اختياراتنا الثقافية: جداريات كهف كيزيل ودور طرق الحرير في نقل الديانة البوذية وفنون آسيا الوسطى
كهوف كيزيل هي عبارة عن مجمع كبير من الكهوف البوذية المنحوتة في الصخور والتي تقع على الضفة الشمالية لنهر موزارت في منطقة شينجيانغ، الصين. كانت هذه المنطقة تاريخيًا مركزًا تجاريًا مزدهرًا على طرق الحرير وينعكس مدى التفاعلات التي حدثت هنا في التأثيرات الفنية المختلفة الواضحة في العديد من جداريات الكهف التي تزين جدرانه الداخلية.
كانت اللوحات الجدارية والمشاهد التي تم تصويرها عليها موارد مهمة لتتبع تطور فن آسيا الوسطى بالإضافة إلى كونها دليل ذات أهمية على دور طرق الحرير في نقل الديانة البوذية.
يحتوي الموقع نفسه، الذي يُعتقد أنه أقدم مجمع كهوف بوذي في الصين، على حوالي 339 كهفًا يعود تاريخ أقدمها إلى حوالي 300 ميلادية مع التطور المستمر حتى الوصول الى القرن الثامن الميلادي. بالإضافة إلى تصوير الموضوعات الدينية مثل مشاهد من حياة بوذا، تصور الكهوف أيضًا مشاهد يومية من الحياة على طول طرق الحرير بما في ذلك صور التجار والمسافرين والرهبان والموسيقيين والمزارعين.
تم إنشاء الكهوف لأول مرة فيما كان يعرف آنذاك بمملكة كوتشا، وهي منطقة الواحات الأكثر اكتظاظًا بالسكان في حوض تاريم في شمال غرب الصين حاليًا. حيث احتلت المنطقة موقعًا استراتيجيًا على طريق الحرير الشمالي مما جعلها موطنًا لمراكز ثرية للتجارة والتبادل الثقافي على اتصال مع أجزاء كثيرة من أورآسيا، بما في ذلك سغديا و باكتريا والمناطق الساحلية للصين بالإضافة الى الهضبة الإيرانية وشبه القارة الهندية.
ابتداءً من القرن الثاني الميلادي، بدأ المبشرون البوذيون في السفر عبر حوض تاريم في طريقهم إلى الصين، مما أدى إلى ازدهار كبير للديانة البوذية من خلال ترجمة النصوص البوذية إلى اللغات المحلية بما في ذلك اللغة السنسكريتية من قبل مترجمين مشهورين مثل كوماراجيفا (344 - 413) ميلادية).
كانت هذه الأماكن المقدسة بمثابة بؤرة للعبادة وبالتالي من شأنها أن تجتذب الحجاج والرهبان من جميع أنحاء العالم. بالإضافة إلى ذلك، كان التجار والمسافرون يزورونهم مرارًا وتكرارًا من أجل أخذ الراحة خلال رحلاتهم الخطرة في كثير من الأحيان، وفي بعض الأحيان لاستخدام الكهوف كمصارف ومستودعات. هذا الامر، جعل هذه الكهوف البوذية بشكل عام مراكز تبادل مهمة للعديد من العناصر الملموسة للثقافة والتي تشكل نقاط توقف حيوية على طول طرق الحرير وتجذب مجموعات متنوعة من الناس من جميع أنحاء أورآسيا.
من أبرز السمات البارزة لجداريات كهف كيزيل هو الاستخدام الواسع النطاق للأصباغ الزرقاء، مثل اللازوَرد الازرق، المشتق من اللازورد المستورد على الأرجح من أفغانستان. علاوة على ذلك، يمكن تصنيف الأنماط الفنية المنعكسة في اللوحات إلى ثلاثة أنواع مختلفة، النمط الهندو-إيراني "المبكر"، والذي ضم التأثيرات اليونانية الهندية وتأثيرات غاندهارا، النمط الهندي الإيراني "المتأخر"، والذي تأثر بشكل كبير بالفن الساساني والسغدياني، والأسلوب الثالث، على الرغم من أنه أقل شيوعًا ووجد فقط في اثنين من الكهوف، يظهر تأثير من الصين في عهد تانغ (618 - 907 م).
