هل كنت تعلم؟ مدينة تشانغآن العالمية في الطرف الشرقي من طرق الحرير

© Mark Fischer

غالبًا ما كانت المحطات، البداية أو النهاية، للطرق المختلفة التي شكلت طرق الحرير، مواقع متميزة للتفاعلات والتبادلات المكثفة التي أدت إلى نشوء مدن عالمية كبيرة تتمحور حول هذا النشاط التجاري. كانت إحدى المحطات الشرقية المتميزة لطرق الحرير هي مدينة تشانغآن الواقعة بالقرب من مدينة شيان الحديثة في مقاطعة شنشي، الصين. خلال عهد أسرة تانغ (618-907 ميلادية) على وجه الخصوص، خصصت مجموعة متنوعة من الناس وبشكل مدهش هذا المركز التجاري الرئيسي كموطن لهم بما في ذلك العديد من مدينة سغديا ـ الحضارة الإيرانية والتي تشكلت من مجموعة من دول المدن الواقعة في أوقات مختلفة فيما يعرف اليوم بأوزبكستان وطاجيكستان وكازاخستان وقيرغيزستان، وتضم عواصمها مدن طرق الحرير الشهيرة سمرقند وبخارى.

كانت تشانغآن عاصمة لعشر سلالات مختلفة، ثلاثة من أهمها وأطول أمدها كانت هان السابقة (206 ق.م - 9م)، سوي (589-617م)، وتانغ (618 - 907م).

في عام 582 ميلادية، خلال عهد أسرة سوي، تم نقل العاصمة إلى تشانغآن حيث تم عمل تخطيط وبناء جديد للمدينة بعناية. خلال هذا الوقت، كانت المدينة تحتوي على 109 منطقة أو حي يسمى "فانغ" كل منها محاطة بجدار حولها. بالإضافة إلى أداء وظيفة مهمة كمقر للسلطة السياسية، كانت المدينة أيضًا محطة نهاية لطرق الحرير، حيث كانت بمثابة نقطة بداية ونهاية للأشخاص والبضائع التي تتحرك على طولها. على وجه الخصوص، كانت تشانغآن نقطة انطلاق للسفر البري من الصين إلى شبه القارة الهندية وشبه الجزيرة العربية والهضبة الإيرانية وما بعدها إلى ساحل شرق إفريقيا. خلال ذروة نشاط طرق الحرير على مدار الألفية الأولى، رحبت مدينة تشانغآن بالزوار الذين يسافرون عبر الطرق البرية والبحرية لمجموعة متنوعة من الأسباب، حيث مكث بعضهم وجعل المدينة موطنًا لهم. يُعتقد أنه خلال ذروة القرن الثامن الميلادي، كانت المدينة (بما في ذلك ضواحيها) موطنًا لما يصل إلى 3 ملايين نسمة من جميع أنحاء الصين بالإضافة إلى مناطق أخرى على طول طرق الحرير، مما يجعلها واحدة من أكبر التجمعات السكانية المركزة في ذلك الوقت.

كان السغديين تجارًا مشهورين حيث أسسوا شبكة تجارية على طول الطريق ابدأ من موطنهم في آسيا الوسطى وصولا الى الصين. حيث قدم اكتشاف عدد من مقابر الصغدين في المدينة نظرة ثاقبة حول الطرق التي يتم من خلالها إدخال عناصر الثقافة الصغديانية في المجتمع الصيني في مدينة تشانغآن والعكس بالعكس. كما تم اكتشاف مقابر اثنين من المسؤولين الصغديين الأجانب المعينين رسميًا لإدارة هذا المجتمع، في شيان في أوائل القرن الحادي والعشرين. يجمع هذان المقبران بين الزخارف الصينية والصغدية ويمزجان بين نمطين مختلفين من المقابر مع مرثيات مكتوبة باللغتين السغدية والصينية. احتوت إحدى القبور على لوحة فوق باب المدخل لمذبح النار الزرادشتي على طاولة يحملها جمالان. بالإضافة إلى ذلك، هناك لوحات تصور مشاهد لأشخاص يرقصون "الدوامة الصغديانية" وهي رقصة شعبية تؤدى في الحفلات التي تم تقديمها في المنطقة. كما ونحتت صور الجمال التي تحمل البضائع على عدد من الألواح الداخلية لهذه المقابر، ولكن على ما يبدو في سياق دبلوماسي لتقديم الهدايا. في هذا الصدد، تشبه هذه الصور تلك الموجودة على جداريات قصر صغديان أفراسياب في سمرقند من حيث إنها تعكس التجارة التي كان المبعوثون يسيطرون عليها والتي كانت تحدث عبر طرق الحرير في ذلك الوقت.

