هل كنت تعلم ؟ بلاد الرافدين، مركز التبادلات على طول طرق الحرير
كان للمدن الواقعة في منطقة بلاد ما بين النهرين (وخاصة مدن العصر الحديث في العراق) أهمية كبرى كمراكز استراتيجية للتبادل التجاري والثقافي بين مختلف مناطق العالم عبر فترات مختلفة من التاريخ (خلال العصر الأكادي " الالفية الثانية قبل الميلاد" والعصر البابلي "القرنين الثامن عشر والسادس قبل الميلاد" وفي وقت لاحق، عبر العصور الوسطى).
حيث كان لهذه المنطقة دورًا حيويًا كمركز رئيسي لطرق الحرير التي ركزت على إنتاج وتجارة الملابس الحريرية، التي بدأ تصنيعها حوالي القرن الثالث الميلادي.
كانت مدن بلاد ما بين النهرين مثل أور وأكد ونينوى والبصرة وبغداد مراكز مهمة لتجارة وإنتاج الحرير. حيث ازدهرت وتطورت الصناعة في تلك المدن بسبب مهارة وخبرة النساجين المقيمين في المنطقة بالإضافة إلى مواقع مدنهم الجغرافية كمراكز رئيسة على طرق الحرير.
وبمرور الزمن، اكتسبت مدن أخرى الخبرة والمعرفة بتقنيات ومنتجات الحرير المختلفة، وقام بعضها بمزج خامات الحرير مع منتجات أخرى مثل القطن والصوف والمعادن النفيسة.
بالإضافة الى هذا، كان المطرزون العاملون في تلك المدن خبراء في إنتاج الأقمشة المطرزة المزينة بصور البشر والحيوانات وأوراق النباتات الممزوجة بخيوط من الذهب.
أصبحت مدينة واسط العراقية مشهورة بتقنيات تلوين الحرير، أما مدينة الموصل والتي كانت محطة تجارية للقوافل أصبحت مركزًا رئيسيًا آخر حيث تم إنتاج وتصدير الملابس الحريرية ذات الألوان المختلفة.
اما مدينة ميسان فقد كانت مدينة مهمة أخرى معروفة بإنتاج الحرير ذي النوعية الجيدة المستخدمة في الملابس والستائر. وكانت مدينة بغداد محورًا استراتيجيا مهمًا بشكل خاص لتجارة طرق الحرير.
هنا تم إنتاج النسيج الحريري المعروف باسم العتابي (المسمى نسبة لمنطقة العتابية) والذي تم انتاجه وتصديره فيما بعد إلى العديد من المناطق المختلفة في جميع أنحاء العالم.
وبحلول القرن الثاني عشر الميلادي، تم نسخ طرق الإنتاج لهذا النسيج الحريري في مناطق أوروبا حيث أكتسب هذا النسيج شعبية كبرى هناك وقد تم اعتماد اسم خاص له باللغتين الإيطالية والفرنسية "tabis"، و"tabby" باللغة الإنجليزية. كما تم استخدام هذا النوع من النسيج الحريري في إيران حيث تم إنتاجه في أصفهان.
ومن خلال الدور الحيوي لبغداد في إنتاج وتجارة الحرير، وكذلك المدن الأخرى في العراق الحديث، كانت تلك المدن نقط التحام وتلاقي لطرق الحرير التجارية البرية والبحرية.
ضمت تلك الطرق التجارية تلك القادمة من الصين عبر آسيا الوسطى وإيران والتي ربطت هذه المناطق بالبحر الأبيض المتوسط وأوروبا. كما تضمنت تلك الطرق القادمة من الصين والهند عبر الخليج العربي إلى أوروبا.
ومن خلال هذا، عملت هذه المدن كمراكز حيوية لطرق الحرير، ليس فقط من أجل التجارة ولكن أيضًا من أجل تقارب المجتمعات والثقافات بين الشرق والغرب.
علاوة على ذلك، إلى جانب التنمية الاقتصادية الناتجة عن تجارة الحرير، تطورت بغداد وتحولت إلى مركز ثقافي وأكاديمي نابض بالحياة.
حيث من المعروف أن عددًا كبيرًا من العلماء العرب والفرس قد درسوا في بغداد بين القرنين الثامن والثالث عشر الميلادي، وتوافدوا إلى بيت الحكمة، وهو مركز للدراسة الأكاديمية لعلوم الرياضيات والفلك والطب والكيمياء والجغرافية.
ومع بدء استخدام الورق في حوالي القرن العاشر الميلادي عبر طرق الحرير، ازدهر المجتمع الأكاديمي في بغداد وتوسع عبر جميع المناطق الواقعة على طرق الحرير، الامر الذي ساهم بشكل كبير في ازدهار وتطور بلاد ما بين النهرين.