بناء السلام في عقول الرجال والنساء

زاوية كبرى

أستراليا: في مواجهة النّيران

cou_03_21_wide_angle_australia_web.jpg

حيوان الأبصوم بعد إنقاذه من النّيران في منطقة سنووي ماوتاينز (الجبال الثلجية) جنوب شرق أستراليا.

ملايين الهكتارات من الغطاء النّباتي التهمتها النّيران وهُلكت حوالي ثلاثة مليارات من الحيوانات. تلك هي الحصيلة المرعبة للحرائق الهائلة التي نشبت فيما بين 2019 و2020. وسوف يتطلّب تعافي التنوع البيولوجي وقتا طويلا لتجاوز هذه المحنة، لا سيّما وأنّ الظّروف المناخية للسنوات القادمة ليست مواتية.

غاري نون 

صحفي مقيم بسيدني، أستراليا

"إن ما يُثير الانتباه عندما نسير في غابة دمّرتها النيران هو غياب الضوضاء. لا صوت لزقزقة العصافير ولا لخشخشة أوراق الشجر. إنّه الصمت المطبق". هذه العبارات لمايك كلارك، أستاذ علم الحيوان بجامعة لا تروب في ملبورن، يمكن أن تنطبق على العديد من الغابات الأسترالية التي أبادتها مؤخرًا حرائق الغابات وأخمدت صوتها.

ويُضيف مايك كلارك: "إنها، بلا شكّ أسوأ كارثة في تاريخ أستراليا". فمن الصّعب تخيّل مساحة المنطقة التي اشتعلت فيها النيران إذ بلغت 13 مليون هكتار. وحتى نحصل على فكرة عن أهميّة هذه المساحة، فهي أوسع من مساحة هولندا والدنمارك وسويسرا مجتمعة.

ولئن بلغت النّيران مثل هذا الحجم، فلأنّ الوضع المناخي كان مُلائما. يقول مايك كلارك: "لقد أتت النيران لتنضاف إلى أسوأ سنوات الجفاف التي لم تشهد أستراليا مثيلا لها. فالحيوانات كانت مُرهقة للغاية من قبل. وستكون الظروف المناخية للثلاث سنوات أو الأربع القادمة حاسمة لاستعادة التنوّع البيولوجي الأسترالي."

خسائر فادحة

وفق دراسة نشرت في يوليو 2020 من طرف عشرة علماء ينتمون إلى خمس مؤسّسات معتمدة من طرف الصندوق العالمي للطبيعة WWF، فرّ حوالي ثلاثة مليارات من الحيوانات أو أتت عليها النّيران. ففي تصريح أدلى به إلى صحيفة الغارديان، يقول كريستوفر ديكمان، أستاذ الأوساط البيئية الترابية بجامعة سيدني المشرفة على المشروع، أنّ هذه الاكتشافات خلّفت صدمة كبيرة حتّى لدى الباحثين، "فثلاثة مليارات من الحيوانات المحلية رقم مهول للغاية. ومثل هذا الرّقم الذي لا يصدّق غير قابل للإدراك".

وهو رقم جزئي حسب مايك كلارك إذ "لا يشمل سوى الثّديّيات، والطّيور، والزّواحف. أمّا إذا ما أضفنا اللاّفقاريات، فالرّقم يفوق الخيال".

لا شكّ أن الغطاء النّباتي الأسترالي كان دوما عرضة للنّيران. ويُوضّح آلان يورك، أستاذ علم بيئة الحرائق بجامعة ملبورن: "إنّ ما هو غير مسبوق ليس خطورة هذه الحرائق بل حجمها الاستثنائي لأنّها أتت على أماكن كثيرة، ولكونها، أيضا سابقة لأوانها إذ اندلعت في أوّل بدايات الموسم العادي للحرائق، بل حتّى قبل أن ينطلق الموسم أصلا."

ويمكن لتبعات هذه الحرائق على الأجناس المهدّدة بالانقراض في أستراليا أن تكون مدمّرة حيث يُؤكّد مايك كلارك بأنّ "سبعين جنسا من الأجناس المهدّدة على المستوى الوطني فقد نصف موائله، على الأقلّ، بعد أن تحوّلت هذه الأخيرة إلى رماد". تلك هي الحال، بالخصوص، بالنّسبة إلى فأر البوتورو طويل القدمين، وطائر الكاكاتويس الأسود اللمّاع المقيم بجزيرة كانجارو، "وهو طائر نادر ولافت للانتباه"، فالحرائق دمّرت إمّا مصادر غذائها أو موائلها أو الاثنين معا.

كما  دُمّر معظم موائل حيوان الكوالا المتوطّن شمال نيو ساوث ويلز. غير أنّ مايك كلارك يضيف بأنّ المكانة الرمزية للكوالا تُخفي أحيانا كوارث أخرى بالنسبة للمنظومة البيئية لأنّه "يُعتبر بمثابة نجم هذه الأزمة، والحال أنّ هناك، في الواقع، مجموعة كاملة من الأجناس الحيوانية مثل الأوبُصوم الكبير أو النّباتات المختلفة التي تعيش وسط أنواع معينة من الأوكالبتوس، المعرّضة حاليًا إلى الخطر." 

الغطاء النباتي الأسترالي وقدرته على الصّمود والمقاومة

قد تستغرق عودة هذه الأنواع والأجناس عدّة سنوات، وقد يتطلّب ذلك، في بعض الحالات، تدخلًا بشريًا مثل تربية الضّفادع في أماكن مُغلقة بحدائق الحيوان الأسترالية. يقول آلان يورك "ما زلنا نأمل، رغم كل شيء، أن تكون الحيوانات التي احتمت بالجيوب التي لم تتأثر بالحرائق، باقية على قيد الحياة". ويحتفظ الأستاذ بقدر من التفاؤل، معتمدا على "القدرة الاستثنائية [للغطاء النباتي الأسترالي] على استرجاع الحياة صلبه".

