مسقط
كانت مسقط، عاصمة سلطنة عُمان الحالية، مركزاً استراتيجياً للتجارة والتبادل على امتداد طُرق الحرير البحرية التاريخية منذ القرن الثاني الميلادي. وتحتل هذه المدينة الواقعة عند خَوْرٍ على الساحل الشمالي الشرقي للبلاد، والمطلة على خليج عُمان ومضيق هرمز، موقعاً جغرافياً مهماً للغاية عند ملتقى الطرق البحرية التي تربط آسيا بأفريقيا وأوروبا. وكانت هذه المدينة أيضاً محطة حيوية يتوقف فيها التجار سواء أكانوا مسافرين شمالاً عبر الخليج العربي إلى آسيا، أم غرباً على طول ساحل شبه الجزيرة العربية إلى أفريقيا، أم شرقاً نحو الهند والمحيط الهندي. وكانت مسقط، فضلاً عن ذلك، ميناءً آمناً يحظى بحماية طبيعية جعلته ملاذاً يؤوي إليه البحارة الباحثون عن مكان يقيهم شرّ الأحوال الجوية السيئة ويأمنون فيه على أنفسهم، ويتيح لهم إصلاح سفنهم والتزود بكميات كبيرة من الماء العذب الزلال، وهذا أمر مهم للغاية للمسافرين في رحلات بحرية طويلة وغير مأمونة العواقب في الكثير من الأحيان.
وكانت مسقط ميناءً مهماً للغاية لطُرق الحرير البحرية فيما يخص نقل التوابل من جنوب شرق آسيا، ونقل الحرير والمنسوجات من الصين، ونقل الأخشاب من الهند، فضلاً عن السلع الأخرى المستوردة من الشرق الأقصى، وكذلك فيما يخص تسلّم وتبادل البضائع القادمة من شرق أفريقيا وشبه الجزيرة العربية وآسيا. وكانت مسقط، بفضل موقعها الاستراتيجي، في صميم التجارة البحرية طوال التاريخ، وجعلها هذا الأمر محط أنظار الغزاة الراغبين في السيطرة على تلك الطُرق البحرية المربحة والمهمة. فاستولى عليها الفُرس في القرن الثالث الميلادي، وفتحها المسلمون أثناء الفتوحات الإسلامية الأولى في القرن السابع. وحكم الخلفاء العباسيون هذه المنطقة حتى القرن الحادي عشر عندما أنهت القبائل العُمانية المحلية حكمهم في عُمان.
وغزا البرتغاليون مسقط واستولوا عليها في تموز/يوليو 1507 سعياً إلى تثبيت وترسيخ سيطرتهم على التجارة البحرية وحماية طريقهم التجاري إلى الهند. وتولى الجنرال البرتغالي ألفونسو دي ألبوكيرك قيادة المعركة الدموية التي أسفرت عن احتلال مسقط ونهبها. وقام البرتغاليون بعد ذلك بتحصين الميناء وإنشاء العديد من الحصون والقلاع على طول الساحل المجاور لترسيخ سيطرتهم على حركة الملاحة في تلك المنطقة. ولكن لم يدم حكم البرتغاليين للمنطقة طويلاً، إذ أفضت هجمات العثمانيين على البرتغاليين إلى زعزعة سيطرتهم على مسقط وإضعافها في مطلع القرن السابع عشر، فاضطر البرتغاليون إلى الاستسلام في عام 1650. واحتفظ البرتغاليون مع ذلك بـمركز تجاري وبقاعدة بحرية في المنطقة، إذا كانوا يدركون أهميتها، وما زالت قلعتان برتغاليتان من القرن السادس عشر تشرفان على المدينة.
وكان الاستيلاء على مسقط بالتأكيد مطمعاً مغرياً إغراءً شديداً، إذ تضمن السيطرة على هذه الرقعة من طُرق الحرير البحرية الهيمنة على التجارة، وتضمن بالتالي التمتع بالثروة والأمن والقوة. وأصبحت المدينة، التي كان مَثَلُها على تلك الطُرق البحرية كمَثَلِ واحة على طرق صحراوية، مركزاً عالمياً للتجارة يلتقي فيه التجار القادمون من أفريقيا وآسيا والعالم العربي ويتبادلون الأفكار والثقافات. ويبيّن المزيج غير الاعتيادي للفنون المعمارية في المدينة هذا الأمر، إذ يثبت هذا المزيج تأثير العرب والبرتغاليين والفرس والهنود والأفارقة. وقد اشتهر البحارة العُمانيون بدورهم كتجار مقاولين يعملون كوسطاء على طول تلك الطُرق التجارية، وكذلك كملاحين خبراء كان لمساعدتهم وخبرتهم دور حاسم في ضمان رحلة آمنة عبر بحر العرب. وكانت صناعة السفن، فضلاً عن ذلك، صناعة تقليدية مهمة على طول الساحل العُماني، وعاملاً آخر من العوامل المهمة التي كانت تجتذب التجار الراغبين في الإبحار إلى بقاع أو بلاد بعيدة كالصين أو مضيق ملقا في سفن القرون الوسطى التي كانت تحتاج إلى صيانة متواصلة وعناية مستمرة.
وأصبحت مسقط عاصمة عُمان منذ أواخر القرن الثامن عشر. وتبلغ مساحة محافظة مسقط في الوقت الحاضر زهاء 1500 كيلومتر مربع.