
آن موكسِل: "الجائحة فرصة للشباب للبحث عن المعنى"
cou_02_21_wide_angle_muxel_website.jpg

هل حقّا أنّ "جيل "زد" Z غير مُسيّسٍ ومنطوٍ على نفسه؟ مثل هذا الرأي لا يعدو أن يكون فكرة مسبقة في نظر آن موكسِل، المختصّة الفرنسية في علم الاجتماع والعلوم السياسية، ومديرة الأبحاث في المركز الفرنسي الوطني للبحث العلمي. وهي ترسم لنا، بصفتها مختصّة في علاقات الشباب بالمجال السياسي، جيلا ملتزما وصامدا أمام الجائحة المتفشيّة خلافا للتصوّرات النمطيّة عن الشباب.
أجرت الحوار لاتيتسيا كاسي
اليونسكو
كيف نعرّف مفهوم الجيل؟
من منظور ديموغرافي، هو مجموعة من الأفراد وُلدوا في نفس الفترة المتّسمة بنفس السّياق الاجتماعي والتاريخي. وهذا معطى موضوعي. وفي ذات الحين، فإن شعور الانتماء إلى جيل بعينه، وإلى تجربة حياتية مشتركة، وهويّة جماعية، معطى أكثر تعقيداً. ويمكن، حسب وضعية الأفراد في المجتمع، وثقافتهم، وتجاربهم، وظروف عيشهم، مساءلة هذا الشعور بالانتماء.
عادةً ما يكون هناك حدث معيّن أو حزمة ظروف تسمح بتحديد مرجع مشترك لأفراد قادمين من أوساط اجتماعية مختلفة. وهذا ما يفترض وجود علامات أو دلالات تاريخية واجتماعيةـ ثقافية تندرج ضمنها هذه الفئة العمرية. وبهذا العنوان، أمكن الحديث عن جيل مايو 1968 في فرنسا أو جيل حرب الجزائر.
ما هي، برأيكِ، العلامات التي يمكن أن تميّز الجيل الذي يقلّ عُمر أفراده عن 25 سنة، والمعروف أيضاً باسم "جيل Z"؟
ليس من اليسير تعريف هذه العلامات. فالتّعامل مع مفهوم الجيل يتطلّب توخّي الحذر إذ يغطّي تجارب فرديّة متنوّعة، وطرق اندماج مختلفة في المجتمع.
إنّ مرحلة الشّباب لحظة محوريّة في الحياة حيث تتحدّد التّجارب التي تؤثّر على مصير الأفراد ومسارهم اللّاحق. من هنا، كانت التّجارب التي يعيشونها أثناء هذه المرحلة تجارب تأسيسية. وبالتالي، يصحّ الاعتقاد بأن الأزمة الاجتماعية ـ الاقتصادية وجائحة كوفيد ـ 19 سيكون لهما أثر مستدام على "جيل Z " الذي أصبح البعض يلقّبه بجيل كوفيد، ذلك أنه لئن تعرّضت جميع الفئات العمرية لهذه الأحداث، فإن هذا الجيل سيظلّ أكثر تأثراً إذْ أنه عاشها في فترة بلغ فيها أفراده مرحلة الكهولة.
قيل إن "جيل Z" غير مسيّس. ومع ذلك، نشهد، في أعقاب شخصيات مثل غريتا ثونبرغ في السويد أو إيريس دوكين في فرنسا أو ليا ناموغيروا في أوغندا، تجنّد عشرات الآلاف من الشّباب عِبر العالم للدّفاع عن كوكب الأرض. فهل من تفسير لهذه المفارقة؟
لا أعتقد أن الشّباب غير مسيّس. بل أضيف إنه يميل إلى التّعبئة أكثر من أسلافه ويولي اهتماماً أكبر بالتّحديات التي تواجه المجتمع، من قبيل الدّفاع عن البيئة، والعدالة الاجتماعية، وحقوق الإنسان.
بيد أن أنشطته التّعبوية لم تعد تمرّ، بالضّرورة، عبر القنوات السياسية التّقليدية، سواء أكانت انتخابات أو انخراط في أحزاب سياسية أو نقابات. واليوم، فهو يفضّل أشكالاً أخرى من المشاركة المدنية، مثل المظاهرات والمقاطعة والتّعبئة الجماعية على الشّبكات الاجتماعية.