بيد أنّ هذا الرّهان على المستقبل غير مضمون النتيجة. فالغابات الاستوائية الرّطبة والمناطق المرتفعة في تسمانيا غير المُتعوّدة على الحرائق، هي الأكثر هشاشة وعُرضة للحرائق المتكرّرة. ومع تسارع التغيّرات المناخية، فإنه لا مفرّ من تزايد هذه الحرائق.

هذا وقد تتسبّب بعض "التدخّلات البشرية" في الخفض من سرعة استرداد الغطاء النّباتي، لاسيّما تدمير الموائل أثناء عمليّة استصلاح الأراضي، وعدم اتّخاذ التّدابير الضرورية في مجال مكافحة التغيّر المناخي.

يبقى السؤال عمّا إذا كان للغطاء النباتي القدرة الكافية على المقاومة ليستعيد عافيته؟ حول هذه النّقطة بالذات تختلف الآراء. يقول مايك كلارك: "إنّ حوالي %70 من الغابات الاستوائية الرّطبة قد احترقت، أي الجزء من المشهد الطبيعي غير المُتعوّد على التكيّف مع النار، لذا نحن لا نعرف حقًّا ما إذا كانت ستتجدّد، وكيف سيتمّ ذلك".

إعادة إحياء بطيئة جدّا

ذلك أن الكثير من الموارد قد احترقت في حين تحتاج بعض الأنواع مثل الكاكاتويس أو الببغاء أو الأبوصوم أو الخفاش إلى الجذوع الجوفاء المتبقية في الأرض أو سيقان الأشجار لإنشاء مساكنها أو للتكاثر. غير أن هذه الجذوع لم تُسحق فحسب، بل سوف تستغرق عودتها إلى الظهور قرنًا أو قرنين من الزّمن حسب تقديرات مايك كلارك. فالأشياء التي اختفت خلال ساعات قليلة جرّاء حرائق الغابات قد تستغرق قرونًا قبل أن تعود إلى الحياة. ذلك ما يسمّيه دعاة حماية البيئة "التغيّر الشّامل للوضع".

إن التّربة عامل أساسي في استعادة الحياة. إلا أن مساحة الأرض التي تكلّست أثناء الحرائق فاقت المعتاد نظرا للجفاف الذي عمّ في السنوات الأخيرة ودمّر الرّطوبة التي كانت موجودة فيه سابقًا. وبالتالي فإن العناصر الغذائية الأساسية الملازمة للتربة اختفت بدورها. 

ضرورة اتخاذ إجراءات فورية

يطالب الخبراء باتّخاذ تدابير فورية لتسهيل استعادة هذه المساحة الشّاسعة. ولقد تمّ اقتراح إرجاء استغلال الغابة، إضافة إلى الضّغط المتزايد للحثّ على مكافحة القطط والثّعالب الوحشيّة بأكثر حزم، وتنظيم حملات لمكافحة الأعشاب الطّفيلية.

كما أنّ تحديد المناطق التي لم تحترق وحمايتها يُمثّلان موضوع نقاش أساسيّ. فالبعض يعتقد أن الحرق الزّراعي قد يكون وسيلة للوقاية من النّار أكثر ملاءمة من الاحتراقات المرتفعة الحرارة والكثيفة. وتتمثّل هذه التّقنية، التي مارسها السكّان الأصليون بانتظام على كامل الأراضي قبل استعمار أستراليا بمدّة طويلة، في إشعال نيران لا يتجاوز ارتفاعها مستوى الرّكبتين وبدرجة حرارة منخفضة ممّا يسمح بحرق المواد القابلة للاحتراق التي تكسو الأرض (حطام الخشب، الأوراق اليابسة، إلخ) لمنع حرائق الغابات الطبيعية من استغلالها كوقود.

وأخيرا، فإنّ التّدابير الملموسة لمكافحة التغيّر المناخي تعتبر عاملا حاسما بالنّسبة لمستقبل التنوّع البيولوجي، لأنه رغم قدرة الطبيعة على المقاومة، فإن استعادة التنوّع البيولوجي للغطاء النباتي ما زالت بعيدة المنال. وحسب مايك كلارك، فإنه "إذا تجدّد جزء من الغطاء النباتي، فسيكون ذلك جيدًا، إذ يمكن للثُّلُث أن يتعافى، ويبقى مصير ثُلثٍ آخر غير مؤكّد، أما الثُّلث الأخير فسيُعاني من صعوبة حادّة. فأنا أدرس، منذ عشرين عامًا، الظّروف البيئية المتسبّبة في الحرائق، ومع ذلك نجد أنفسنا اليوم أمام مجال مجهول بصدد التطوّر أمام أنظارنا". 

مطالعات ذات صلة

التصرّف في المياه: أستراليا تطوي الصّفحة، رسالة اليونسكو، مارس 2009

حرائق مُربحة، رسالة اليونسكو، يوليو- سبتمبر 1998

معارف السكّان الأصليّين في تقييم التغيّر المناخي والتكيف معه، اليونسكو بالاشتراك مع منشورات جامعة كمبردج، 2018

 

اشترك في رسالة اليونسكو لمتابعة الأحداث. الاشتراك في النسخة الرقمية مجاني %100.

تابع  رسالة اليونسكو على تويتر، فيسبوك، أنستغرام