بناء السلام في عقول الرجال والنساء

زوم

نساء قَديرات

قرية توماي الواقعة وسط كينيا، ممنوعة على الرجال. وتستقبل القرية منذ 2011 نساء من قبيلة سامبورو وقعن ضحايا العنف الزوجي.

الصور: ناديا فروخي

النص: كاترينا مركيلوفا

 

تنشر رسالة اليونسكو هذا التحقيق المصوّر بمناسبة الاحتفال باليوم الدولي للمرأة، في 8 مارس.

 

في عام 2009، رحلت ناديا فروخي إلى كينيا لإعداد تحقيق مصوّر. وعندما نزلت المصوِّرة الجزائرية ـ التشيكية من الحافلة في محطة وسط الأدغال، لاقت محمد، الرجل الذي كانت شاهدته على شاشة التلفزيون في شريط وثائقي حول قرية أوموجا، وقد عمِل كمرشد عند إعداد الفيلم حول تلك القرية الممنوعة على الرجال. هذه القرية التي أنشأتها سنة 1991 نساء من المجموعة الإثنية سامبورو، والتي تقع على مقربة من جبل كينيا وعلى نحو 300 كم من نيروبي، تستقبل نساءً مطلقات أو ممن أوقع عليهن أزواجهن الطلاق بإرادتهم المنفردة أو ممن يتعرضن للضرب على أيدي أزواجهن. وكان هذا الموضوع قد أثار اهتمام المصورة مما حملها على السير بدورها على أثر هؤلاء النساء اللاتي هجَرن مَواطنهن الأصلية.

بما أنها ترعرعت في كنف أختها الناشطة النسوية، اهتمت ناديا فروخي منذ فترة طويلة بالنساء القديرات اللواتي يتبوأن مكانة هامة في مجتمعاتهن. وتقول ناديا في هذا الصدد: «بصفتي امرأة، أهتم طبعاً بمصير النساء. وبصفتي مصوِّرة فوتوغرافية، بإمكاني أن أعبّر عن البعض من جوانب معيشتهن».

أما محمد، الذي التقت به عن طريق الصدفة، فقد أصبح مرشداً لها، ورافقها في كل مساعيها لدى نساء أموجا. غير أن اللقاء معهن سرعان ما توقف، ذلك أن رُبيخة، رئيسة القرية التي باتت محل اهتمام السياح من فرط الحديث عنها في وسائل الإعلام، لم تسمح للمصوِّرة بالعمل إلا لمدة ثلاثة أيام في ساعات محددة ومُقابل مساهمة مالية.  وتفسر ناديا: «المهم بالنسبة للمصوِّر الفوتوغرافي هو أن يكون حاضراً خلال فترة طويلة حتى لا ينتبه إليه أحد وحتى يتمكن من التقاط اللحظات والأضواء. ولا يمكن له الخضوع لأوقات دوام إدارية». لذلك رفضت الانصياع للشروط المفروضة.

وبعد ذلك، أخذها مرشدها  إلى توماي، وهي قرية أخرى للنساء أسستها شيلي التي سبق أن عاشت في قرية أموجا. وتقول ناديا: «هناك، استقبلت استقبال الأمراء. لقد كنت أول من قام بتغطية هذه القرية».

تعيش نساء قرية توماي باكتفاء ذاتي تام. وقد أطلق عليهن في المناطق المجاورة لقب «لبؤات الأدغال» بلمسة من السخرية، ولكن بمنتهى الاحترام. فهن يقمن بمفردهن، بتربية الماعز، والطقوس المقدسة والمهام التي يتكفل بها الرجال عادةً، من قبيل بناء الأكواخ أو الصيد. أما ممارسة ختان الإناث فهو أمر محظور هناك. كما أن جميع القرارات ذات الأهمية يتم اتخاذها بأغلبية الأصوات. وكل مرشحة للانضمام إلى القرية يجب أن تكون من المُطلّقات. ويُسمح للصبيان بالانضمام إلى القرية حتى سن السادسة عشر فقط، ويجب عليهم الرحيل بعد ذلك.

وقد تم إنشاء قرى أخرى للنساء في أعقاب قريتي أموجا وتوماي. «ظروف المعيشة صعبة هناك، ولكن بالنسبة للنساء، ذلك هو ثمن الحرية». بهذه الكلمات اختتمت المصوِّرة تصريحها. لقد قامت بزيارة تسعة بلدان تتميز بمجتمعات تضطلع فيها النساء بدور محوري على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، وأحياناً على الصعيد السياسي. 

