اختياراتنا الثقافية: التأثير الهندي والأوروبي على فن المُنَمْنَماتٌ الفارِسيّةٌ
عبر القرون الماضية، تطورت الفنون الإيرانية واكتسبت مؤثرات مختلفة وكان لطرق الحرير الفضل الكبير في هذا الامر.
بعد اندماج العناصر الفنية المنغولية الفريدة في الفنون الإيرانية خلال القرن الثالث عشر الميلادي، تفاعلت و امتزجت العديد من العناصر الثقافية القادمة من مختلف المدارس الفنية مع بعضها البعض لتشكل أنماط مميزة و فريدة من نوعها من فن الرسم الفارسي ، خلال الفترة الصفوية في منطقة الهضبة الإيرانية (1501- 1736م).
وقد وصلت بعض هذه الاتجاهات الفنية إلى منطقة الهضبة الإيرانية عبر "طرق الحرير" حيث تم دمج العناصر والأساليب الفنية والثقافية الأوروبية والهندية ضمن الأنماط الشائعة للرسم في ذلك الوقت وأبرزها فن المُنَمْنَماتٌ (فن الرسومات الملونة الصغيرة) والمخطوطات المزخرفة.
أثناء عهد الشاه طهماسبه الأول، (1524-1576 م)، تم إنشاء مدرستين رئيسيتين للرسم في بلاط تبريز، مدرسة بلاط التركمان ومدرسة هيرات للرسام بهزاد.
ومع مرور الوقت تم دمج هاتين المدرستين لتشكيل النمط الصفوي المبكر الجديد الذي ظهر من خلال المشاريع الفنية الطموحة التي شهدت تعاون الفنانين المنتسبين الى تلك المدرستين.
تميز فن هذه الفترة الصفوية في منطقة الهضبة الإيرانية بإنتاج مجموعة متنوعة من المخطوطات المزخرفة، والتي كان بعضها مصمم ببذخ وفنٍّ، وبعضها الآخر أكثر تواضعا.
ومع حلول القرن السادس عشر الميلادي، أتقن الخطاطون والفنانون في المنطقة المخطوطات المزخرفة (النص المصحوب بالديكورات وعناصر الزينة والرسوم التوضيحية الصغيرة).
وقد تم جمع تلك المخطوطات المزخرفة من قبل فرق من الحرفيين والفنانين العاملين في البلاط والمكتبات الخاصة في مدن تبريز وقزوين وهيرات ومشهد.
وأثناء منتصف القرن السادس عشر الميلادي، ظهر نوع جديد من الكتب، المرقع، أو ألبوم تجميع يحتوي على صور مصغرة مصحوبة بالخط العربي، والذي أصبح أكثر شيوعًا.
أما في مدينة قزوين خلال فترة القرن السادس عشر الميلادي، طور الفنانون المحليون أسلوبًا فريدًا بعد جهود كبرى من قبل جيل من الحرفيين الذين لم تقيدهم التقاليد السائدة في مدرسة تبريز والتي كان لها تأثير منغولي.
تم التعبير عن هذا الأسلوب الزخرفي بشكل لافت للنظر في المنمنمات الفردية والرسومات الملونة على أوراق منفصلة، وغالبًا ما كان تصف شخصيات أو أزواج.
كما كان هناك أيضًا تطوير لبعض أنماط المقاطعات الواقعة خارج المدن الكبيرة. وكانت مدينة شيراز من حوالي القرن الثالث عشر 1340 مركزا لإنتاج المخطوطات الجميلة المخصصة للبيع.
كان هذا النمط "التجاري" من الفن محافظا على سمات وأساليب مدرسة بلاط التركمان الفنية. وبمقارنةً هذا الفن مع الطراز الحضري لتبريز أو مشهد، كان الفن في شيراز محليا، حيث استمر في استخدام التقاليد الأكثر بساطة ثنائية الأبعاد.
عبر هذه الأنماط والأساليب الفنية المختلفة، تأثر ظهور الأنماط والأساليب الفنية الجديدة في الرسم في منطقة الهضبة الإيرانية بشكل كبير بأسفار الحرفيين، بما في ذلك الفنانين، والخطاطين، واخصائي الديكور، والمجلدات، الذين أسفرت جهودهم المشتركة داخل ورش العمل عن انشاء توليفة من الأنماط وإعطاء زخم لهذه الأنماط والأساليب.
إلى جانب النشاطات الفنية التقليدية في الرسم الفارسي، والتي كانت تمثلها العديد من المدارس، ظهر اتجاه جديد متأثر بأسلوب الرسم الأوروبي في مدينة أصفهان في نهاية النصف الأول من القرن السابع عشر.
ازداد النفوذ الأوروبي، والذي انعكس بشكل كبير في فن المنمنمات، مع ظهور أعمال جديدة من القارة الأوروبية في منطقة الهضبة الإيرانية.
وقد تم جلب بعض هذه الأعمال من قبل السفراء كهدايا بينما تم إحضار أعمال أخرى إلى المنطقة بواسطة التجار والمسافرين عبر طرق الحرير.
بالإضافة إلى ذلك، سافر بعض الفنانون الأوروبيون بأنفسهم إلى منطقة الهضبة الإيرانية، على الأرجح كأعضاء في السفارات والبعثات، لإنجاز بعض الأعمال المتبقية في المنطقة.
تضمنت التقنيات الشائعة التي تم استيرادها من أوروبا استخدام أسلوب المنظور الخطي واستخدام الضوء المتناقض والظلام لإنشاء مظهر الفضاء، العمق والحجم.
كما قام الفنانون الفارسيون أيضًا باستخدام عدد من التقنيات القادمة من شبه القارة الهندية، بما في ذلك التصوير الواقعي للنباتات والحيوانات والإضاءة الاصطناعية وإنتاج "أوجه الشبه" (الصور الي تشبه إلى حد قريب مواضيع محددة).
وصلت التأثيرات الفنية من أوروبا وشبه القارة الهندية إلى بلاد فارس عبر طرق الحرير، حيث تنقل كل من الفن والفنانين من هذه المناطق إلى الهضبة الإيرانية، مع بقاء بعضهم لإنتاج أعمال جديدة.
في الوقت نفسه، خلال الفترة الصفوية، ارتقت العديد من المدارس وأصبحت معروفة وتميزت كل منها بطرازها الفريد من خلال مجموعة أعمال الفنانين والحرفين المنتسبين لها.
هذه التطورات الثقافية بشرت بعصر ذهبي من المخطوطات المزخرفة، والفن بشكل عام، في منطقة الهضبة الإيرانية.