بناء السلام في عقول الرجال والنساء

زاوية كبرى

الهاتف الجوال، البَوْصَلَة التي لا غنًى عنها للمهاجرين

cou-04-2021-wide-angle-ennaji-web.jpg

حقيبة وكنّش وهاتف، هي كلّ ما حمله معه سعيد، 25 سنة، عند هروبه من السّودان إلى فرنسا. صورة مأخوذة من مجموعة "محتوى كيس المهاجرين" للفوتوغرافي الميداني الفرنسي، ماكسيم راينيي.

أصبحت الهواتف الجوّالة عنصراً أساسياً في بقاء المهاجرين واللاّجئين على قيد الحياة بفضل المحافظة على اتصالهم بأُسرِهم، والتماس مساعدة ماليّة في حالة مواجهتهم صعوبات ما، والحصول على المعلومات أساسية تخوّل لهم مواصلة رحلتهم. يشير استبيان ميداني أُجرِي في مدينة فاس بالمغرب إلى الأهمية الحاسمة للتكنولوجيات الجوالة في جميع مراحل رحلات المهاجرين واللاجئين.

موحى الناجي

رئيس المعهد الدولي للغات والثقافات (INLAC)، وأستاذ بجامعة سيدي محمد بن عبد الله في فاس، المغرب.

"كان عليّ، في بعض الأحيان، أن أختار بين الأكل والنّفاذ إلى الإنترنت، حتى أظلّ على اتّصال بأُسرتي في بلدي. وعندما أحتاج إلى المال، أجري معها مكالمة عِبر "واتساب"، فترسله إليّ فورا". هذه الكلمات التي قالها مامادو، الشاب النيجيري البالغ من العمر 22 سنة، تُلخّص لوحدها الدور الحيوي للهواتف الجوّالة في حياة المهاجرين. ولعلّ الدّليل الحاسم على هذه الأهميّة هو أن إنفاق اللاّجئين على الاتّصال بشبكة الإنترنت قد يصل إلى ثلث ميزانيتهم، وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (HCR) في الرّباط.

فعندما يغادر المهاجرون بلدانهم الأصلية، يصبحون مُعتمِدين بالكامل على هواتفهم الجوّالة. والواقع أن الهواتف الذكيّة والّلوحات الألكترونية لها تأثير كبير على تجاربهم في كلٍّ من مراحل رحلتهم. ويتبيّن ذلك على ضوء الاستبيان الميداني المنجز بين عامي 2017 و2019 في مدينة فاس، بالاشتراك مع فيليبو بيجنامي، الباحث في جامعة العلوم والفنون التطبيقية بجنوب سويسرا، والذي شمل لاجئين ومهاجرين بدون أوراق رسمية من سوريا، وليبيا، وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

لقد ظلّت المغرب، لفترة طويلة، أرضاً للهجرة قبل أن تتحوّل، منذ منتصف القرن العشرين، مكاناً للعبور واستقبال عدد كبير من المهاجرين القادمين من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى (الكونغو، الكوت ديفوار، مالي، نيجيريا، والسنغال على وجه الخصوص)، والذين يرغبون في الوصول إلى أوروبا، سواء عن طريق الجيوب الإسبانية "سبتة" و"مليلية" أو عبر جزر الكناري عبر البحر الأبيض المتوسط أو المحيط الأطلسي. ولئن كان هؤلاء المهاجرون يعتبرون، عموما، أن إقامتهم في المغرب مجرّد مرحلة مؤقّتة، فإن الأمر ينتهي بالعديد منهم إلى البقاء شهورا بل سنوات، أحيانا، في ظروف صعبة.

التّعاون والدّعم المتبادل

كانت مستويات الكفاءة لدى الأشخاص المستجوبين متفاوتة، مما يوثّر على "درايتهم الرقميّة"، أي قدرتهم على الاستفادة من الفرص المتاحة لهم عبر الإنترنت وشبكات تكنولوجيا الهاتف الجوال.

ولم نتفاجأ عندما اكتشفنا أنّ الأجهزة التكنولوجية تُيسّر تبادل المعلومات منذ مرحلة ما قبل انطلاق الرحلة، سواء من حيث دوافع الهجرة، أو اختيار الوجهات والمسارات على وجه الخصوص، ثم أثناء الرّحلة ذاتها. كما أن هذه الأجهزة تُسهّل التعاون بين المهاجرين والدّعم المتبادل. أما الأشخاص الذين هم في وضع غير قانوني، فيعتمدون بقدر أكبر على مصادر المعلومات غير الرسمية، ولاسيما تلك الصّادرة عن المهرّبين.

