المنظر الثقافي لوادي أورخون
يبين وادي أورخون بوضوح كيف أفضت ثقافة بدوية قوية ودؤوبة إلى تطوير شبكات تجارية واسعة وإنشاء مراكز إدارية وتجارية وعسكرية ودينية كبيرة. ومما لاشك فيه أن الامبراطوريات تركت بصماتها على المجتمعات التي احتكت بها في قارتي آسيا وأوروبا وأنها تأثرت بدورها بثقافات الشرق والغرب في سياق تبادل حقيقي للقيم الإنسانية. ولاتزال هذه الثقافة يُنظر إليها بعين بالتقدير وتشكل جزءاً أساسيا من حياة المجتمع المنغولي وتحظى لديه باحترام كبير بوصفها طريقة "نبيلة" للعيش بانسجام مع البيئة الثقافية والطبيعية. ويمثل الوادي تمثيلا رائعاً عدة مراحل هامة في التاريخ البشري، فواحدة تعبِّر عن دوره كمركز للإمبراطورية المغولية، وأخرى عن كونه شهد نسخة منغولية متميزة من القوة التركية، وثالثة تعبر عن نشوء صيغة منغولية للبوذية من خلال إنشاء دير توفخون هيرمتاج الذي شكّل نقطة انطلاق لهذا التوجه، ورابعة عن كونه ضم في جنباته مدينة خار بالگاس عاصمة الإمبراطورية الأويغورية.
ويقع هذا المنظر الثقافي في قلب منغوليا، على نحو ٣٦٠ كم إلى الجنوب الغربي من العاصمة أولان باتور، على امتداد نهر أورخون الذي يجري باتجاه الشمال وينتهي في بحيرة بيكال عبر الحدود في روسيا. وتعتبر المياه في غاية الأهمية في منغوليا نظراً إلى أن أكثر من ٩٠٪ من أراضيها الشاسعة تتألف من مراع رفيعة المستوى أو أرض قفار صحراوية يبلغ متوسط ارتفاعها قوق مستوى سطح البحر ١٥٠٠ متر. لذلك اكتست السهول النهرية أهمية كبيرة وأصبحت عامل الجذب الأساسي للمستوطنات من مختلف الأنواع. ولكن ظلت حياة البداوة الرعوية في منغوليا، وما فيها من ترحال طلباً للكلأ والمرعى للخيول والأغنام والماعز والأبقار والإبل، تُعامل كقيمة كبيرة تتجاوز بكثير المستلزمات التقنية الموضوعية للحياة الرعوية، ويُنظر إليها بعين التبجيل والفخر بوصفها قلب الثقافة المنغولية. وتشكل هذه الثقافة الرعوية المنغولية جزءاً من ثقافة بدوية رعوية متميزة واسعة النطاق تشمل العديد من الشعوب والجماعات الأخرى من غير المنغوليين ممتدة عبر آسيا الوسطى. وعلى مدى الأعوام الألفين الماضية على الأقل، أثرت هذه الثقافات الرعوية تأثيراً هائلاً على الثقافات الحضرية التي تفاعلت معها في آسيا وصولاً إلى أوروبا من خلال الصلات الاقتصادية والسياسية والثقافية التي انعقدت بين هذه الثقافات. وقد أمضى الرعاة الرحل حياتهم وهم ينقلون قطعانهم من مرعى إلى آخر طلباً للكلأ، ويقطعون أحياناً مسافات شاسعة كل عام لهذا الغرض. للمزيد من المعلومات بشأن هذا الموقع الأثري يرجى زيارة موقع اليونسكو الشبكي للتراث العالمي.