
اللاجئون: حتى نقطع مع الأحكام المسبقة
cou-04-2021-wide-angle-myths-web.jpg

يُعتقد أن كل اللاجئين الإفريقيين مُرشّحون للهجرة إلى أوروبا، وأنّ المجتمعات المضيفة معادية لهم دائمًا إذ سيتحوّلون، بالضرورة إلى منافسين للسكان المحليين في سوق الشغل. مثل هذه الأفكار المسلّم بها، والواسعة الانتشار، تفنّدها إلى حدّ كبير التحقيقات الميدانية.
الكسندر باتس
أستاذ مختص في الهجرات القسرية والشؤون الدولية بجامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة، ومؤلف كتاب The Wealth of Refugees: How Displaced People Can Build Economies "ثروة اللاجئين: كيف يمكن للأشخاص النازحين المساهمة في تطوير الاقتصادات".
لقد بلغ عدد الأشخاص النازحين بسبب الصراعات والاضطهاد حدّا غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية. غير أنه بالنّظر للوضع الحالي المُتّسم بتسييس قضايا اللجوء والهجرة، سواء في البلدان الغنية أو الفقيرة، يجد اللاجئون صعوبة متزايدة في الحصول على حماية دولية. وقد يُعزى جزء من المشكلة إلى الإعلام المُضلّل إذ تعمد وسائل الإعلام والقادة السياسيون أحيانًا إلى تشويه الصورة التي يتلقّاها الجمهور عن اللاجئين في اعتبارهم عبئا على المجتمعات المضيفة.
في كتابي "ثروة اللاجئين: كيف يمكن للأشخاص النازحين المساهمة في تطوير الاقتصادات"، اعتمدت على دراسة واسعة النّطاق أُجرٍيت في شرق إفريقيا، وشملت، بالخصوص، أكثر من 16.000 بين لاجئ وفرد من المجتمعات المحلية المضيفة داخل المخيمات والمدن في كلّ من أثيوبيا، وكينيا، وأوغندا. وقد سمحت المعطيات المُستقاة بدحض خمس أساطير متداولة على نحو واسع عن المهاجرين في إفريقيا وبيّنت أنه بإمكانهم المساهمة في تطوير بلدانهم المُضيّفة في صورة توفّر سياسات إدماجية شاملة.
التنقل - اللاجئون من إفريقيا يريدون جميعهم القدوم إلى أوروبا
في الدول الغنية، يسود الاعتقاد عامّة أن جميع اللاجئين يتمنّون الذهاب إلى أوروبا أو أمريكا الشمالية أو أستراليا. غير أن واقع اللاجئين بخصوص التنقّل مختلف تمامًا إذ أنّ %86 منهم تستضيفهم بلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، كما أن تسعة بلدان من بين العشرة التي تضم أكبر عدد من اللاجئين هي من بلدان الجنوب.
صحيح أن عددًا كبيرا يتطلّع إلى الاستقرار في دولة غنية لكن الأغلبية تعترف بأن هذا المشروع غير واقعي. لذلك نجد أن أكثر من %95 من اللاجئين في أديس أبابا يرغبون في الاستقرار في بلد ثالث، على أنّ أكثر من النصف يدرك أن تحقيق هذا الأمل مُستبعد جدا في المستقبل القريب.
في كينيا، ورغم أن عددًا كبيرًا من اللاجئين يُغيّر مقرّ إقامته خلال نفس السنة، فإن القدر الأكبر من هذا التنقل يبقى داخليّا. أما بخصوص التنقل على الصعيد الدولي، فيتعلق أساسا بدولة أوغندا المجاورة، أو بالتنقلات المنظمة مثل العودة إلى الوطن أو الإقامة من جديد. ولا يهاجر إلى أوروبا أو غيرها من البلدان الغنية سوى جزء ضئيل فقط - أقل بكثير من %1 في السنة-.
الخلاصة: أغلبية اللاجئين يتمّ استقبالهم، وستتواصل استضافتهم، من قبل البلدان ذات الدخل الضعيف والمتوسط داخل منطقتهم الأصلية.
