هل كنت تعلم؟ أهمية تقنية صناعة الورق في التبادل الثقافي على طول طرق الحرير

Layers of colorful traditional Samarkand paper © Noyan Yalcin/Shutterstock.com

بالإضافة إلى تجارة الحرير، كان هناك عدد من السلع المهمة الأخرى التي تم تبادلها على طول طرق الحرير والتي كان لها تأثير كبير على الحضارات التي تلاقت معها. الورق هو أحد العناصر التجارية المهمة، والتي لربما تم التغاضي عنها، كان لها تأثير كبير على مسار التاريخ البشري. حيث أدت التجارة المبكرة للورق وربما الأهم من ذلك انتشار تقنيات صناعة الورق على طول المناطق التي تشملها طرق الحرير إلى تحسين قدراتنا على تسجيل وتخزين المعلومات ونقل المعرفة. وباعتبارها مادة ملائمة وميسورة التكلفة للحفاظ على الكتابة، فقد سهلت الورقة نفسها أنشطة التبادل الثقافي بشكل كبير.

الورق مصنوع من ألياف السليلوز المتداخلة (مادة مشتقة من عدد من النباتات المختلفة) ، والتي يتم طرقها في الماء، ثم يتم تجميعها وتجفيفها على حاجز. على الرغم من وجود بعض المعلومات غير المؤكدة والتي تشير الى صناعة الورق في وقت مبكر، غالبًا من أعادة تدوير النفايات أو المواد المتبقية، فإن أول صناعة ورق موثقة تأتي من فترة عهد سلاسة هان الشرقية (25 م - 220 م) حيث تم صنعها من أوراق التوت، الخيزران أو ألياف نبات الروطان. خلال تلك الفترة الزمنية، تم استخدام ورق القنب المصفى عادةً للنصوص الدينية، بينما كان الورق المصنوع من أوراق التوت يستخدم في الغالب للوثائق الرسمية وأدوات الكتابة (أي الرسائل).

تم نقل الورق لأول مرة إلى مناطق أخرى لطرق الحرير من قبل الرهبان البوذيين الذين استخدموه لتسجيل السوترا والكتابات الاخرى. حيث حملوا الورق إلى مناطق اليابان وشبه الجزيرة الكورية بالإضافة إلى أجزاء من آسيا الوسطى وشبه القارة الهندية. وصلت تكنولوجيا صناعة الورق إلى شبه القارة الهندية في منتصف القرن السادس عشر الميلادي، وسرعان ما تشكلت وانشرت مراكز صنع الورق المحلية. تكشف سجلات الراهب البوذي الصيني شوانزانغ المؤرخة من 671 ميلادية، أن الورق كان بالفعل قيد الاستخدام على نطاق واسع في أجزاء من شبه القارة الهندية التي زارها في 670 ميلادية.

لعبت الأنشطة الدينية دورًا مهمًا في انتشار الورق لأنه كان أكثر كفاءة وسهولة في النقل من المخطوطات المصنوعة من جلد الحيوانات، وأكثر متانة من ورق البردي. تم إنتاج النصوص البوذية والطاوية والكونفوشيوسية على الورق خلال تلك الفترة الزمنية. كان الورق أيضًا مصدرًا قيمًا للغاية للتجار، الذين استخدموا هذه المادة الخفيفة والمحمولة كوسيلة لتسجيل أعمالهم. على سبيل المثال، هناك اكتشاف مهم للورق في وقت مبكر يتضمن العثور على حقيبة بريد من القرن الرابع الميلادي تحتوي على رسائل وأوراق موجهة إلى تاجر في مدينة سمرقند.

