
أمريكا اللاتينية، إلدورادو الديناصورات
cou-04-2021-our-guest-web.jpg

تضاعفت الاكتشافات الرائدة في علم الأحافير في السنوات الأخيرة في أمريكا اللاتينية إلى درجة أصبح يُشار فيها إلى المنطقة، أحيانًا، باسم "مصنع الدّيناصورات". هذه التطورات العلمية يمكن تفسيرها، حسب ميريام بيريز دي لوس ريوس، بعودة الاهتمام بهذا التخصّص وبالإضافة الحاسمة التي وفّرتها مناهج البحث الحديثة.
أجرت الحوار لورا بيرديخو
اليونسكو
فيمَ تتمثّل أهميّة الاكتشافات التي وقعت حديثا في أمريكا اللاتينية ؟
تلعب أمريكا اللاتينية، وطرفها الجنوبي خصوصا، دورًا أساسيًا في تفسير أصل الدّيناصورات وتطوّرها. وقد أنجزت اكتشافات أساسيّة في منطقة لاريوخا، في الأرجنتين، وهي دولة تملك تقاليد قديمة في علم الأحافير. وكان أحد أقدم الديناصورات المعروفة، "الإيورابتور لونانسيس"، الذي تمّ اكتشافه سنة 1991، قد عاش في هذه المنطقة منذ ما يقرب من 230 مليون سنة. وتقوم حاليا فرق في البرازيل بالبحث عن عيّنة أقدم في المنطقة الحدودية.
وقد عُثر على آثار عديدة لهذه الحيوانات العائدة إلى حقبة الحياة الوسطى mésozoïque (ما بين 250 و66 مليون سنة) حيث وُجدت بقايا منها في القارّات الخمس إلى حين انقراضها المُكثّف في نهاية العصر الطباشيري، قبل 66 مليون سنة. وتُغطّي العيّنات التي تمّ العثور عليها كافّة مراحل مرورها بالأرض، وقد كان انقراضها متزامنا مع بقية ممثّلي هذا الجنس الموجودين في القارات الأخرى. غير أن الأحفوريات التي تمّت في المخروط الجنوبي لأمريكا اللاتينية سمحت باكتشاف بقايا تيتانوصورات – وهي دينصورات عملاقة - تنتمي إلى أجناس فريدة مثل الشيليزوروس دياغوسوراريزي، أحد الأجناس النادرة المعروفة من ذوات الأقدام وآكلة الأعشاب. كما سمحت باكتشاف الدّيناصورات التي عاشت في أقصى الجنوب، والتي يمثلها "صوروبود" ضخم تمّ انتشاله من تحت الأرض في توريس ديل باين، في تشيلي.
هل ستُغيّر هذه الاكتشافات المعلومات المُتعلقة بالدّيناصورات على الصّعيد العالمي ؟
بدون أدنى شكّ، لأنّه في علم الأحافير، من الضّروري مقارنة العيّنات المكتشفة مع تلك التي سبق التعرّف عليها حتّى يقع تحديد موقعها في سلّم التغيّرات الجينيّة، أي القرابة العائلية مع الديناصورات الأخرى. ويمكن لأحفوريّات جديدة ومقارنتها بالبقايا المعروفة أن تساعد على فهم تطوّر هذه الأجناس المكتشفة وتقييم طريقة تكوّنها، من خلال ملاحظة التغيّرات المورفولوجية.
بهذه الطريقة تمكّن المتحف الوطني للتّاريخ الطبيعي في تشيلي أن يبيّن، في أبريل الماضي، أن البقايا التي تمّ العثور عليها في صحراء أتاكاما، في شمال البلاد، منذ ما يقرب من ثلاثين سنة، تنتمي إلى جنس جديد من التيتانوصور، وهو الأراكار ليكانانتي Arackar licanantay.
