
الكتابة النسائية، بريق ضياء في ليلة ظلماء
cou_03_20_zhai_website.jpg

العالم القادم سيكون مختلفا عن العالم الذي عرفناه. سيكون أكثر تقديرا للمجهول، وأكثر احتراما للأجناس الحية. هكذا تقول الشاعرة تشاي يونغ مينغ.
تشاي يونغ مينغ
شاعرة متحصّلة على عديد الجوائز العالمية، نشرت حوالي عشرة مختارات شعرية وثماني مجموعات من المقالات. ترجمت أعمالها إلى عديد اللّغات.
عندما تحل الكارثة، يتعيّن على الأدب ألّا يُعبّر عن المديح المتسرّع ولا عن النّقد المتهوّر، بل يجب أن يُركّز على الأفراد، وذلك بالحديث عن مشاعرهم الحقيقية وتقاسم الخواطر المستلهمة من هذه الدّراما. على البشر أن يُقدّروا المجهول حقّ قدره، وأن يحترموا الحياة، ويبتعدوا عن المُسلّمات والأفكار الإطلاقية التي لا تحتمل التباين. بهذه الطريقة، ستعرف شعوب العالم، دون ريب، مزيدا من الحرية والتّسامح بعد زوال الجائحة.
منذ صدور المجموعة الشعرية نساء، التي ألّفتُها في الثمانينات، أصبحت معظم قصائدي مُستلهمة من الواقع وممّا يدور في المجتمع. آمل، إذن، ألّا تكون القصائد التي كتبتها زمن الجائحة ناتجة عن مجرّد نزوة، أو لجلب الانتباه فحسب. فأنا أنتظر منها أن تكون مُعبّرة عن الخواطر والمشاعر الملموسة المُستلهمة من الجائحة. فالكاتب، بالنسبة إليّ، يجب أن يقول كيف يرى الأشياء، وألا يكتفي بالشعارات.
إن الشّعر، كجنس من أجناس التعبير الأدبي، يولد من أعماق قلب شديد التأثّر. وفي مثل هذه الظروف، يجب أن يتحدث عن معاناة الناس ومقاومتهم للكارثة. يجب أن يُثير التفكير.
وعلى الشّاعر أو الشّاعرة أن يكرّس نفسه لبناء مجتمع عادل وحماية البيئة. أما إذا تهرّب من الواقع، أو لم ينجح في التّعبير عمّا يفكّر فيه بخصوص ما يحدث في العالم، فهو لا يلعب الدور المنوط بعهدته.
الكتابة النسائية كبديل
في حالات الكوارث، غالبا ما تُبدي النساء من الإقدام والشجاعة والحزم الكثير. فأثناء الجائحة وإثر إغلاق مدينة ووهان، بعثت فتاة تُدعى دانغ جي "كتيبة الملائكة" لإيصال البضائع إلى المستشفيات، والعناية بالمشرّدين، ومساعدة المرضى على العثور على أسرّة في المستشفى، وتوزيع وجبات مجانية يومية لموظّفي الرّعاية الصحية. كانت تقوم بذلك بمبادرة خاصّة منها، مخاطرة بحياتها ومتحدّية المخاطر والضّغوطات. لم تكن الوحيدة في ذلك، فعديد النساء من ووهان قدّمن قسطهنّ في صمت، بصفتهنّ متطوّعات.
إنّ الكتابة النسائية موضوع ٌيحظى اليوم بكامل الوجاهة. فأثناء الجائحة، أنتجت روشوين، الشاعرة والممرّضة في خطّ المواجهة الأمامي، قصائد حُظيت بترحيب واسع لدى الجمهور، ترجمت فيها ما يعيشه الأعوان الصحيّون ويشعرون به فعليّا. كانت كتاباتها فريدة من نوعها، فقد صوّرت شخصيّة صحافي أُرسل إلى ساحة المعركة كشاهد مباشر على ما يحدث، فعليا، في جميع نقاط خطّ المواجهة.
في الواقع، لم تنتظر النساء الجائحة ليقمن بدورهن في جميع الظّروف والمجالات العمومية. فهن يشغلن مناصب تتطلّب منهنّ بذل جهود كبيرة لإنجاز مهام تُعتبر حكرا على الرجال، وإثبات أن لا شيء يمنع النّساء من أدائها.
إنّ الكتابة النسائية لا علاقة لها بالمعطى الفيزيولوجي، بل هي أفق جديد متحرّر من الخطاب الذّكوري والفكر المتعصّب للرّجال. والصّوت النسائي لا يقتصر على ملء الفراغات أو على إكمال الخطاب الذّكوري، بل يقدّم بديلاً للنّظام الجمالي القائم.
يبدو أن بعض الكاتبات مقدّر لهنّ التخلّص تماما من معوقات جنسهنّ، وهو ما يعني، في نظري، أنهن لا يخشيْن أن يتم وصمهنّ، وأنّهن قادرات على البقاء متفائلات. فعملهنّ أشبه ما يكون بضوء يسطع وسط ظلمة حالكة. وأُفضّل، هنا، أن أتحدث عن "ليلة مضيئة" لوصف هذا الظلام في علاقة بطموح النساء ونبل مشاعرهنّ.
مستقبل غامض
لقد خيّمت الجائحة بظلالها على الآفاق الواعدة لعالم قوامه الأمن والحرية. وسنكون مُجبرين، مستقبلا، على العيش في حالة من الشكّ لفترة طويلة. وقد لا يأتي أي نبيّ لإرشادنا. فهل سيكون هناك مزيد من الحرية والتّسامح في العالم عندما نكون قد تغلّبنا أخيرا على هذه المحنة؟
إذا أردنا أن نحقّق هذه الحريّة وهذا التّسامح، علينا أن نتجاوز المُسلّمات وطرق التّفكير المانوية، وأن نتخلى عن عادة الحطّ من شأن كلّ ما نجهله أو ما لا نعرفه جيدًا. فبعد الجائحة، يُفترض أن يُصبح العالم أقلّ إيذاء، وأن يحترم الإنسان الكائنات الحيّة والأجناس الأخرى، وأن تكون الشعوب أكثر تسامحا فيما بينها. وبما أن العالم يتغيّر باستمرار، وأنّ الطبيعة تسلك مسارها الخاص، رغم كل جهود الجنس البشري للسيطرة عليها بفضل التّقنيات الجديدة دون أي أمل في إخضاعها، فعلينا، فقط، أن نكون أكثر تقديرا للمجهول، وأكثر احتراما للكائنات الحية.
قراءات تكميلية
الشاعر في قلب المدينة، رسالة اليونسكو، يوليو-سبتمبر 2017
عندما يكون وقع الشعر أقوى من القنبلة، رسالة اليونسكو، يوليو- سبتمبر 2011
الشعر سلاح سحري ضدّ عالم مكمّم، رسالة اليونسكو، مايو 1997
اشترك في رسالة اليونسكو لمتابعة الأحداث. الاشتراك في النسخة الرقمية مجاني 100%.