التماسك الاجتماعي - المجتمعات المضيفة معادية، منهجيا، للاجئين
يسود الاعتقاد بأن المجتمعات المضيفة تعتبر حضور اللاجئين عبئا عليها. إلاّ أنّه في صورة إقرار سياسات مناسبة، يُمكن تغيير النّظرة إلى اللاجئين من سلبية إلى إيجابية. ففي بعض المناطق الحدودية النائية، يمكن أن يُمثّل وجود اللاجئين والمنظمات الإنسانية أحد الأسواق القليلة ومصدر التشغيل الوحيد بدليل أنّ وجود مخيم للاجئين في كاكوما، في كينيا، يوفّر للمجتمع المحلّي منفذاً تجارياً للماشية وللحطب المعدّ للتسخين، وفرصا للعمل، فضلاً عن الوصول إلى المدارس والمستشفيات.
في جميع البلدان التي شملتها الدّراسة، ثبت لدينا أن الاتصال المباشر يلعب دورًا هامًا، إذ كلما ارتفع مستوى التفاعل بين المجموعات، كان موقف أفراد المجتمعات المضيفة أكثر إيجابية، خاصة في المدن. ويرتبط موقف السكان تجاه اللاجئين ارتباطًا وثيقًا بالموقف الذي تتبنّاه عائلاتهم وجيرانهم، وهو ما يدلّ على أن النظرة إلى اللاجئين تتكوّن داخل المحيط القريب.
الخلاصة: بالإمكان تحقيق أقصى قدر من الفوائد الاقتصادية للمجتمع المضيف، وعلى السياسات في مجال اللاجئين مساندة الجماعات المحلية المضيفة وتعزيز العلاقة بين اللاجئين والمضيفين.
الحقّ في العمل - البلدان المضيفة لا تجني شيئا من السماح للاجئين بالعمل
تمنح القوانين الدولية المتعلقة باللاجئين وبحقوق الإنسان حقوقًا اجتماعية واقتصادية للاجئين، بما في ذلك الحق في الشغل وحرية التنقل. لكن العديد من البلدان المضيفة للاجئين تحدّ من هذه الحقوق اعتقادا منها بأن السماح للاجئين بالشغل من شأنه أن يخلق توترات داخل المجتمع المضيف. ونتيجة لذلك، يُجبر اللاجئون في دول مثل كينيا وتنزانيا على البقاء طيلة سنوات في مخيمات اللاجئين دون التمكّن من الحصول على شغل. وهناك معطيات تُفيد أن لذلك تبعات سلبية على حقوق اللاجئين ورفاهيتهم، وربما أيضًا على البلدان المضيفة.
أوغندا هي إحدى الدول الأفريقية الوحيدة التي تسمح للاجئين بالشغل واختيار مقر إقامتهم. وهذه المقاربة تُوفّر مزايا ملحوظة إذ يحصل اللاجئون في أوغندا على دخل يفوق %16 دخل اللاجئين في دولة كينيا المجاورة.
وتُشير بعض المعطيات إلى أن مثل هذه السياسات تعود بالفائدة على اللاجئين وعلى مواطني الدولة المضيفة على حد السواء. ففي كمبالا، عاصمة أوغندا، تملك حوالي %21 من أسر اللاجئين شركة تُشغّل شخصًا واحدًا على الأقل، و%40 من الموظفين هم من مواطني الدولة المضيفة. وبالنسبة للعديد من الأوغنديين، يساهم اللاجئون في تنمية اقتصاد البلاد كمنتجين ومستهلكين وباعثي شركات.
الخلاصة: لا بد من تعزيز حق اللاجئين في العمل على نحو نشيط –بفضل إجراءات تحفيزية- أينما كانوا في العالم.
المدن مقابل المخيمات – وضع اللاجئين في المدن دائمًا أفضل من وضعهم في المخيّمات.