كيف يمكن تفسير هذه السّلسلة من الاكتشافات في أمريكا اللاتينية في السّنوات الأخيرة ؟
هذه الاكتشافات تُبيّن بوضوح التطوّرات التي حدثت في مجال علم الأحفوريّات. تاريخياً، كانت الأرجنتين في طليعة المعرفة في المنطقة، بسبب الاهتمام بهذا التخصّص ووجود أخصّائيين من الطّراز الأوّل على غرار خوسيه فرناندو بونابرت، الذي اكتشف أكثر من عشرين جنسا، و رودولفو كازاميكيلا، المتخصّص في بقايا هذا النّوع الضّخم من الصّوريين. كما سجّلت بلدان أخرى، مثل الإكوادور، وكولومبيا، وتشيلي، والبرازيل، وبيرو، تقدّما كبيرا خلال العقود الأخيرة بفضل عمل الفرق المشاركة مع الجامعات أو مراكز البحث، وبالتّعاون أحيانًا مع فرق دولية، من الولايات المتحدة بالخصوص.
هل لتطوّر التّقنيات دور في تواتر الاكتشافات ؟
أعتقد أن تواترها لا يعتمد على الأساليب المستخدمة، والتي تظل تقليدية إلى حدّ كبير، بقدر اعتمادها على إنشاء فرق محلية ذات تكوين علمي رفيع المستوى. ففي السّنوات الأخيرة، عاد العديد من العلماء الشبّان الذين سافروا للحصول على الدّكتوراه في الولايات المتحدة أو أوروبا إلى بلدانهم الأصلية، وهم بصدد القيام بتطوير مشاريع بحوث حول الحيوانات الأحفورية المحلية أفضت إلى اكتشاف مواد جديدة في مناطق غير مستكشفة ومعزولة نسبيًا (مثل باتاغونيا أو مناطق الغابات الاستوائية الرطبة) إضافة إلى "إعادة اكتشاف" مواد تمّ السّهو عنها في المتاحف الوطنية أو المحلية في انتظار أن يُعيد لها الحياة عالم في الأحفوريات.
صحيح أن التّقنيات المخبريّة مكّنت أيضا من إظهار خصائص جديدة للأحفوريّات تعذّر ملاحظتها والانتباه إليها إلى حدّ الآن، مثل التّجاويف الداخلية للجماجم أو الأذن الداخلية التي وقع سبرها بفضل التّصوير المقطعي عن طريق الكمبيوتر. كما ساعدت الدراسات النسيجية التي تحلّل بنية الأنسجة الحيّة على دراسة نموّ العظام. من ناحية أخرى، فقد تطوّرت كثيرًا معرفتنا بطريقة تنقلّ الحيوانات والانسداد الذي يصيبها بفضل التحليل بطريقة العناصر المنتهية (FEA بحسب التعريف الإنجليزي finite element method)، وهي طريقة حساب رقمية تسمح، من بين أشياء أخرى، بتمثيل السلوك الآلي بدقة.
هل كان للجائحة المرتبطة بكوفيد-19 تأثير على الأبحاث الأحفوريّة ؟
يُمثّل الوضع الصحّي العالمي تحدّيًا لكلّ باحث يقوم بأشغال ميدانيّة ومخبريّة. ولقد تمّ إلغاء الزّيارات الميدانية السنويّة لعديد الفرق بسبب عدم إمكانية تنقّل المشاركين الدّوليين، ولأنّ التّمويلات توقّفت أو لأن عديد المؤسسات التي تدعم هذه الأبحاث خصّصت ميزانيّاتها لمقاومة الجائحة.
كما أُغلقت المتاحف والمعاهد أبوابها حتى أنه أصبح يتعذّر الوصول إلى المجموعات التي تحتوي على الأحفوريّات المعدّة للتّحليل. واضطرّت المؤتمرات المعنية بعلم الأحافير إلى مراجعة أدائها والعمل عن بعد، مما يجعل من التّبادلات بين المتخصّصين مجرّد عروض مسجّلة، وهو ما يحرمنا من النّقاشات التي تُعتبر أساسية في العلوم. وكما هو الشأن لجميع الباحثين الآخرين، فأنا أنتظر بفارغ الصّبر اللّحظة التي سنتمكّن فيها من العودة إلى التّلاقي مع الزملاء والحصول على المواد.
