هل كنت تعلم؟ مدينة نارا اليابانية وطرق الحرير التاريخية

كانت اليابان الواقعة عند نهاية الطرف الشرقي لطرق الحرير معروفة على مر القرون بفضل تقاليدها وفنونها الإبداعية الفريدة، والتي ساهمت بشكل كبير في تأكيد مكانتها وقيمتها كأرض واقعة في الطرق الأقصى من العالم حيث تلتقي كل أصداء أور-اسيا معا.

وقد قامت اليابان بتقوية و تعزيز علاقاتها مع المناطق الأخرى الواقعة على طرق الحرير من خلال عاصمتها القديمة نارا الواقعة في الجزء الجنوبي من جزيرة هونشو بين الفترة من 710 إلى 794 ميلادية.

كانت مدينة نارا مرتبطة بطرق الحرير البحرية من خلال طرفها الغربي عبر مدينة أوساكا الساحلية. وقد أدى هذا الامر الى وضع مدينة نارا كمركز استراتيجي لمختلف التبادلات والتفاعلات الثقافية والتجارية، حيث تلاقت واندمجت التأثيرات اليابانية والصينية والكورية بالإضافة الى بروز المدينة كمركز ديني مهم للبوذيين والشنتويين.

تتميز مدينة نارا بالتنوع الثقافي الفريد من نوعه والذي يمكن رؤيته من خلال الهندسة المعمارية الإبداعية للمدينة ومعالمها التاريخية بالإضافة الى القطع والاثار الثمينة 

التي يرجع تاريخها إلى القرن الثامن الميلادي التي تم العثور عليها في شوشو-ان، خزينة الكنوز التابعة لمعبد تودائي-جي الذي تم بناءه في عهد الإمبراطور شومو (701 -756 ميلادية) يضاف الى هذا الاثار والقطع الي تم استكشافها في مقبرة فوكينوكي.

تملك شوشو-ان مجموعة فريدة من القطع الأثرية القادمة من مدن طرق الحرير المختلفة، والتي وصلت إلى اليابان عبر طرق التجارة.

وقد شملت الاستكشافات والتنقيبات التاريخية على قطع وأشياء تعبدية بوذية، مجوهرات، أقنعة، أثاث، آلات موسيقية، لوحات ومنحوتات، أعمال التطريز والمرسام، الأقمشة المصبوغة، الأعمال المعدنية، أواني الزجاج، الفخار، الخرائط، أضافة الى القطع المعدنية الزينة وعينات من فن الخط.

العديد من هذه الأشياء تظهر تأثيراً من الثقافة الصينية من خلال الزخارف النموذجية المستوحاة من سلالة تانغ الصينية 618-907 ميلادية.

تم إنتاج هذه القطع محليًا، إلا أن الأساليب والتقنيات المستخدمة تظهر بوضوح العلاقة الوثيقة بين مجتمع نارا في منتصف القرن الثامن وثقافة سلاسة تانغ الصينية.

علاوة على ذلك، أدت تفاعلات التجار والمسافرين في نارا إلى تبادل المهارات والتقنيات المختلفة مثل زخارف كلوزونيه (تقنية تزيين القطع المعدنية)، كتلك الموجودة في مستودع شوشو-ان.

تم ممارسة هذه التقنية من فن الزخارف في جميع أنحاء آسيا على مدار العصور الوسطى، وكانت شاهدا ودليلا على التبادلات الثقافية النشطة في تلك المناطق.

بالإضافة الى هذا، فإن مقبرة فوكينوكي في نارا التي يرجع تاريخها إلى القرن السادس الميلادي والتي تحتوي على حجرة ممر وتابوت حجري توضح من خلال العناصر الموجودة في داخلها على التأثيرات الثقافية والفنية القادمة من مدن طرق الحرير.

على سبيل المثال، تشبه طرازات التنانين وطيور الفونكس على لوحات الزينة الذهبية إلى حد بعيد الزخارف ذات الأصل السيكيثي. كما ويبدو التاج البرونزي المذهّب الموجود في مقبرة فوكينوكي مثل التاج المكتشف في طلال الذهب، باكتريا (شمال أفغانستان الحديثة).

وعلى الرغم من موقعها البعيد عن المناطق الأخرى من العالم، تمكنت اليابان من الحصول والاطلاع على العديد من القيم الثقافية والحضارية القادمة من مدن طرق الحرير عبر مدينة نارا النابضة بالحياة.

تظهر الأشياء والقطع الثمينة المكتشفة في مدينة نارا عن التبادلات الثقافية والفكرية، فضلاً عن التنوع الثقافي والحيوي لهذه المدينة الواقعة في أقصى الشرق لطرق الحرير التاريخية.

لا تزال مدينة نارا التاريخية رمزا هاما وشاهدا ذات قيمة لاندماج اليابان ضمن شبكة تاريخية واسعة من التبادلات الثقافية الدولية.