد حية على موقع المدينة كموقع تجاري مهم.

يمكن تصنيف الكمية الكبيرة من الفخار التي تم الكشف عنها في مدينة أريكاميدو إلى ثلاثة أنواع مختلفة، أواني "Arretine'' التي تحمل اسم مدينة أرزيو الرومانية في توسكانا حيث تم إنتاجها واستيرادها، أمفورا، وأواني الروليت، وهي فخار مزخرف يتميز بنقش حافة على سطح رمادي أو أسود مغطى بأنماط خطية حلزونية. كانت أدوات الروليت موضوع العديد من الدراسات حيث أظهرت الحفريات اللاحقة في التسعينيات أنه، على عكس الدراسات السابقة التي اعتقدت أنه تم استيراد أدوات الروليت من الغرب، فقد تم إنتاج هذا الفخار محليًا، إن لم يكن في أريكاميدو نفسها فقد تم هذا في مكان ما في جنوب آسيا. على الرغم من هذه النتائج، غالبًا ما تكشف أدوات الروليت التي تم العثور عليها في أريكاميدو عن تأثير أجنبي مميز، على الأرجح من تبادلاتها المتميزة مع روما، والتي كانت ممزوجة بالأنماط المحلية. بالإضافة إلى ذلك، من الممكن أن يكون الحرفيون من العالم الروماني قد عاشوا وعملوا في ورش عمل في أريكاميدو حيث تم الكشف عن حجرين كريمين يسمى النقش (نمط مميز من الأحجار الكريمة المحفورة وذات شكل فني فاخر رئيسي في العالم القديم) والذي يتميز بتصميمات تستخدم بشكل متكرر من قبل قاطعي الأحجار الكريمة اليونانية الرومانية في المواقع الاثرية في مدينة اريكاميدو.

تشهد مواقع مثل ميناء مدينة اريكاميدو على الطرق التي تم استخدامها في التبادل التجاري والفني بين العالم الروماني وشبه القارة الهندية متعدد الأوجه والتي سمح بالتحويلات في اتجاهات متعددة في كل من الغرب ـ الشرق والشرق ـ الغرب. حيث ساهمت العلاقة التي بدأت بين تلك المناطق من خلال الأنشطة التجارية أيضًا بحدوث تفاعل كبير، نقل وتبادل للمهارات والثقافة من منطقة إلى أخرى خاصة فيما يتعلق بالفخار وقطع الأحجار الكريمة وإنتاج الخرز الحجري، مما سمح للمجتمعات البعيدة بمشاركة عناصر مختلفة من الثقافة الحرفية وإثراء كلا المجتمعين إلى حد كبير.

أطلع أيضا على

تم إعداد هذا البرنامج وتنفيذه بدعم من

أتصل بنا

مقر منظمة اليونسكو الدولية

قطاع العلوم الاجتماعية والانسانية

قسم البحوث وسياسات التخطيط المستقبلية

برنامج اليونسكو لطرق الحرير

7 Place de Fontenoy

75007 Paris

France

silkroads@unesco.org

تواصل معنا