اختياراتنا الثقافية: انتشار ثقافة الشاي وشرب الشاي على طول طرق الحرير

©Kuzey Aytaç / UNESCO Youth Eyes on the Silk Roads

يمتد تاريخ الشاي إلى آلاف السنين ولا يقتصر فقط على تغطية المناطق الشاسعة التي تشملها طرق الحرير ولكن يشمل أيضا العديد من مدن العالم المتنوعة. من المعروف أن الشاي كان في قلب التبادلات الثقافية التي تحدث بين الموانئ الأوروبية ومناطق الشرق الأقصى لطرق الحرير منذ القرن السادس عشر الميلادي وما بعده. ومع ذلك، كان الشاي، بالإضافة إلى ثقافة الشرب المرتبطة به، في طليعة أنشطة طرق الحرير التي تمتد إلى ما هو أبعد من الأيام الأولى لهذه الطرق. يُشتق الشاي من نبات كاميليا سينيسيس، وعلى الرغم من وجود أنواع عديدة من الشاي اليوم والعديد من الطرق المختلفة لتحضيره وشربه، سواء كان لونه أسود أو أولونغ (أخضر مزرق)، أخضر أو أبيض، إلا أنها نشأت جميعها من هذا النبات الواحد. تمتلك كاميليا سينيسيس عددًا من أماكن المنشأ المحتملة، لكن من المقبول عمومًا أنها تنبع من وسط جنوب شرق آسيا في المنطقة عند تقاطع ما يعرف اليوم بشمال شرق الهند، شمال ميانمار وجنوب غرب الصين.

تم استهلاك الشاي في الصين منذ آلاف السنين مع بعض الإشارات المبكرة إلى شرب الشاي مذكورة في السجلات التي يرجع تاريخها إلى عهد أسرة شانغ (1500 قبل الميلاد - 1046 قبل الميلاد)، حيث تم استهلاكه في مقاطعة يونان بشكل أساسي كمشروب طبي. بحلول فترة أسرة تانغ (618-907 ميلادية)، أصبح الشاي شائعًا وتم الاستمتاع به على نطاق واسع كمشروب منعش، محضر من الأوراق التي تم ترطيبها وتشكيلها في كتله كثيفة. تشير الأدلة والقصص من القرن الثامن الميلادي إلى أن مدينة تشانغ آن بها بامتلاكها عدد كبير من متاجر الشاي المزدهرة، والتي أعلن الكثير منها عن الفوائد الصحية لشرب الشاي. في وقت لاحق، خلال عهد أسرة سونغ (960 - 1279 ميلادية)، تم استبدال شكل الكتل الكثيفة من الشاي بأوراق فضفاضة والتي غالبًا ما كانت تُطحن إلى مسحوق ناعم وبنكهة ممزوجة بمواد مختلفة. مع مرور الوقت، بدأت مقاهي الشاي في الظهور في جميع أنحاء المدن الكبرى، مما جعل الشاي أكثر سهولة للاستهلاك خارج مجتمع النخبة. مع ازدياد شعبيته وإمكانية الوصول إليه، بفضل تطور طرق التجارة المتطورة، أصبح الشاي مرتبطًا بالرفاهية المنزلية، وكان يشرب يوميًا بالإضافة إلى تقديمه للضيوف للترحيب بهم. ينتشر الشاي الصيني عبر طرق الحرير الشرقية إلى اليابان وشبه الجزيرة الكورية. في اليابان، طور المشروب دلالات وثيقة مع الطقوس الدينية والاجتماعية بسبب كون الكهنة البوذيين يستهلكونه بشكل شائع. في القرن السادس الميلادي، تم إرسال مبعوثين من اليابان إلى الصين للتعرف على الشاي والثقافة المرتبطة به وتم استيراد البذور عبر طرق الحرير من أجل زراعة النبات في اليابان.