في جنوب الصحراء الأفريقية، تقيم الأغلبية الساحقة من اللاجئين الذين تمّ إحصاؤهم في المخيمات. وحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن %16 فقط من اللاجئين في كينيا يعيشون في نيروبي، و%6 من اللاجئين في أوغندا يعيشون في كمبالا، و%4 من اللاجئين في إثيوبيا يعيشون في أديس أبابا. هذا التوزيع بين الريف والمدينة يعكس قيود السلطات العامة، والاستعداد النسبي للمساعدة أو التشغيل، واختيارات اللاجئين.
غالبًا ما يكون المهاجرون المقيمون بالمدن أكبر سناً ومن الذكور، في حين أنّ سكان المخيمات أصغر سناً، عموما، ومن الإناث. ويحدث أحيانا أن تفترق عائلات اللاجئين فينتقل إلى المدن من بإمكانهم العثور على عمل، ويبقى في المخيمات أولئك الذين يحتاجون إلى المساعدة أو المعالين.
وتُظهر الدراسة التي قمنا بها في شرق إفريقيا أن اللاجئين يكسبون عيشهم بشكل أفضل حينما يكونون في المدن، لكنهم ليسوا بالضرورة سعداء أكثر، أو في صحة أفضل، أو أن تغذيتهم أحسن من أولئك الذين يعيشون في المخيمات. ثانيا، يكون موقف المجتمعات المضيفة تجاه اللاجئين الذين يعيشون في بيئة ريفية أكثر إيجابية. وأخيراً، تُوجد حركة تنقل بين المخيمات والمدن.
الخلاصة: ليس هناك فرق جوهري بين الإقامة في المناطق الحضرية أو في المناطق الريفية بالنسبة للاجئين. فكلا الخيارين مفروض وله مزاياه وعيوبه النسبية. وعلى السياسات في مجال اللاجئين أن تركز على تحسين الوصول إلى المناطق الحضرية والريفية على حد سواء.
السياسات - مساعدة اللاجئين تُمليها الاعتبارات الإنسانية فقط
غالبًا ما يُنظر إلى الإحاطة باللاجئين على أنها عمل إنساني فقط. فالقانون الدولي والدفاع عن اللاجئين يلعبان دون شك دورًا هامًا في رسم التصوّرات لحماية اللاجئين، ولكن علينا أيضًا أن نُدرك أن المساعدة المقدمة للاجئين تندرج ضمن سياق سياسي معقّد وغامض في كثير من الأحيان.
فالجانب السياسي لحقوق اللاجئين يظهر جليّا عندما نتفحّص بعمق دوافع البلدان، وخاصّة تلك الأكثر تقدمية وسخاء في مجال استقبال اللاجئين. فسياسة الاكتفاء الذاتي في أوغندا، التي أشاد بها المجتمع الدولي على نطاق واسع، يجب على سبيل المثال، أن تُوضع في سياقها التاريخي والسياسي حتى يتم فهمها. فهي ليست ابتكارًا حديثًا بل هي مقاربة تطوّرت مع مرور الزمن، بدعم من الرؤساء المتعاقبين.
الخلاصة: يجب على المنظمات الإنسانية الدولية أن تكون واعية بالسياق السياسي الذي تندرج ضمنه حماية اللاجئين. فالدفاع عن اللاجئين وحده ليس كافيًا بل يجب وضع استراتيجيات متنوّعة، وإجراءات تحفيزية من أجل تعزيز حقوق اللاجئين في مختلف البلدان.
مهاجرون أم لا جئون أم مشرّدون.
ٍجوائز نوبل الآتية من مكان آخر
قراءات ذات صلة
الهجرات الأفريقية، رسالة اليونسكو، يناير 1992
جيوسيبينا نيكوليني: "الاستقبال هو ميزة طبيعية لكلّ جزيرة"، رسالة اليونسكو، يوليو-سبتمبر 2017
اشترك في رسالة اليونسكو لمتابعة الأحداث. الاشتراك في النسخة الرقمية مجاني %100.