يوميات المستكشفين الشباب: سمرقند في أوزبكستان

©UNESCO

كنا في طريقنا إلى مدينة سمرقند الواقعة في شمال شرق أوزبكستان، وقد فتنتنا فكرة زيارة مدينة ارتبط اسمها الغريب على الدوام في مخيلتنا بالحكايات الخرافية والفاتحين العظماء. كانت سمرقند مصدر إلهام للكتّاب ومطمعاً للفاتحين على مدى قرون، بدءاً من الاسكندر الكبير ووصولاً إلى جنكيز خان. وذاع صيت هذه المدينة بحكم موقعها على طريق الحرير الذي مكّنها من تأدية دور بارز بوصفها مركزاً لتبادل السلع والأفكار والأديان وغيرها الكثير.

يعود تاريخ سمرقند المعروف إلى العصر الحجري القديم (مما يجعلها إحدى أقدم المراكز المأهولة بالسكان في آسيا الوسطى)، ومع ذلك فهي تشتهر بالمواقع التي شيّدت خلال العصر الذهبي للمدينة، أي في عهد الإمبراطورية التيمورية. ويُعدُّ مسجد بيبي خانُم الذي بناه تيمور (تيمورلنك) تكريمًا لزوجته بعد حملته في الهند خلال أواخر القرن الثاني عشر واحداً من أروع هذه الآثار. فقد كشفت لنا عظمة المبنى والأشكال الهندسية التفصيلية التي تزيّن آلاف قطع البلاط الملوّنة جانباً آسراً من شخصية تيمورلنك. فمع أنه اشتهر لدى الغرباء بشخص الفاتح الوحشي، إلا أنه أبدى شغفاً بالفنون في بلده. وقد دفع به الطموح إلى بناء امبراطورية مترامية الأطراف، بيد أنه موّل في سمرقند تشييد مبان فاتنة الزخرفة ورائعة التصميم، وجذب الصنّاع الماهرين والحرفيين إلى المنطقة. وتتجسّد طبيعة تيمورلنك الطموحة في هندسة سمرقند على نحو مثير للاهتمام، ونسوق على ذلك مثال مسجد بيبي خانُم، الذي يتطلّب الحفاظ عليه في يومنا هذا تدعيم هيكله بدعامات عديدة. ويعبّر هذا الموقع عن عزم طموح تيمورلنك، فمع أن هندسة هذا المبنى كانت مستحيلة التنفيذ في ذلك الوقت (فقد اعترضت عملية بنائه صعوبات كبيرة)، إلا أنه أصرّ على تشييده.

لا يمثّل مسجد بيبي خانُم المبنى الوحيد الذي يسترعي الانتباه عند التجوّل في شوارع سمرقند، فمبنى "غور أمير" حيث ضريح تيمورلنك يقف بمثابة شاهد على حكم تيمورلنك، ناطحاً هو وقبته السحاب، ومبرزاً التأثير الفني للرجل الذي شُيّد المبنى من أجله. ولكن لعل المبنى الأكثر شهرة في سمرقند هو ساحة ریغستان العامة المكوّنة من ثلاث مدارس دينية وهي: مدرسة أولوغ بيك، ومدرسة تيلاكاري ومدرسة شيردار، وكل مدرسة مزخرفة بطريقة فريدة من نوعها ومكسوة بالفسيفساء - وكلّها تتميّز بالبلاط الأزرق الذي تشتهر به سمرقند.

ويقع مرصد أولوغ بك، الذي بناه عالم الفلك العظيم أولوغ بك وانتهى تشييده في عام 1429، في هذه الساحة أيضاً. واستضاف هذا المرصد، عند افتتاحه، من ستين إلى سبعين عالم فلك وفدوا من جميع أنحاء المنطقة لدراسة السماوات. ودُمّر المرصد للأسف في عام 1449 وظل مخفيّاً عن الأنظار حتى أوائل القرن العشرين عندما اكتشفه من جديد أحد علماء الآثار ثم نقّب عنه. ويمكننا اليوم زيارة الموقع والاطلاع على العدد الكبير من مساهمات علماء الفلك الذين ينتمون إلى هذه المؤسسة الشهيرة في دراسة علم الفلك.

 

وكانت نهاية الإمبراطورية التيمورية بداية أفول نجم سمرقند التدريجي. ونقلت سلالة الشيبانين عاصمة امبراطوريتها إلى بخارى في القرن السادس عشر، تاركةً الآثار الرائعة التي خلفها تيمورلنك عرضة للزلازل والنهب ومرور الزمن. وقد اكتشفنا حديثاً أن مسجد بيبي خانُم ظلّ مهملاً عدة قرون، وأخذ يتهاوى شيئاً فشيئاً بسبب تصاميم تيمورلنك المفرطة في الطموح. أما المبنى القائم على أسس المسجد في يومنا هذا، فهو إلى حد بعيد نسخة طبق الأصل عن المسجد الأصلي، إذ أعيد بناؤه خلال عهد الاتحاد السوفياتي، عندما أُدركت قيمة تراث هذه المدينة الذي يُعد كنزاً للسياحة الداخلية.

ولا تزال عملية البناء مستمرة في مسجد بيبي خانُم وفي المدينة عموماً في الوقت الراهن. وسرعان ما نلاحظ عندما نتجوّل في شوارع سمرقند مشاريع البناء والتشييد الواسعة النطاق، بغية زيادة قدرة المدينة على استيعاب السياح بصورة جديدة. واستعادت سمرقند عبر خيال المسافرين، وبحق، صيت المدينة المرادفة لطرق الحرير، فبقي تراث تيمورلنك الفني قائماً حتى بعد مرور.

 

اقرأ المدونات السابقة هنا:

-        مقدمة

-        البندقية

-        البلقان

-        تركيا

-        جورجيا

-        أذربيجان 

تم إعداد هذا البرنامج وتنفيذه بدعم من

أتصل بنا

مقر منظمة اليونسكو الدولية

قطاع العلوم الاجتماعية والانسانية

قسم البحوث وسياسات التخطيط المستقبلية

برنامج اليونسكو لطرق الحرير

7 Place de Fontenoy

75007 Paris

France

silkroads@unesco.org

تواصل معنا