اختياراتنا الثقافية: كتاب النجوم الثابتة وفن الملاحة الفلكية
بدءًا من القرن الثامن الميلادي تقريبًا، بدأ التجار من العالم الإسلامي في الشروع في تجارة بحرية واسعة النطاق عبر المحيط الهندي، حيث عملوا على ربط شبه الجزيرة العربية بشرق إفريقيا، بما في ذلك جزيرة مدغشقر وشبه القارة الهندية والصين.
تطلب هذا النشاط البحري، الذي تضمن السفر لمسافات شاسعة عن طريق البحر، إتقان تقنية ملاحة استخدمها البشر عبر التاريخ، وهي الملاحة السماوية. تستخدم الملاحة السماوية الكواكب، القمر، الشمس أو النجوم الأخرى في السماء كنقاط ثابتة يمكن من خلالها تحديد موقع الذات والتنقل.
في الواقع، يمكن التنقل الدقيق إلى حد ما من خلال مراقبة النجوم وحدها، دون الحاجة إلى أي أدوات، عند القيام بذلك بشكل صحيح. عندما يرتفع أي نجم ويغيب في الأفق عند نفس زاوية السمت الثابتة (الزاوية بين الشمال، مقاسة في اتجاه عقارب الساعة حول أفق الراصد، والجسم السماوي) فإنها تشكل بوصلة طبيعية. استخدم الملاحون العرب والصينيون هذه البوصلة النجمية عند عبور المحيط الهندي. في الواقع، شكلت الصحاري والجبال والمحيطات الشاسعة لطرق الحرير البيئة المثالية للقيام بذلك، حيث كانت خالية نسبيًا من التلوث الضوئي، وبالتالي قدمت رؤية واضحة وخالية من العوائق للنجوم في سماء الليل.
تتطلب الملاحة الفلكية مخططات النجوم التي تمكن الملاح من تحديد نجوم معينة في السماء من خلال موقعها داخل الأبراج المختلفة. أقدم وثيقة معروفة من العالم الإسلامي لفهرسة النجوم ورسم خرائط الأبراج هي النص العربي، كتاب صور الكواكب، كتاب النجوم الثابتة الذي جمعه عالم الفلك الفارسي عبد الرحمن الصوفي حوالي العام 964 ميلادية.
يمثل كتاب النجوم الثابتة تجميعًا لأعمال علم الفلك لعالم الرياضيات والفلكي الروماني بطليموس (100 - 170 م) جنبًا إلى جنب مع التقاليد الفلكية لشبه الجزيرة العربية بالإضافة إلى ملاحظات أخرى قادمة من على طول طرق الحرير. على الرغم من عدم وجود نسخة باقية من النص الأصلي، فإن النسخ العديدة اللاحقة التي بقيت هي شهادة على أهميتها في تطوير علم الفلك في العصور الوسطى. باتباع كتاب المجسطي لبطليموس، وهو نص يعود إلى القرن الثاني الميلادي حول حركات النجوم والكواكب، وضع الصوفي خلاصة عمله من خلال كوكبة، حيث قدم كل منها رسما توضيحيين مصاحبين من منظورات مختلفة، أحدهما كما يظهر في السماء والآخر كصورة معكوسة كما تُرى من الأعلى (كما ستُصوَّر على كرة أرضية). على هذا النحو، يعكس كتاب النجوم الثابتة مخاوف العلماء المسلمين في ذلك الوقت، الذين احتاجوا في مجال علم الفلك إلى توفير الأساس للملاحة الدقيقة عبر المحيط الهندي للسماح للسفن التجارية بالوصول إلى الساحل الشرقي لأفريقيا وشبه القارة الهندية، والصين.
علاوة على ذلك، من المهم وضع هذا النص الفلكي ضمن السياق الذي تم إنتاجه فيه والبيئة التي جعلت إنتاجه ممكنًا. تم إنتاج كتاب النجوم الثابتة أثناء فترة الترجمة العظيمة في العالم الإسلامي التي حدثت في مراكز التعلم مثل بغداد من منتصف القرن الثامن إلى أواخر القرن العاشر الميلادي. خلال هذا الوقت، تمت ترجمة العديد من النصوص من كل من العالم القديم (اليونانية القديمة، والرومانية، بلاد ما بين النهرين، والمصرية) بالإضافة إلى نصوص من مدن طرق الحرير وبالتحديد من مناطق الهضبة الإيرانية وشبه القارة الهندية، إلى اللغة العربية من قبل العلماء العاملين في مؤسسات التعلم الذين كان لديهم إمكانية الوصول إلى مكتبات واسعة حيث تم تخزين الكثير من المعرفة المتراكمة للبشرية. على هذا النحو، كان كتاب النجوم الثابتة، بالأضافة الى عدد من النصوص التي تم إنتاجها خلال هذا الوقت، مساهمة مهمة وقيمة في التحول الأكاديمي إلى علم الفلك الرصدي والنظري الذي تم إطلاقه من خلال حركة الترجمة، حيث تم إعادة اكتشاف المعرفة الكلاسيكية، وإعادة تنظيمها وتصنيفها، ليتم تجميعها مع هيئات المعرفة المطورة حديثًا.
كما ولعبت طرق الحرير نفسها دورًا بالغ الأهمية في حركة الترجمة هذه بعدة طرق. أولا، اعتمد هذا العمل الأكاديمي المكثف بشكل كبير على التوفر الجاهز للورق الذي تم تقديمه للعالم الإسلامي في وقت ما في أواخر القرن السابع أو أوائل القرن الثامن الميلادي، بالتزامن مع بداية حركة الترجمة. بعد فترة وجيزة، تم إدخال التكنولوجيا المستخدمة في صناعة الورق على طول طرق الحرير، والتي نشأت في الصين. أدى إدخال هذه التقنية إلى إمكانية إنتاج كميات هائلة من الورق، والتي كانت أرخص وأسهل في صنعها من المخطوطات التي سبقتها. بدأت صناعة الورق في بغداد في أواخر القرن الثامن لأغراض إدارية وأدبية وعلمية، مما أدى إلى ازدهار كبير في الثقافة المكتوبة والنصوص الأكاديمية في مجال الجغرافيا والطب والرياضيات وعلم الفلك بالطبع. ثانيًا، قدمت طرق الحرير خلفية للتبادل الثري بين الشعوب من ثقافات مختلفة مما ساعد في ترجمة النصوص وعرّض العاملين في المجالات الأكاديمية لقواعد معرفية مختلفة، فضلاً عن جعل العلماء أكثر قدرة على الحركة مما سمح لهم بالعمل في مدن ومراكز أكاديمية جديدة وتوفير القنوات التي يمكن من خلالها تبادل المعرفة. التطورات الناتجة في مجالات علم الفلك والملاحة الفلكية ساعدت بدورها هذه التفاعلات الغنية من خلال تحسين الملاحة البحرية بشكل كبير.
أطلع أيضا على
العناصر الواضحة متعددة الثقافات في غطاء الرأس والأقراط في منطقة السهول
على مدار تاريخ طرق الحرير، كان الأشخاص الذين يسكنون في منطقة السهول والمناطق الجبلية الأخرى في وسط وشرق آسيا معروفين بأنشطتهم وتنقلهم عبر المناطق بشكل فعال ودورهم المتميز في بعض التفاعلات الأكثر كثافة والتبادلات الغنية التي تحدث على طول هذه الطرق.