ويتمتع المهرّبون بميزة معرفة الطّرق والمعابر الحدودية وإجراءات الحصول على التأشيرات. وقد ذكر الذين قابلناهم من المهاجرين أنهم استفادوا من معلومات دقيقة من المهرّبين الذين يستخدمون أيضاً الشبكات الاجتماعية لتزويد المهاجرين بالمساعدة أثناء الرّحلة.

ومن أمثلة ذلك أن ريجيس، الشاب الكاميروني البالغ من العمر 23 سنة، اتّبع التعليمات التي نقلها إليه مُهرّبه عبر رسائل الهاتف الجوال انطلاقا من بلده الأصلي وصولا إلى مدينة فاس. بيد أن بعض المهاجرين يرفضون الاعتماد على خدمات المهرّبين ويواصلون رحلتهم باستخدام تطبيقات الملاحة من قبيل نظام تحديد المواقع جي. بي. أس أو خرائط غوغل.

الصّلة بالعائلة

فيما يخصّ الأشخاص الذين ألقت بهم المقادير على طُرق الهجرة غير المضمونة والمحفوفة بالمخاطر، يُعدّ الهاتف، وربما قبل كل شيء، بمثابة الصّلة المطمئنة بالأقارب الذين بقوا في الوطن حيث يظلّ هؤلاء على اطّلاع بالظروف المحيطة برحلات المهاجرين عبر الرّسائل والصّور المتبادلة بواسطة تطبيقات واتساب أو ميسنجر أو فيسبوك.

 هذا الدّعم المعنوي الذي تقدّمه الأُسر يكون مصحوباً في كثير من الأحيان بمساعدة مالية غالباً ما تلعب دورا حاسما في مواصلة الرّحلة. وعادة ما تُحوّل هذه الأموال مباشرة عن طريق تكنولوجيا الهاتف الجوّال. يقول يايا، الشاب الغيني ذو الاثنين والعشرين سنة: "بدون هاتفي الذكيّ، وبدون الشبكات الاجتماعية، كنت سأشعر بأنّني معرّض لمزيد الإقصاء والعزلة. فأنا أستخدمه لطلب المساعدة من أصدقائي ولكي أبقى على صلة بأسرتي".

غير أن التكنولوجيات الجديدة لا تحمي من جميع المخاطر المرتبطة بالهجرة غير الشرعية. فقد أظهر بحثنا أن المهاجرين المزوّدين بمعلومات جيدة لا ينجحون، بالضرورة، أكثر من غيرهم في بلوغ الوجهة المنشودة،  إذ على الرّغم من الجهود المبذولة، يتعرّضون كغيرهم إلى السرقة أو الاعتداءات أو الاجراءات الأمنية التي تصدّهم عن عبور الحدود وتجبرهم، في أغلب الحالات، على البقاء في بلد العبور.

كما يمكن للتكنولوجيات الجديدة أن تكون ناقلة لمعلومات زائفة وشائعات قد تؤثّر في اختيارات المرشحين للهجرة.  مثال ذلك أن إبراهيم، الشاب الإيفواري البالغ من العمر 23 سنة، اتّخذ قراراً بمغادرة بلده بعد أن قرأ على شبكة الإنترنت أنه بمجرّد وصوله إلى المغرب، يتم إرساله إلى بلد أوروبي باعتباره طالب لجوء مازال يزاول تعليمه. وعندما أدرك أن الأمر ليس كذلك، خاطر بحياته كل ليلة، محاولاً، في كلّ مرّة، ركوب شاحنات متّجهة إلى إسبانيا. ومثل هذه الرّوايات شائعة بين المهاجرين غير الشرعيين.

أما أولئك الذين وصلوا إلى وجهتهم المنشودة، فهم يساهمون، عِبر تطبيقات الإرساليات والشبكات الاجتماعية، في التأثير على قرار المرشّحين للهجرة، من خلال تبادل المعلومات والصّور عن حياتهم الجديدة.

مطالعات ذات صلة

حياة جديدة بفضل الهاتف الجوال، رسالة اليونسكو، أكتوبر - ديسمبر 2018

هل تنقّل الأدمغة الأفريقية خيار أفضل من الهجرة ؟، رسالة اليونسكو، يناير ـ مارس 2018

دوافع التنمية، رسالة اليونسكو، يوليو ـ أغسطس 2000

 

اشترك في رسالة اليونسكو لمتابعة الأحداث. الاشتراك في النسخة الرقمية مجاني %100.

تابع  رسالة اليونسكو على تويتر، فيسبوك، أنستغرام