أفضى ما قامت به ناديا من قراءات ورحلات ولاسيما مقابلاتها مع الاختصاصية في علم الأنثروبولوجيا والناشطة النسوية الفرنسية فرانسواز هيريتيي، التي توفت في عام 2017، إلى اهتمامها بالمفهوم المثير للجدل الخاص بالنظام الأمومي. واستناداً إلى هذه البحوث، أنتجت مجموعة من الصور الفوتوغرافية تحمل عنوان «باسم الأم». 

إن مجتمعات الشعوب الأصلية ذات النظام الأمومي، كما تصفها الباحثة الألمانية هايدي غوتنيرـ أبيندروت في مؤلفها المعنون «المجتمعات ذات النظام الأمومي. بحوث بشأن ثقافات الشعوب الأصلية عِبر العالم»، تشترك جميعاً في ممارسة مساواة حقيقية بين الجنسين. وفي ما يخص عدداً من هذه المجتمعات القديمة العهد، فإنها تتسم بطابع أفقي لا بطابع هرمي، فضلاً عن كونها مجتمعات زراعية أساساً. وينتسب أطفال هذه المجتمعات إلى أمهم ويحملون اسمها ويعيشون أغلب الوقت في منزلها العشائري، حتى عندما يبلغون سن الرشد. أما أيلولة الممتلكات في هذه المجتمعات فإنها تنتقل من الأمهات إلى البنات.

وهكذا خالطت ناديا قبائل الطوارق في الجزائر، وموسو في الصين، ونافاجوس في الولايات المتحدة، ومينانغكابو في إندونيسيا، فضلاً عن سكان جزيرة القمر الكبرى، وسكان جزيرة كانهاباك في غينياـ بيساو ومدينة خوشيتان في المكسيك. أما الصور المنشورة في هذه الصفحات فإنها مقترنة بنصوص حررتها المصوِّرة وتتناول فيها ما تتسم به كل مجموعة من خصائص.

إن توخي بيان النظام الأمومي إنما يمثل تحدياً. تقول ناديا فروخي: «غالباً ما يتوقع الناس نتائج باهرة. والواقع أني أصوِّر الحياة اليومية». أي الحياة اليومية لمجتمعات تشيّد، بعيداً عن الأنماط المعتادة، تنظيمها الاجتماعي، وفقاً لرأي هايدي غوتنيرـ أبيندروت، حول «القيمة المتكافئة لكل عضو من أعضائها».

 

فرنسا 2012 

تقع جزيرة ويسانت عند أقصى نقطة من منطقة بروتاني في فرنسا. وتتسم هذه الجزيرة بظاهرة اجتماعية غريبة: منذ القرن السابع عشر، يشتغل سكانها من الذكور بشكل كثيف في البحرية، ولاسيما في البحرية التجارية. وحتى عهد قريب، كان الرجال يتغيبون عن ويسانت خلال شهور طويلة، بل لسنوات عديدة، تاركين للنساء مهمة تنظيم الحياة في الجزيرة على الصعيدين المادي والاجتماعي.  

في جزيرة ويسانت الواقعة على السواحل الأطلسية الفرنسية، 80٪ من الرجال يمارسون مهنة البحرية. في غيابهم، تتولى النساء زراعة الأراضي.

 

الولايات المتحدة 2011 

تنتظم الحياة الاجتماعية لأُمّة النافاجو حول النساء، وذلك وفقاً لنظام أُمومي تنتقل فيه الصكوك والأسماء والممتلكات عن طريق السلالة النسائية. وعندما تصل فتاة من النافاجو لسن البلوغ، يجب عليها أن تشارك في احتفال يدوم أربعة أيام ويُسمّى «كينالدا»، وهو احتفال يميّز الانتقال من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الأنوثة. ويرتبط هذا الاحتفال بالأسطورة النافاجوية الخاصة بالمرأة المتطورة، وهي أول امرأة على وجه البسيطة استطاعت حمْل أطفال. وفي محمية أُّمة النافاجو، تتميز النساء عموماً بكونهن أكثر نشاطاً من الرجال، وليس من النادر أن يقمن باستئناف دراستهن في مرحلة متأخرة، حتى بعد الإنجاب.