وتُبين عديد الدّراسات أنّ انخراط الشّباب في العمل التّطوعّي تزايد في السنوات الأخيرة وأن اهتمامه بالشأن السياسي لم يضعف. وبالتالي، فإن فكرة وجود شباب منكفئ على نفسه وغير مبالٍ بالصّالح العام ليست فكرة صائبة. ولعلّ غريتا ثونبرغ خير مثال على ذلك إذ استطاعت هذه الفتاة الصغيرة، انطلاقا من التزام فردي، أَخَذَ شكل إضراب مدرسي، إذكاء الوعي لدى الشّباب في جميع أرجاء المعمورة وتعبئته بواسطة تنظيم المسيرات من أجل المناخ.
لطالما كانت عمليّات التّعبئة المدنية موجودة. فما الذي يميّز التحرّكات التعبويّة الحالية عن سابقاتها؟
أفضى العديد من حركات التحوّل الاجتماعي إلى القيام بمظاهرات وتقديم العرائض. وهي، فعلا، وسائل تعبير وممارسات ديمقراطية قائمة منذ أمدٍ بعيد. غير أن ثقافة الاحتجاج هذه، التي انتشرت على نطاق واسع، اكتسبت شرعيّة أكبر، لاسيّما بين الشباب الذي استحوذ عليها إلى حدّ كبير. فيما مضى، كان يُنظر إلى هذه الأنشطة على أنها حركات احتجاجية. أما اليوم، فتُعتبر القلب النابض للدّيمقراطيات وقد امتدّت إلى قطاعات أخرى من المجتمع.
ما هي الأدوار التي تضطلع بها اليوم وسائل الإعلام الرّقميّة الجديدة في تعبئة الشّباب؟
إنّ الشّباب يلج الحياة النشيطة عن طريق أدوات الاتّصال التي تغيّر علاقاته بالحياة المدنية والسياسية. وفيما يتعلق بالتّعبئة، فإن لهذه الأدوات تأثير مضاعف، وهي توفّر إمكانيات أوسع للتعبير سواء في مجال الحياة الشخصية أو المهنية أو الثقافية أو السياسية.
وقد أصبحت الشّبكات الاجتماعية مَحْمَلًا أو ناقلا للتّسييس الذي يُتيح للشّبات الانضمام إلى قضيّة ما والدّفاع عنها. وهذه القنوات لم يعد بالإمكان تجاهلها بدليل أنّنا نشاهد، يوما بعد يوم، المسؤولين السياسيين يخاطبون الشّباب عن طريقها.
هل من الصّواب الحديث عن جيل وقعت التّضحية به؟
تلك هي الصّورة التي يبعث بها المجتمع إلى هذا الشّباب لكن رغم العراقيل التي يصطدم بها، فهو يتمتّع بقدرة حقيقية على الصّمود والتكيّف.
كما يتميّز هذا الجيل الشّاب بأنه نشأ في عصر تسوده أزمات عديدة، سواء أكانت أزمات صحية أم اقتصادية أم بيئية. ومن جهة أخرى، فقد فرضت عليه الجائحة قيوداً على حرياته لم يتعوّد عليها، ووضعته، خاصّة، وجه لوجه أمام مسألة هشاشة الإنسان وفنائه وهو ما من شأنه إثارة مشاعر القلق فيه.
إلاّ أن الأزمة الصحيّة الرّاهنة فرصة، أيضا، لإذكاء وعي جديد لدى هذا الشّباب وحثّه على خوض رحلة البحث عن المعنى. فهو جيل مطالب بإيجاد التوازن بين حياته الشخصية والتحدّيات الإيكولوجية والتكنولوجية والتقدّم العلمي. كما أنّه جيل أبدى ثقة في قدرته على تجاوز هذه الأزمات. وفي واقع الأمر، فإنّ التجربة التي يعيشها الشباب اليوم قد تفضي إلى مقتضيات ديمقراطية واعدة وجديدة.
مطالعات ذات صلة
تصريحات أصحاب البورتريهات، رسالة اليونسكو، أبريل- يونيو2021
ثائرون ولثورتهم أسباب، رسالة اليونسكو، يوليو/ سبتمبر 2011، ص.41.
شباب 1969، رسالة اليونسكو، أبريل 1969
اشترك في رسالة اليونسكو لمتابعة الأحداث. الاشتراك في النسخة الرقمية مجاني %100.