اختياراتنا الثقافية: المدارس كمراكز عالمية للتعليم والثقافة
يعد مسجد المدينة المنورة، الذي تم بناءه في القرن الميلادي السابع من قبل نبي الله محمد (صلى الله عليه وسلم)، أول مؤسسة تعليمية في العالم الإسلامي حيث كانت المساجد خلال تلك الحقبة الزمنية بمثابة مراكز للعلم والمعرفة
و مع تطور المجتمعات عبر الزمن، توسعت دوائر التعليم لتشمل القصور الملكية، بالإضافة إلى التجمعات غير الرسمية في الأسواق. وقد كان التعليم و المعرفة الدينية تحملان قيمة و أهمية كبرى في فترة الحكم العباسي (من القرن السابع إلى القرن الثالث عشر).
ولم يكن من غير المألوف أن يتخصص بعض المعلمين في تعاليم القرآن واللاهوت والقانون، بينما كان تركيز الآخرين على علوم التاريخ واللغة العربية والأدب.
و بمرور الوقت، ازداد عدد الحلقات التعليمية ومجموعات الدراسة، و أصبحت بمثابة الأسس الرئيسية لنشوء ما يعرف " بالمدارس"، أو الكليات، والتي كانت مخصصة للبالغين الذين أتموا تعليمهم الابتدائي في المساجد أو المدارس الخاصة.
و من الجدير بالملاحظة انه خلال القرن العاشر الميلادي، برزت المدارس الإسلامية كمؤسسات مستقلة، متميزة و منفردة عن المساجد، الامر الذي ساهم بشكل كبير على أنشاء نوع جديد من النظام التعليمي.
ونتيجة لذلك، أصبحت هذه المدارس مراكز للعلم و المعرفة الدينية والمدنية، بالإضافة إلى كونها الأماكن التي تعلم فيها المسؤولون وفقاً للعقيدة الإسلامية.
تشير الأدلة الوثائقية و بقايا اثار المباني المعمارية ان اصول هذه المؤسسات التعليمية يرجع الى مدن خراسان و بلاد ما وراء النهر خلال فترة القرن العاشر الميلادي، وكذلك الى المنطقة المعروفة الآن باسم إيران الشمالية.
و قد ظهرت تلك المؤسسات التعليمية كنتيجة مباشرة للتقسيم الطبقي الذي كان سائدا في تلك الفترة. و قد كانت تلك المؤسسات التعليمية تقدم تعليمًا دينيًا ومدنيًا أعلى، بينما تم تقديم التعليم الابتدائي من قبل المكتبات (مراكز التعليم الابتدائي).
خلال هذه الحقبة الزمنية، كان مصطلح "المسجد - المدرسة" ، الشائع في العصور الوسطى، منتشرًا، مما أدى بطبيعة الحال الى تعزيز مكانة المساجد كمراكز اجتماعية وتعليمية وثقافية مهمة على طول بلدان طرق الحرير.
بالإضافة إلى ذلك، ظهرت المؤسسات التعليمية التي تحتوي على مكتبات في بخارى، وخوارزم، ومرف، وغزنا، ونيسابور بين القرنين العاشر والثاني عشر الميلادي.
و يمكن ملاحظة أنه كان هناك اتجاه لبناء مجموعات من المباني المعمارية التي شملت في الغالب على وجود المسجد، المدرسة، الضريح، وحجرات الحمامات العامة، في المواقع الحضرية الرئيسية.
وعلى الرغم من الغزو المغولي في القرن الثالث عشر، والذي أدى إلى حدوث زعزعة و شرخ كبير في مجال العلم و المعرفة، والذي أدى إلى تعطيل استمرارية الثقافة والإبداع، استمرت المدارس الدينية في أن تكون أعلى شكل من أشكال المؤسسات التعليمية، منتشرة في جميع أنحاء الخلافة الشرقية في القرن الخامس عشر والقرن السادس عشر.