 نساء من شعب النافاجوس (الولايات المتحدة) يشتغلن في منجم فحم مما يسمح لهن بالاكتفاء الذاتي من الناحية المالية.

 

الصين 2009

إن مجتمع الموسو الذي يعيش على أولى خاصرات جبال الهيمالايا، بين مقاطعتي يونان وسيشوان، يرتكز على قواعد النظام الأمومي. فالمرأة هي التي تحمل اسم الأسرة وتتحكّم في شؤون المنزل. كما أن الميراث ينتقل من الأم إلى ابنتها. وتنشأ علاقات الحُب دون عقد زواج، ودون قيود أخلاقية، وفقاً للعواطف وحدها وبناءً على رغبة النساء. وتُجبر القواعد السائدة الرجل على ترك غرفة محبوبته قبل بزوغ الفجر. وذلك هو ما يميز عادة زوهون، أي «الزواج مشياً على الأقدام». وتبعأً لهذا النظام، فإن الرجل لا يتمتع بصفة الأب، ولكن بإمكانه أن يقوم بدور الخال ويساعد أخته في تربية أطفالها.

دابو، رئيسة عائلة موسو، هي أكبر النساء سنا في نفس السلالة. فهي تورّث اسم العائلة والممتلكات، وتدير الشؤون المالية للأسرة وتنظم الحفلات الدينية.

 

جزر القمر 2017 

في المجتمع القمري الذي يتسم بتقاليد البانتو الأفريقية الأمومية والديانة الإسلامية، يولد كل فرد ويعيش مع أمه أو خالته أو جدته وفق نظام أمومي. والمرأة هي التي يؤول إليها امتلاك الميراث (مانيا هولي)، ولاسيما المنزل الذي يبنيه الأب أو الخال على أراضي الأسرة. أما الزواج الكبير (أندا)، المنتشر  في جزيرة القمر الكبرى أكثر من الجزر الثلاث الأخرى - أنجوان وموهيلي ومايوت - فهو أمر ضروري لمن يريد التقدم في التراتب الاجتماعي القمري.

عروس شابة في جزيرة القمر الكبرى. بعد الزواج، يأتي العريس إلى بيتها التي بنتها لها عائلتها، للإقامة فيها. ويعتبر الزوج ضيفا لدى العائلة الأمومية. 

المكسيك 2011 

مدينة خوشيتان تضم 78.000 نسمة وتقع في ولاية أواكساكا بالمكسيك. وهي مسقط رأس أم الرّسامة فريدا كاهلو. وعلى مرّ القرون، طوّر الرجال والنساء في هذه المدينة أشكالاً من الاستقلال واضحة المعالم. وتتولى النساء إدارة الشؤون التجارية، وتنظيم الأعياد والإشراف على المنازل والشوارع. أما الأنشطة الخاصة بالزراعة وصيد الأسماك أو الشؤون السياسية فهي من اختصاص الرجال. وهذه المدينة من الأماكن النادرة في المكسيك حيث ما زالت تُستخدم لغة شعب الزابوتيك. وهذه اللغة، المستخدمة في الأحاديث المتبادلة بين الجارات وعابِرات الطريق، أتاحت إقامة علاقات تضامن نسائية متميّزة. أما الأسماء والمنازل والميراث فإنها تنتقل عبر النساء. وبالتالي فإن مولد بنتٍ يعد مصدرا رئيسيا للابتهاج.

في مدينة خوشيتان في مقاطعة أوازاكا بالمكسيك، تلعب النساء دورا اجتماعيا واقتصاديا جوهريا، وتتمتع باستقلالية نادرة في ذلك المجتمع الأبوي

 

غينيا ـ بيساو 2011

كان تأثير الحضارة الحديثة منعدماً أو ضئيلاً جداً على أسلوب الحياة في الجزر، ولاسيما في جزيرة كانهاباك (3500 نسمة). في هذه الجزيرة، المنازل على مِلك المرأة، أما الرجل فهو الذي ينتقل للعيش مع زوجته. وعلى الرغم من أن الأب يورّث الأطفال لقبَه، فإن الأم هي التي تختار أسماءهم الأولى، وهم لا يرتبطون إلاّ بالعشيرة التي تنتمي إليها أمهم. وتحكم الجزيرة ملكة. كما يوجد أيضاً ملِك (ليس بزوج الملكة)، ولكن دوره محدود إذْ يقتصر على مهمة المتحدث الرسمي للنظام. ويتولى إدارة كل قرية مجلس من النساء يُنتخبن لولاية مدى الحياة.