علاوة على ذلك، مع طرقها لتي تصطف على جانبيها الأشجار، المناطق المحاطة بالأسوار، الحدائق، والمناطق المخصصة لوظائف محددة مثل الأنشطة الدينية والتجارة والتصنيع، قدم تخطيط تشانغآن نموذجًا لبناء المدينة الذي تم اعتماده لاحقًا في مناطق أخرى على طول طرق الحرير، ولا سيما في شبه الجزيرة الكورية واليابان. بالإضافة إلى المعابد البوذية والمانوية والزرادشتية، كانت داخل تخطيط المدينة منطقتان تجاريتان، الأسواق الشرقية والغربية. كان السوق الشرقي موطنًا للسلع المحلية، بينما كان السوق الغربي، الذي كان موطنًا لجالية تشانغشن الأجنبية الكبيرة، يبيع البضائع المتبادلة والمستوردة عبر طرق الحرير والتي يتم تسليم معظمها بواسطة قطارات الجمال. كانت هذه الأسواق تحتوي على متاجر للطعام والشراب، بالإضافة إلى مستودعات حيث يمكن للتجار المتجولين تخزين بضاعتهم وإيداع الأموال والبقاء لبعض الوقت. جلبت هذه المجتمعات الأجنبية معهم العديد من العناصر الملموسة، بما في ذلك العناصر المرتبطة بالدين، وينعكس ذلك فيما لا يقل عن خمسة، وربما ستة، من المعابد الزرادشتية والمانوية التي كانت تقع حول السوق الغربي. ومع ذلك، اليوم في شيان فقط اثنين من الهياكل الكبيرة التي تعود الى سلالة تانغ والتي تعكس تبادلات طرق الحرير التي حدثت في المدينة والتي لا تزال قائمة، معبد الإوزة الكبيرة، ومعبد الإوزة الصغيرة. ومن الجدير بالذكر أن معبد الإوزة الكبيرة تم بناؤه لإيواء الكتب التي أحضرها الراهب البوذي الصيني والمسافر والباحث والمترجم تشيونتسانغ إلى الوطن من رحلات عبر شبه القارة الهندية.

نشأت مدن مثل تشانغآن على طول طرق الحرير بفضل مواقعها الإستراتيجية. حيث كانت موانئ وأسواق تضمنت بضائع طرق التجارة ووفرت أماكن يمكن للتجار بعد أسابيع من السفر الراحة أو البيع أو الشراء فيها، ولكن أيضًا التحدث مع أشخاص جدد، وتبادل الأفكار والعادات واللغات. ولهذا السبب، جذبت مدن مثل تشانغآن العلماء والمعلمين وعلماء اللاهوت والفلاسفة، وأصبحت مراكز عظيمة للتبادل الفكري والثقافي، وشكلت الأساس لتطور العديد من الحضارات عبر التاريخ.

See Also

تم إعداد هذا البرنامج وتنفيذه بدعم من

أتصل بنا

مقر منظمة اليونسكو الدولية

قطاع العلوم الاجتماعية والانسانية

قسم البحوث وسياسات التخطيط المستقبلية

برنامج اليونسكو لطرق الحرير

7 Place de Fontenoy

75007 Paris

France

silkroads@unesco.org

تواصل معنا