إدراج موقع آني الأثري في قائمة اليونسكو للتراث العالمي
أُدرج "موقع آني الأثري" في قائمة اليونسكو للتراث العالمي بوصفه مدينة أثرية تاريخية من العصور الوسطى تقع على أحد تشعبات طرق الحرير، إبان الدورة الأربعين للجنة التراث العالمي التي عُقدت في إسطنبول بتركيا في شهر تموز/يوليو 2016. وآني موقع حضري من العصور الوسطى لا يزال القسم الأكبر من آثاره غير مكتشف، وتقع المدينة على هضبة على الحدود التركية بالقرب من أرمينيا. وتزخر المدينة بمبانٍ أثرية لا تزال بحالة جيدة شكلاً وبناءً، وهي تعلو العديد من المعابر والكهوف الممتدة في الأودية المحيطة بالمدينة. وتحظى آني بامتياز نادر إذ نقلت شيئاً من الطراز المعماري الذي امتازت به العصور الوسطى إلى شمال شرق الأناضول والقوقاز، وذلك بفضل تزامن وجود جميع الأنماط المعمارية تقريباً التي برزت في المنطقة خلال فترة ستة قرون امتدت من القرن السابع إلى القرن الثالث عشر، وكذلك بفضل المحافظة على هذه الأبنية بحالتها الأصلية دون تعرضها لاحقاً إلى تكدس طبقات فوقها أو إلى تعديل في البناء على الرغم من الدمار الذي لحقها بسبب الحروب والزلازل والكوارث المتعددة.
وتنفرد آني مقارنة بالمواقع الأخرى التي تشبهها في كل أنحاء العالم بأهميتها الجغرافية والثقافية وبمدى تعبيرها عن التنوع الثقافي والإبداعي. وظل هذا الموقع الأثري مسكوناً طوال أكثر من 2500 عام امتدت من العصر الحديدي الأول (من عام 1200 إلى عام 1100 قبل الميلاد) إلى الحكم العثماني (في أوائل القرن السابع عشر)، كما أن الانتشار التدريجي لحكم أسرة كامساراكان (القرن الرابع) في القلعة باتجاه الشمال في بدايات العصور الوسطى كان علامة فارقة في التحول المبكر لآني إلى مدينة تجارية مفتوحة تمتلك أربعين بوابة أسطورية. وآني هي أحد الأمثلة الأولية على ظاهرة التجارة في المنطقة التي ازدهرت بفضل الموقع المميز للمدينة على طرق التجارة العابرة للأقاليم. وساعد تطورها إلى مدينة تجارية مزدهرة ومتعددة الثقافات، في نهاية المطاف، في تحوُّلها في العصور الوسطى إلى مركز لالتقاء الأرمن والجورجيين والبيزنطيين والمسلمين من مختلف التقاليد الثقافية، فأدى اندماجها إلى بروز معالم معمارية فريدة من نوعها ضمن مدينة دائمة التطور. وقد أفضت فنون التصميم المعماري ومواد البناء وتقنياته والزخارف التي تمخضت عن هذا التفاعل الثقافي، إلى بروز طراز معماري جديد خاص بآني، انتشر لاحقاً في المنطقة الأوسع التي تشمل الأناضول والقوقاز.
وقد تحقق هذا الاندماج بفضل الموقع الجغرافي لآني على إحدى بوابات الأناضول المفضية إلى طرق الحرير، مما أسهم في نموها السريع اقتصادياً وثقافياً لتتحول إلى مركز عالمي للتجارة والإنتاج الصناعي تتعايش فيه جماعات مختلفة. وتشهد الأبنية التي تعود أصولها إلى ديانات مختلفة والمباني العامة والخاصة على تعدد الثقافات في المدينة، إذ توجد فيها نماذج نادرة لأبنية دينية من الطراز المعماري الزرادشتي أو من بدايات الحضارة الأرمنية أو من بدايات العمارة الإسلامية في الأناضول. وفي هذا الموقع الذي التقت فيه تقاليد ثقافية متنوعة جلبتها شعوب متعددة الإثنيات، تشهد الحصون والقصور والمناطق المخصصة للتجارة والإنتاج وأديرة الرهبان والراهبات التي تشكل المشهد الحضري لمدينة آني، على النظام الاجتماعي والاقتصادي الذي دعم التقدم المعماري والحضري خلال القرنين العاشر والحادي عشر بوجه خاص، وحافظ على السلامة الشكلية والبنيوية للمعالم الأثرية بحالة جيدة، مما منح آني تسمية مدينة الألف كنيسة وكنيسة. وقد تحقق هذا التقدم بفضل الازدهار الكبير الذي عرفته آني عندما كانت عاصمة الإمارة الأرمنية باغراتيد في العصور الوسطى بعد تحولها إلى مركز البطريركية الأرمنية (الكاثوليكوس) في عام 992. وبما أنها أول مدينة غزاها الأتراك في الأناضول في عام 1064، فهي تحتوي على آثار مبنية على الطراز المعماري السلجوقي في بداياته في هضبة الأناضول، وهو يمثل المراحل الأولى من تجربة هذا الطراز بالاستناد إلى التقليد المعماري القائم في المدينة، قبل أن ينتشر في الأناضول بعد وصوله إلى مرحلة النضج.
وقامت الدول الأعضاء في لجنة التراث العالمي في بياناتها الداعمة لإدراج آني في قائمة اليونسكو للتراث العالمي، بتسليط الضوء على المكانة العالمية لمدينة آني من حقبة العصور الوسطى بوصفها نموذجاً يمكن الاستعانة به من أجل تحسين العلاقات الدولية المعاصرة في المنطقة، بدءاً من الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي في الحفاظ على هذا الموقع الأثري الاستثنائي المتعدد الثقافات.