انتشار الامراض على طول طرق الحرير: أهمية التبادل الثقافي في علم الخيمياء والتطور اللاحق للكيمياء (الجزء الثاني)

©Panlertb / Shutterstock

هذه المقالة هي المقالة الرابعة ضمن سلسلة المقالات التي تتطرق الى الاساليب التي استجابت بها المجتمعات تاريخيًا في مواجهة الأمراض على طول طرق الحرير وكيف يمكننا التعامل مع التحديات الناشئة حديثًا اليومهذه الاساليب تستخدم طرق الحرير كمثال تعليمي لفوائد عالم مترابط مبني على التعاون وتبادل المعرفة الموثوق به في الوقت المناسب.

توضح هذه المقالة، المقسمة إلى جزأين، ممارسة علم الخيمياء كمقدمة أدت لتطور النظام العلمي للكيمياء، وهو بدوره عنصر مهم في العلوم الطبية. من خلال القيام بذلك، ساهم هذا الامر في تحديد دور طرق الحرير في المساعدة على نشوء فترة زمنية متميزة من المنح الدراسية، لا سيما في مجال العلوم الطبية، خلال فترة القرنين الثامن والتاسع الميلادي.

تكمن أصول المعرفة الكيميائية والدوائية خارج مراكز المدن العالمية العديدة المنتشرة على طول طرق الحرير، حيث نشئت تلك المعارف في أجزاء أخرى من مناطق آسيا الوسطى الغنية بالترسبات الطبيعية للمعادن الضرورية في أجراء التجارب في علم الكيمياء.

تم استخراج رواسب المواد الخام مثل الرصاص والفضة والذهب في مناطق فرغانة وصغديا، كما وتم استخراج الملح الأحمر في مناطق شهر سابز (أوزبكستان الحالية) وعلى نطاق واسع.

كان توفر تلك الموارد الطبيعية بمثابة الأساس التي مكنت علم الكيمياء والخيمياء بالازدهار ونقل المعرفة العلمية على طول طرق الحرير للوصول في نهاية المطاف إلى مختبرات الكيميائيين. حيث شملت الاكتشافات الأثرية المهمة التي اجريت بالمنطقة في العثور على محلات الصيادلة ومختبرات الكيمياء التي يعود تاريخها إلى أواخر القرن الثامن الميلادي في مناطق باكنت، بخارى، في أوزبكستان الحديثة.

ساهمت تلك الحفريات في الكشف عن العديد من الأدوات والتقنيات المرتبطة بها، والتي يستخدم العديد منها في التحضير الكيميائي للأدوية مثل الأفران، المطحنة اليدوية، الأوعية الزجاجية والأوعية الخزفية، وهي عناصر ثمينة تم تبادلها بشكل متكرر على طول طرق الحرير.

العديد من هذه الأواني الزجاجية كانت نوعًا من الأجهزة المستخدمة في التقطير الكيميائي المعروف باسم الأنبيك، حيث تم اشتقاق اسم جهاز التقطير المستخدم عبر تاريخ العصور الوسطى المعروف بأسم "الإنبيق".

علاوة على ذلك، تم استخراج كمية صغيرة من الشمع من هذه الصيدليات والمختبرات، وهي مادة مستخدمة على نطاق واسع في الطب الشرقي كأحد مكونات المراهم الطبية.

عكست العديد من النصوص والبحوث العلمية المتعلقة بأهمية الخيمياء والكيمياء مكانتها العالية في العلوم الطبية في ذلك الوقت. ومن الأمثلة على ذلك أبو نصر محمد الفارابي (المتوفي 950 م)، والذي تُرجمت أطروحته بعنوان "الحاجة إلى فن الكيمياء" إلى اللغة اللاتينية في أوروبا في القرن الثاني عشر الميلادي. حيق يعتبر عمله عمل موسوعي لعب دورًا مهمًا في تطوير الطب الأوروبي والشرقي. كما وأعاد الكاتب الموسوعي والغزير الإنتاج ابن سينا ​​(980-1037) مراجعة المبادئ الأرسطية القديمة فيما يتعلق بأصول المعادن والمواد الغير عضوية في عمله، كتاب الشفاء.

كان يعتقد أن الأساس النظري للطب الشرقي القديم يكمن في مبادئ المزج، أو الطبيعة المختلطة للمواد، بما في ذلك الأدوية، والتي تعكس خصائص الحرارة والبرودة والجفاف والرطوبة.

على غرار النصوص المكتوبة خلال العصر الذهبي للإسلام، اعتمد العمل الذي تم إنتاجه في أوروبا خلال عصر النهضة في القرن الثاني عشر الميلادي على التوليف، من خلال ترجمة الأعمال الإسلامية في العصور الوسطى، والعلوم الموجودة، ودمجها ضمن الفلسفة الأرسطية ومبادئ البحث الجديد.

خلال فترة تطور العلوم الحديثة المبكرة في القرن السادس عشر، شكلت هذه الأعمال السابقة في علم الكيمياء والكيمياء أساس التقنيات المختبرية الأساسية والنظرية والمصطلحات والطريقة التجريبية، حيث يحمل بعضها أوجه تشابه مع تلك التي لا تزال مستخدمة حتى اليوم.

بمرور الوقت، أدى تحول وتطور علم الخيمياء إلى فهم أكثر شمولًا للكيمياء الحديثة وعلم العقاقير والصيدلة. أسست الدراسات المبكرة في الكيمياء، مع محاولات تلك الدراسات فهم تفاعلات وأنشطة المواد المختلفة، استخراج المواد الكيميائية من الموارد الطبيعية، وتوليف المعرفة الموجودة على طول طرق الحرير، أسس الكثير من الأعمال الأساسية لعلم الكيمياء الحديث. بفضل شبكات الاتصال على طول طرق الحرير، تمكن الكيميائيون من الوصول إلى مجموعة واسعة من الموارد الطبيعية، بما في ذلك المعادن والمواد غير العضوية، بالإضافة الى ادوات التجربة مثل الأواني الزجاجية والسيراميك، وشبكة بعيدة المدى من المعلومات المتاحة عبر الترجمة الامر الذي سمح بإنشاء هيئات بحثية تعددية، في بيئة مواتية للغاية للبحث الأكاديمي ونقل المعرفة من خلال قنوات التبادل الفريدة من نوعها.

اليوم، تعد طرق الحرير بمثابة تذكير مفيد بأن الحركة البشرية والتبادل والترابط ليست مجرد ظاهرة معاصرة.

ومترابطة تزدهر وتتطور عندما نتفاعل، مما يسمح بتقاسم المعرفة والعلم على نطاق واسع. يعزز برنامج اليونسكو لطرق الحرير هذا التاريخ المتميز والفريد من نوعه للتبادل الثقافي وتعزيز أسس لغة الحوار والسلام، الذي نسج الروابط بين الشعوب والحضارات المتعددة، وأدى إلى الابتكار والتطوير عبر العلوم، والعديد من المجالات الأخرى، على مدى آلاف السنين، مما وفر الأساس المتينة في نشوء اللقاءات والتبادلات في عالم معاصر.

 

Related Articles

تم إعداد هذا البرنامج وتنفيذه بدعم من

أتصل بنا

مقر منظمة اليونسكو الدولية

قطاع العلوم الاجتماعية والانسانية

قسم البحوث وسياسات التخطيط المستقبلية

برنامج اليونسكو لطرق الحرير

7 Place de Fontenoy

75007 Paris

France

silkroads@unesco.org

تواصل معنا