يعود الطراز "الهندي الإيراني" المبكر للجداريات إلى ما بين 300-500 م، ويتميز بالاستخدام المكثف للألوان البرتقالية والخضراء، مع خطوط دقيقة وأنيقة. بالإضافة إلى الموضوعات الدينية، تصور هذه الجداريات موسيقيين وراقصين. يتميز النمط الهندي الإيراني الثاني أو "اللاحق" بالتأثيرات الصغديانية والساسانية القوية التي تم استيرادها للمنطقة من خلال التجارة المزدهرة مع الهضبة الإيرانية. كان تأثير الصغديين أكثر وضوحًا في التبني الواسع النطاق عبر آسيا الوسطى للقفاطين المزينة بتصميمات المنسوجات السغدية الشعبية. تشمل الميزات الإضافية المميزة الاحرى للفن الصغدياني والتي تظهر على جداريات الكهف استخدام الزخارف الحيوانية، وخاصة البط، الموجودة داخل رصائع اللؤلؤ. من السمات الأخرى للطراز الهندي الإيراني الثاني استخدام الألوان الزرقاء والخضراء المتناقضة بشكل حاد، والتي أصبحت ممكنة مرة أخرى من خلال استيراد أصباغ ملونة مختلفة.
فيما يتعلق بمن رسم الجداريات، غالبًا ما يكون من الأسهل كثيرًا فك رموز الرعاة أو المانحين المختلفين في السجلات التاريخية بدلاً من الفنانين أنفسهم. ومع ذلك، فإن إحدى اللوحات الموجودة في كهف كيزيل والمعروفة باسم "كهف البحارة" تم توقيعها باللغة السنسكريتية على أنها رسمها رسام "من روما" يعتقد أنه جاء من مكان ما في الإمبراطورية البيزنطية. بالإضافة إلى ذلك، فإن كهف الرسامين، أحد كهوف كيزيل المبكرة التي يرجع تاريخها إلى حوالي 500 م، حصل على اسمه من الصور الذاتية العديدة للرسامين الذين يظهرون على جانب صور بوذا. يحمل كل من الرسامين أكواب وفرش الطلاء ويرافق العديد منهم ملصق يحدد الرسام. تُظهر هذه الجداريات على وجه الخصوص تأثيرًا واضحًا من العالم الكلاسيكي بما في ذلك الأفاريز ذات الطراز الروماني على طول الجزء العلوي من الجدران فوق مشاهد من حياة بوذا.
تعد الكهوف البوذية المنحوتة في الصخور مثل تلك الموجودة في كيزيل واحدة من العديد من الموروثات البارزة لطرق الحرير والتي تعكس انتقال الدين والتأثيرات الفنية عبر أورآسيا. غالبًا ما يتم اختيار مواقع الكهوف لجمالها الطبيعي الذي يجذب الرهبان وغيرهم من الأتباع الذين يقومون بتفريغها وملئها بالتماثيل واللوحات الجدارية الباهظة. تم عمل هذه اللوحات بألوان زاهية باستخدام أصباغ تم تصديرها على طول طرق الحرير بما في ذلك اللازورد والنيلي والذهب الحقيقي، وكلها يتم تداولها على طول هذه الطرق. في كيزيل، يشهد وجود عناصر تصميمية من أفغانستان والهضبة الإيرانية والعالم اليوناني ــ الروماني وشبه القارة الهندية على التأثيرات الفنية التي يحملها الأشخاص الذين يتنقلون عبر طرق الحرير.
أطلع أيضا على
العناصر الواضحة متعددة الثقافات في غطاء الرأس والأقراط في منطقة السهول
على مدار تاريخ طرق الحرير، كان الأشخاص الذين يسكنون في منطقة السهول والمناطق الجبلية الأخرى في وسط وشرق آسيا معروفين بأنشطتهم وتنقلهم عبر المناطق بشكل فعال ودورهم المتميز في بعض التفاعلات الأكثر كثافة والتبادلات الغنية التي تحدث على طول هذه الطرق.