فتاتان «ديفونتو» وهو الاسم الذي يطلق على الفتيات في طور تجاوز مراحل تلقين الأنوثة. جزيرة كانهاباك في غينيا بيساو.

 

إستونيا 2019 

لم تعد جزيرة كيهنو تأوي حاليا سوى ما يقارب خمسمائة شخص، بعد أن كان عدد سكانها حوالي سبعة آلاف شخص أثناء الحقبة السوفياتية. في العادة، عندما يبحر الرجال، تتولى النساء المهام التي يؤديها الرجال، من قبيل العمل في الحقول. ومنذ منتصف القرن التاسع عشر، النساء في جزيرة كينهو هن اللاتي يقمن بإدارة شؤون المجتمع المحلي. ولئن كان الرجال في الوقت الحالي أكثر حضوراً في الجزيرة، فإن أمهاتهم أو زوجاتهم أو بناتهم ما زلن يتولين شؤون التعليم والثقافة وحياة المجتمع المحلي والتقاليد الحِرفية. وغالباً ما يُطلق على جزيرة كيهنو في الأدلة السياحية اسم «جزيرة النساء». غير أن هذه الفكرة السائدة لا ترضي المعنيات بالأمر، فهن يعترفن بدورهن البارز على صعيد اتخاذ القرار، ولكن في مجتمع يتقلد فيه الرجال الدور الأساسي في توفير المدخول الاقتصادي الذي تعتمد عليه الأُسَر.

المغنية الشهيرة فيرفي كوستر هي التي تحافظ على التقاليد الثقافية في كيهنو. هذه التقاليد متكونة أساسا من الأغاني، والرقص والصناعات الحرفية، وقد تم تسجيلها على قائمة التراث الثقافي اللامادي لليونسكو سنة 2008.

 

الجزائر 2019

إن النساء الطوارق لا يرتدين الحجاب، بينما الرجال هم الذين يرتدون اللثام لحجب وجوههم. وتتمتع المرأة هناك بحرية تامة في اختيار من تتزوجه. وهي على دراية بأبجدية لغة تيفيناغ، والقصص، والأساطير وتقوم بتعليمها للأطفال. أما الخيمة وما تحتويه فهي مِلك لها. كما أنها تدير المخيمات وتشرف عليها في غياب الرجال، وتشارك في اتخاذ جميع القرارات حتى في حضور الرجال. وهي تشارك في كل المجالات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية. وتوّرث السلطات الارستقراطية عبر سلالة الأم. إلا أن سياسات توطين الرّحل إبّان السنوات 1970 ـ 1980، وفترات الجفاف المتكررة وتأثير الحداثة على الشباب عملت على تدمير أسلوب الحياة هذا.

في حالة طلاق أو وفاة الزوج، تترك المرأة الطارقية البيت وتأخذ معها أطفالها، ومهرها، والخيمة وحتى الجمال التي منحها لها والدها.

 

إندونيسيا 2011 

على الساحل الغربي من جزيرة سومطرة، يقع أكبر مجتمع في العالم يستند إلى النظام الأمومي، ألا وهو مجتمع شعب مينانغكابو. ووفقاً للنظام الاجتماعي لهذا الشعب، فإن جميع الممتلكات المتوارثَة تنتقل من الأم إلى ابنتها. أما الأب البيولوجي فليس هو الوصيّ على الطفل، بل الخال (ماماك) هو الذي يضطلع بهذا الدور. وتذهب العروس يوم حفل الزفاف مرفوقة بنساء من أسرتها، إلي حيث يقيم العريس لاصطحابه إلى بيت الزوجية. ويحدد «القانون العُرفي» المسمى عادات، مجموعة من القواعد التقليدية غير المكتوبة في المسائل المتعلقة بالزواج والملكية. وبمُوجب هذه القواعد، ينبغي على الزوج ترك منزل الزوجية في حالة الطلاق، بينما يبقى الأطفال مع الأم التي تحتفظ بالمنزل.

في قبيلة مينانغكابو في إندونيسيا، الخال الأكبر سنا - يسمى ماماك - هو الذي يحتل دور رئيس العائلة الأمومية، وليس الأب. 

اطلع على مقالات أخرى نشرت في رسالة اليونسكو حول النساء.