في الواقع، كانت التبادلات النشطة والطقوس الاجتماعية المرتبطة بالشاي، ولا تزال، أجزاء مهمة من الحياة اليومية في المجتمع. حيث سرعان ما برز الشاي في المجالات الإبداعية، بما في ذلك داخل الشعر والأدب، حيث كتب الشعراء والفنانين عن متعة الشاي واستكشفوا عادات الشاي والتقاليد المرتبطة به في عملهم. ونتيجة لذلك، ارتفعت شعبية الشاي بسرعة في جميع أنحاء المناطق الشرقية لطرق الحرير، ولا سيما الثقافة الجمالية التي نشأت حول شرب الشاي والتي حققت قدرًا كبيرًا من الشهرة في اليابان خلال فترة العصور الوسطى في القرنين الرابع عشر والخامس عشر الميلاديين.

لم ينتقل فن صنع الشاي وشربه عبر الأجيال فحسب، بل انتشر أيضًا في المناطق الغربية وعبر مختلف القارات حول العالم. في نهاية المطاف، انتشرت تجارة الشاي من الصين ومنغوليا إلى شبه القارة الهندية ومنطقة الأناضول والهضبة الإيرانية وما بعدها لتصل في النهاية إلى مناطق أوروبا وشمال إفريقيا. كان الشاي أيضًا مرتبطًا بشكل معمق بتجارة أخرى مزدهرة على طرق الحرير والتي أصبحت أساسًا لعدد من النشاطات الحيوية داخل الفنون، كفن السيراميك، وعلى وجه التحديد، الفخار. خلال عهد أسرة مينج (1368 - 1644 ميلادية)، أصبحت أواني الشاي نشاطا فنياً رئيسياً وتم إنتاج أباريق الشاي والخزفيات الأخرى بأنماط مختلفة. كما وتم تصدير العديد من هذه الخزفيات كعناصر تجارية ذات قيمة مرغوبة عبر طرق الحرير.

على الرغم من وجود العديد من الاختلافات الإقليمية، إلا أن العديد من الثقافات على طول طرق الحرير تشترك في عادات وتقاليد شرب الشاي. اليوم، استمرت الثقافات والمناطق في جميع أنحاء العالم في تكييف المنتج في كل مكان وفقًا لمعايير المجتمع الخاصة بها، مع اختلاف طرق التخمير وأضافه النكهات والطقوس الاجتماعية ذات الصلة من مكان إلى آخر. بعض الأمثلة على أنواع الشاي المختلفة الموجودة عبر طرق الحرير تشمل "قهوا" وهو شاي شائع في مناطق شمال شبه القارة الهندية والذي يتم تقديمه غالبًا في المناسبات الخاصة مثل حفلات الزفاف والمهرجانات. حيث يتم تحضيره في السماور " أناء خاص لأعداد الشاي" مع إضافة الهيل والقرفة واللوز والزعفران. أما فيما يعرف اليوم بأفغانستان، فيتم تحضير شاي فريد من نوعه يسمى "قايمك شاي" للمناسبات الخاصة مثل الأعراس والخطبة، وهو وردي اللون مع إضافة الحليب والهيل. أدرج البريطانيون والهولنديون أيضًا المشروبات في أنماط حياتهم، حيث طوروا دلالات مرتبطة بالضيافة والتفاهم المتبادل والتقاليد المحلية والمجتمع.

كانت التبادلات الثقافية المعقدة المرتبطة بالشاي وثقافته نتيجة مباشرة ساهمت في زيادة حركة التجار والمبشرين والأطباء على طول طرق الحرير. أثناء سفرهم عبر مناطق واسعة من أوراسيا، تم نقل العناصر المختلفة من الثقافة إلى كل من مناطق الشرق والغرب. ثقافة الشاي مهي ألا مجرد مثال متميز للواردات الجديدة والممارسات الاجتماعية التي تم تكيفها في وقت لاحق وإعادة هيكلتها وفقًا لخصوصيات المجتمعات التي تم إدخالها إليها. حيث تشكل آثار هذا التدفق الحر للأفكار والسلع والعناصر الفنية المتنوعة على طول طرق الحرير تراثًا مشتركًا مهمًا في العالم المعاصر.

تم إعداد هذا البرنامج وتنفيذه بدعم من

أتصل بنا

مقر منظمة اليونسكو الدولية

قطاع العلوم الاجتماعية والانسانية

قسم البحوث وسياسات التخطيط المستقبلية

برنامج اليونسكو لطرق الحرير

7 Place de Fontenoy

75007 Paris

France

silkroads@unesco.org

تواصل معنا