تعرف العالم الإسلامي على الورق لأول مرة في وقت ما في أواخر القرن السابع أو أوائل القرن الثامن الميلادي واستخدمت تقنية إنتاج الورق بشكل سريع للأغراض الإدارية والأدبية والعلمية. في عام 762 ميلادية، عندما تم نقل العاصمة العباسية من دمشق إلى بغداد، أدت المطالب البيروقراطية ذات الصلة وطلبات المدن العباسية الأخرى إلى إدخال صناعة الورق ونشرها بسرعة في جميع أنحاء العالم الإسلامي. بدأت صناعة الورق في بغداد بجدية في أواخر القرن الثامن الميلادي، وأصبحت المدينة مشهورة بإنتاج الورق بسوقها الخاص للقرطاسية وبوجود شارع يصطف على جانبيه ما يصل إلى 100 متجر ورق وبائع كتب. في الواقع، سهلت صناعة الورق ازدهار الإبداع الأدبي والثقافة المكتوبة التي تضمنت أعمالًا في علوم الجغرافيا، علم الفلك، الطب والرياضيات، كما وأدت إلى زيادة في أنتاج الأدب الشعبي الذي تم نسخه بتكلفة زهيدة وإتاحته بسهولة لعامة الناس. تم إدخال صناعة الورق إلى أجزاء من شمال إفريقيا وشبه الجزيرة الإيبيرية عبر الحضارة العباسية ووصلت لاحقًا إلى مناطق أخرى من أوروبا، بما في ذلك ما يُعرف اليوم بإيطاليا، حيث حدث الإنتاج بكميات كبيرة خلال القرن الثالث عشر الميلادي

بالإضافة الى هذا، مع تنقل الورق على طول طرق الحرير، تنقلت وسائل الإنتاج تباعا وبسرعة، وغالبًا ما تم استخدام مواد مختلفة اعتمادًا على ما هو متاح بسهولة في الموقع الجديد.

هذه المرة بين إدخال الورق الى المناطق الجديدة والفترة الزمنية التي يتم فيها أنشاء أسس صناعة الورق، تعني أنه عند تقديم الورق لأول مرة إلى منطقة ما، غالبًا ما كان يجب إعادة استخدامه عدة مرات مما يؤدي إلى وجود المستندات التي حققت عددًا من الأغراض المختلفة على مدار حياتها والتي غالبًا ما كانت مكتوبة في نصوص ولغات مختلفة. على سبيل المثال، في سمرقند، وقبل أن تصبح المدينة نفسها مركزًا رئيسيًا لإنتاج الورق، كان من المعروف أن حاكمًا محليًا أعاد استخدام الورق القادم من الصين الذي تم كتابته بالفعل حيث كان الخط الصيني على جانب واحد من تلك الأوراق التي تم استخدامها لأغراض إدارية. على الرغم من أن انتشار تقنيات صناعة الورق قلل من كمية الورق التي تم تداولها فعليًا عبر طرق الحرير، إلا أن الورق الصيني ظل شائعًا ويتم تداوله على نطاق واسع حيث كان ذا قيمة كبيرة ويعتبر من أعلى مستويات الجودة. في القرن العاشر الميلادي، ذكر كاتب المراجع وكاتب السيرة ابن النديم أنه قابل أحد محبي الكتب (شخص جمع الكتب)، والذي جمع الورق الصيني بشغف، بعد أن نقله آلاف الأميال.

من السهل أن ننسى في يومنا هذا وفي عالمنا المعاصر أن كلا من الورق والحرير، وهما من الصادرات التجارية الرئيسية لطرق الحرير، كانا يعتبران في يوم من الأيام اختراعات جديدة مذهلة تم إنتاجها من التقنيات والمعرفة التي تم نقلها جنبًا إلى جنب مع حركة الناس وأنشطتهم المتنوعة. كان الورق عنصرًا أساسيا وساهم بشكل متميز في أنشطة التبادل بين الثقافات لأنه سمح بنسخ المعرفة وثم نقلها عبر مسافات شاسعة، وفي العديد من مراكز الإنتاج الخاصة بها غالبًا ما أثارت ازدهارًا في الثقافة المكتوبة.

تم إعداد هذا البرنامج وتنفيذه بدعم من

أتصل بنا

مقر منظمة اليونسكو الدولية

قطاع العلوم الاجتماعية والانسانية

قسم البحوث وسياسات التخطيط المستقبلية

برنامج اليونسكو لطرق الحرير

7 Place de Fontenoy

75007 Paris

France

silkroads@unesco.org

تواصل معنا