إذا طُلب من قسم مثل الذي تعملين فيه إعداد قائمة مثالية لاحتياجات السّنوات الخمس المقبلة، فماذا ستكون ؟
من وجهة نظري، فإن احتياجات أيّ قطب أبحاث هي نفسها في كلّ مكان، وهي التّمويلات، والإرادة، وتوفّر فرق مُدرّبة على نحو جيّد. فمهما بلغ مستوى الرّغبة لدى فريق ما في إحداث ثورة في علم الأحافير الوطنيّة أو الإقليمية، لا يُمكن له القيام بعمله في غياب مؤسّسات تدعم مشاريعه وتساندها. وفي كثير من الأحيان، تُؤدّي قلّة المعرفة لدى بعض المسؤولين المحليين المُكلّفين بتقييم المشاريع البحثيّة في علم الأحفوريات إلى التّقليل من قيمتها، حتّى أننا نضطرّ إلى التخلّي عن بعض محاور البحث، رغم الفائدة العظيمة التي يُمكن أن تُمثّلها على المستوى العالمي.
وأخيرًا، فإن النّقص في عدد المُتخصّصين في أمريكا اللاتينية أدّى إلى التّخفيض من سرعة تطوّر هذا المجال. بيد أن عدد الباحثين المُدرَّبين في ازدياد، وسنلاحظ في غضون خمس إلى عشر سنوات تطوّرا كبيرا في المعارف العلمية، شرط أن تتمكّن الفرق من الحصول على معدّات عالية المستوى، والتي هي غير موجودة في المنطقة أو غير معتمدة دوليًا. وفي الواقع، فإن أعمال الباحثين غير مُعترف بها من قبل جزء من المجتمع العلمي. ورغم كلّ هذا، فإن علم الأحفوريات هو اختصاص في ازدهار مُطّرد في أمريكا اللاتينية، وإنّ
العديد من المواقع هي الآن محلّ دراسة، خاصة في الأرجنتين، في منطقة نوكيان، أو في جبال الأنديز التشيلية، حيث تتم حاليًا دراسة موقع آثار أقدام الديناصورات في منطقة ترماس ديل فلاكو.
مريام بيريز دي لوس ريوس
أخصّائيّة في علم الأحفوريات، دكتورة في الأنثروبولوجيا البيولوجية وباحثة في جامعة تشيلي، متخصصة في تطوّر أشباه البشر hominoïdes من العصر الميوسيني (ما بين 23 و5 ملايين سنة). وهي أيضًا عضوة مديرة في الجمعية التشيلية لعلوم الأحفوريات. تتمحور أبحاثها بالخصوص حول تحديد العلاقات التطورية بين الأجناس من خلال دراسة شكل الجماجم الأحفورية.
قراءات ذات صلة
قد يكون هو أكبر ديناصور تمّ اكتشافه إلى اليوم، حسب دراسة نُشرت في يناير 2021 في مجلّة كريتاشيوس ريزيرتش. وقد وقع الاكتشاف إثر حفريات تمّت في وادي نهر نوكيان، جنوب-غربي الأرجنتين. هذا الصوروبود العملاق، الذي يعود تاريخه إلى 98 مليون سنة خلت، يبدو أنّ حجمه يفوق حجم الباتاغوتيتان، "جبّار باتاغونيا" أكبر ديناصور معروف حتى اليوم. ولقد اكتشف علماء الأحفوريات 24 فقرة عظمية بالإضافة إلى عدة عظام من الحوض. هذه المجموعة من الديناصورات "سوروبود"، ذات العنق الطويل، عاشت في جميع أنحاء العالم، غير أن بعضًا من آخر ممثليها عاش في أمريكا اللاتينية، حيث تطور ليُصبح عملاقا.
خلال شهر مارس، أعلنت جامعة سان لويس الوطنية، في الأرجنتين، عن اكتشاف لوكالكان أليوكرانيانوس Llukalkan aliocranianus، وهو حيوان لاحم عملاق كان يتنقل عبر الأرجنتين الحالية منذ حوالي 80 مليون سنة. ثم في أبريل، قدّم المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي في تشيلي أراكار ليكانانتاي Arackar licanantay، وهو تيتانوصور يزيد طوله عن ستة أمتار، عاش قبل 66 مليون سنة في صحراء أتاكاما في شمال البلاد.
اختفاء الديناصورات، أو مفاجآت تاريخ العلوم الطبيعية، رسالة اليونسكو، فبراير 1996
لغز علمي: نهاية الديناصورات، رسالة اليونسكو، فبراير 1990
اشترك في رسالة اليونسكو لمتابعة الأحداث. الاشتراك في النسخة الرقمية مجاني %100.