تعتبر طرق الحرير واحدة من بين بعض الطرق الأكثر أهمية ضمن تاريخنا المشترك. حيث تم من خلال تلك الطرق التاريخية تأسيس العلاقات بين مناطق الشرق والغرب، الامر الذي أدى الى اطلاع المناطق والمدن الواقعة على تلك الطرق للأفكار المتنوعة وأساليب الحياة المتعددة لشعوب وحضارات تلك المناطق.
تلك التبادلات والتفاعلات بين شعوب المنطقة تضمنت نشر العديد من الأديان الرئيسية في العالم بما في ذلك الدين الإسلامي.
وبعد ظهور الدين الإسلامي في شبه الجزيرة العربية خلال القرن السابع الميلادي، بدأ الإسلام بالتوسع والانتشار نحو المناطق الشرقية من خلال النشاطات التجارية والتي نمت وتطورت بفضل تطور طرق الحرير البحرية.
وقد كان المسلمون يمتلكون موهبة تجارية فرديدة شجع على تطوريها وتنميتها الدين الإسلامي، بالإضافة إلى مهارات متميزة في مجال الإبحار.
أدى هذا الامر بطبيعة الحال لاحتكار وسيطرة المسلمين على النشاطات التجارية بين الشرق والغرب عبر طرق الحرير البحرية، التي كانت تربط بين مختلف الموانئ الرئيسية في مناطق شرق آسيا.
كانت سفن المسلمين التجارية تقطع مسافات طويلة وكان عليها التوقف في الموانئ المختلفة من أجل تزودها بالماء والطعام، أجراء عمليات التصليح الضرورية، أو الانتظار لحين حصول التغييرات في اتجاه الرياح بما يناسب أتجاه السفن.
أسفرت هذه النشاطات التجارية عن مزيد من التوسع للدين الإسلامي ووصوله لشعوب مناطق المدن الساحلية المهمة في شبه القارة الهندية، الصين، أو في الجزر الجنوب شرقية الأكثر بعدا في إندونيسيا الحديثة أو الفلبين.
يُعتقد أن الدين الإسلامي وصل أولاً إلى هذه المناطق الجنوب شرقية بحلول القرن السابع.
حيث كان على التجار المسلمين من شبه الجزيرة العربية المرور عبر هذه الجزر الجنوبية الواقعة على طرق الحرير البحرية من أجل الوصول إلى موانئ الصين.
ووفقا للمصادر التاريخية والوثائقية، فقد جاء التجار المسلمين إلى الجزر الإندونيسية بسبب التوابل النادرة الموجودة في تلك الجزر. كما ويعتقد أن البعض من هؤلاء التجار استقروا في مناطق إندونيسيا واندمجوا وتعايشوا مع السكان المحليين.
بعد وصول التجار المسلمين الى جزيرة سومطرة الإندونيسية، بدأ ملوك الجزيرة باتباع الدين الإسلامي، الامر الذي سهل اندماجهم ضمن شبكة الطرق التجارية خلال القرن الثاني عشر الميلادي.
تشير العديد من الأدلة الأثرية على اعتماد الدين الإسلامي من قبل الطبقة الملكية في سومطرة ويمكننا ملاحظة هذا الامر من خلال شواهد القبور المنقوش عليها تاريخ السنة الإسلامية لملوك سومطرة في القرن الثالث عشر.
أما فيما يخص ويتعلق بجزر الفلبين، فإن السجلات الأثرية والتاريخية المستكشفة مثل الأواني الخزفية التي تم اكتشافها في منطقة الأرخبيل والتي تنتمي إلى أسرة تانغ الصينية (907-608 ميلادية) قد تم استيرادها إلى الفلبين من قبل التجار المسلمين وهي مثال حي على وجود المسلمين قبل القرن العاشر.
كما وشجعت الاتصالات بين التجار المسلمين والسكان المحليين خلال القرن الثالث عشر، وكذلك التجارة عبر طرق الحرير بين مناطق جنوب الفلبين والمناطق المجاورة الأخرى مثل بروناي وماليزيا أو إندونيسيا، على المساهمة في انتشار الإسلام بين سكانها المحليين.
لذلك، يمكن القول إن الدين الإسلامي وصل إلى مناطق جنوب شرق آسيا بطريقة سلمية من خلال الأنشطة التجارية بالإضافة الى الاندماج والتعايش بين التجار المسلمين والسكان المحليين.
وكما هو الحال للديانة البوذية، فقد اندمج وامتزج الإسلام بالتأثيرات الثقافية والدينية المتنوعة الموجودة في مناطق جنوب شرق آسيا.