أختياراتنا الثقافية: تأثيرات الفنون البنغالية في جنوب شرق آسيا
كانت الأنشطة الدينية والتبادلات التجارية أحد أهم العوامل في نشوء الاتصالات الثقافية بين منطقة البنغال وجنوب شرق آسيا حيث ساهم الموقع الاستراتيجي لمنطقة البنغال (شرق شبه القارة الهندية وبنجلاديش الحديثة) بشكل كبير على تطوير تلك التبادلات التجارية والثقافية المتنوعة على طول طرق الحرير البحرية.
كما كان لهذه المنطقة تأثيرات فنية عميقة خاصة في مناطق جنوب شرق آسيا، فيما يخص الفن المعماري والأنشطة الفنية المتنوعة.
ومن الجدير بالملاحظة هو وضوح تأثير فن الهندسة المعمارية البنغالية على أراضي جنوب شرق آسيا، ميانمار الحديثة واندونيسيا (ولا سيما جزيرة جاوة).
في نهاية القرن الثامن الميلادي، بدأ ظهور تصميم معماري غير معهود الشكل للمعابد والاديرة في منطقة البنغال. كان لهذه المعابد والاديرة خريطة تصميم فريدة من نوعها شبيهة بشكل الصليب في مركز الدير أو المعبد. كما وتم العثور على عناصر معمارية لها نفس الخصائص في معابد منطقة بورما، ميانمار الحديثة.
ومن الأمثلة الأخرى لهذه التأثيرات الثقافية هو معبد أناندا في بيغان (ميانمار الحديثة) الذي تم بناه في القرن الحادي عشر الميلادي خلال فترة حكم الملك كيانزيثا.
في تلك الفترة الزمنية، سافر الرهبان البوذيون وجماعات فاشنافا الهندوسية إلى بورما قادمين من شبه القارة الهندية وسنحت لهم الفرصة للتعرف وتبادل العناصر المشتركة بينهم ومناقشة جمال معابد منطقتهم.
هذا الامر أدى الى تحفيز الملك كيانزيثا بناء وتصميم هذا المعبد تحت تأثير واضح من الفن المعماري الغربي.
على الرغم من أن معبد أناندا هو مرآة عاكسة لأصوله الشرقية، إلا أن الملامح الغربية لا تزال واضحة فيه وتميزه كمعبد ذات تصميم معماري فريد من نوعه. حتى يومنا هذا، يعتبر معبد أناندا في منطقة بيغان تحفة معمارية فريدة من نوعها.
علاوة على ذلك، تظهر المعابد البوذية في مناطق وسط جاوة أيضًا تأثير فنون المعمار البنغالية في جنوب شرق آسيا. كدليل على ذلك، تشاندي سيفو - وهو واحد من أكبر المعابد البوذية في جاوة - الذي بني في القرن التاسع الميلادي، بالإضافة إلى معابد أخرى في المنطقة، استوحت كثيرا من دير باهاربور (سومابورا مهاهافهارا) في منطقة البنغال.
إلى جانب الفن المعماري، كان لتطوير تقنيات استخدام البرونز القادمة من منطقة البنغال والتي تنتمي إلى مدرسة بالا للفنون التأثير الواضح على الفن منطقة جاوة القديم.
وبالرغم من أن البرونز الهندوسي-الجاوي لم يتم تصوره ضمن مدرسة بالا للفنون لكن ومع ذلك، فإن السمات والنماذج المختلفة من البرونز تعرض بالتأكيد تأثير مدرسة بالا للفن في الفن الجاوي.
بهذه الطريقة، تم العثور على العديد من التماثيل البرونزية ذات سمات مدرسة بالا للفنون قادمة من منطقة البنغال في جنوب شرق آسيا. ويعتقد ان سكان منطقة البنغال قاموا بنقل تلك المنحوتات إلى مناطق جاوة وسومطرة وبورما، حيث أصبح الأسلوب والتصميم الفني لتلك المنحوتات في نهاية المطاف أمرا شائعًا في تلك المناطق.
وقد أظهرت مجموعة من التماثيل البرونزية من مايناماتي-تشيتاجونج (جنوب شرق بنغلادش الحديثة) في فترة ما قبل مدرسة بالا للفن وما بعد غوبتا وجود مركز محلي للفن البوذي في هذه المنطقة. كان هذا المركز الفني مركزًا مهمًا ساهم بشكل فعال في توسيع وانتشار هذه الحركة الفنية نحو المناطق الشرقية، خاصة منطقة بورما.
وبالتالي، يمكن القول إن العناصر الفنية المتنوعة لمنطقة البنغال أضافة الى فن الهندسة المعمارية أثرت بعمق على ثقافة جنوب شرق آسيا بفضل التبادلات المتنوعة على طول طرق الحرير البحرية.
تظل الفنون وأساليب التصميم المستخدمة في جنوب شرق آسيا فريدة من نوعها بسبب دمج التقاليد المحلية مع العناصر الفريدة المميزة للفنون البنغالية.