وسرعان ما أحيت و استقرت الحياة الاقتصادية في إيران المعاصرة وبلاد ما وراء النهر بعد النجاح في إدخال الإصلاح النقدي أثناء حكم المغول
وعلاوة على ذلك، تم تأسيس المدارس و المؤسسات التعليمية الدينية أيضا في شبه القارة الهندية في وقت مبكر من القرن الثالث عشر. ومن الأمثلة على تلك المؤسسات التعليمية هي المدرسة في جواليور، التي يشبه تصميمها المعماري تصميم بعض "الأديرة" البوذية
خلال هذه الفترة من النهضة الثقافية، خضعت المدارس الإسلامية لتغييرات كبيرة، مع إعطاء الأفضلية لدورها التنظيمي كمحفز للفكر العلمي والأدبي.
و على الرغم من مرور تلك المؤسسات التعليمية بفترات ازدهار واندحار عبر الازمنة المختلفة، ألا انها استمرت كونها مراكز تعليمية عالمية ساهمت بشكل كبير في حصول التبادلات الثقافية بين مختلف السكان.
قامت تلك المدارس بتقديم مجموعة متنوعة من المناهج شمات على اللاهوت وعلوم الحياة أضافة الى التاريخ، الفلسفة وكذلك اللغة والأدب والفسيولوجيا والموسيقى وتعليم "الأدب" ، أو ثقافة كيفية التصرف مع الاخرين.
واعترف كبار العلماء بأن تعليم العلوم المدنية ستضمن استمرار عجلة التطور الديناميكي للمجتمع. و من الملاحظ انه في وقت لاحق (العصور الوسطى) واجهت تلك العلوم العديد من التحديات و الضغوطات من أجل السيطرة عليها ضمن أطار التقاليد الدينية الإسلامية الصارمة. ومع ذلك، خلال تلك الفترة كانت المدارس الدينية في سمرقند وهرات من المراكز الثقافية المرموقة للعلم، الرياضيات، علم الفلك، والطب.
ومن الأمثلة على ذلك مدرسة ألوك بيك الشهيرة في سمرقند خلال القرن الخامس عشر في ساحة رجستان للباحثين و طلاب العلم مثل غياث الدين جمشيد وقاد زادا الرومي.
وعلاوة على ذلك ، أنشئت المؤسسات التعليمية لتخصص الطب في هرات. لم تكن تلك المدارس مثل هذه مراكز للتعليم والثقافة فحسب، بل كانت تؤوي أيضاً الفقراء ، ولا سيما "الطلبة المتميزين"، الذين حصلوا على مسكن ومأوى أثناء دراستهم، و الذين بطبيعة الحال تقاسموا و تبادلوا معارفهم وخبراتهم مع الأجيال القادمة.
مع مرور الوقت، استمرت المدارس الدينية و المؤسسات التعليمية التي ظهرت لأول مرة على طول طرق الحرير في بغداد في الازدهار و التطور، منتشرة في جميع أنحاء المناطق الشرقية الحالية للمناطق الصينية وما وراءها.
أطلع أيضا على:
خيمياء القرون الوسطى, علم الكيمياء في آسيا الوسطى
فن تزيين المخطوطات على طول طرق الحرير
تطور تربية دودة القز على طول طرق الحرير
الأدب العربي الكلاسيكي
أسئلة وأجوبة مع السيد علي موسى إيي خلال معرض جسر الفنون السنوي في مدينة فالنسيا ، إسبانيا
معرض اليونسكو لفن المنسوجات المطبوعة الإندونيسية
النبضات الجمالية لفنون بلاد السند و التعبيرات الثقافية
أصول الابداع الفني للتقاليد الفنية الكشميرية
التأثيرات الثقافية المتنوعة في فن مملكة كوشان
اختيارنا الفني لهذا اليوم من التراث "ألكايز وشيرداك: فن السجاد التقليدي القرغيزي"
مسابقة التصوير الفوتوغرافي لليونسكو عيون الشباب على طرق الحرير
مشروع اليونسكو لطرق الحرير