بناء السلام في عقول الرجال والنساء

زاوية كبرى

بوركينا فاسو: الإدمان على الرٌاديو

cou_01_20_radio_burkina_website.jpg

صحافي من إذاعة راديو أوميغا، إحدى المحطات العديدة في بوركينا فاسو.

تُعدّ هذه البلاد من أبطال الاستماع اليومي للإذاعة في جنوب الصحراء الأفريقية. وما شغف البوركينيين بهذه الوسيلة الإعلامية إلا نتيجة لانتشار المحطات وشعبية البرامج التي تُعطي الكلمة للمستمعين.

بقلم يايا بوداني، صحفية في بوركينا فاسو

 

تحتلّ محطّة بولسار الإذاعية شقة في الطابق الأول من مبنى يتكوّن من ثلاثة طوابق في منطقة سانيري، وهي منطقة شعبية تقع شرقي العاصمة واغادوغو. تبثٌ الإذاعة برامجها - الأخبار والرياضة والموسيقى والترفيه - في دائرة لا يتجاوز قطرها 45 كم. المحلّ الذي اتّخذته هذه المحطة الخاصة مقرّا لها مُتواضع ويتكون من غرفتين فقط للإنتاج والبثّ. 

يبدأ الصحفي هيرمان ناز البثّ منذ الساعة السابعة والربع صباحا، ويُنشّط من الإثنين إلى الجمعة برنامج التعبير المباشر «لنتحدّث في الموضوع!» الذي «يعطي الكلمة كل صباح للجمهور للتعبير عما يريد»، حسب هيرمان. ويتناول الضيوف على الهواء كل المواضيع: الانتخابات، والإرهاب، والأحداث المتنوعة، واستهلاك الكحول لدى الشباب. ويتفاعل المستمعون مباشرة مع ما يسمعونه.

ويوفر برنامج «مشاغل» هو أيضا منبرا مباشرا للمستمعين. وهو برنامج يُبثّ في الصباح الباكر على أمواج إذاعة واغا أف. أم.، محطّة خاصّة أخرى تقع في العاصمة.  ويُوضّح بول ميكي-روامابا، مدير تحرير الإذاعة: «ننتج شكلا من أشكال "إذاعة الواقع"، نهتمّ فيها بقضايا الساعة المثيرة للنقاش».

يمكن للمستمعين الإدلاء بشهاداتهم على الهواء بخصوص وضعيّات تعرّضوا لها، أو للتنديد ببعض المشاكل، كما يُمكنهم مطالبة المسؤولين بتقديم التفسيرات. ويُوضح الصحفي: «نقوم بالاتصال بالشخصيات التي يتسنّى لها الردّ على تساؤلات المستمعين حسب القضايا التي يُثيرونها على الهواء».

 154 محطة إذاعية  شغالة

التاجر سايوبا سانفو، صاحب مغسلة في واغادوغو، يستمع كل يوم إلى حوالي ست أو سبع محطات إذاعية. ويشارك مثل العديد من الأشخاص في العاصمة في البرامج التفاعلية «لتغيير الأمور»، حسب رأيه، ويقول: «انتقدت ذات يوم طريقة تسيير مركز صحي لأنني لاحظت أن الممرضين يأخذون معهم أدوات العمل عند عودتهم إلى منازلهم، وأن المباني كانت مليئة بالأوساخ. وبعد التطرق للموضوع في الإذاعة، تم اتخاذ إجراءات لتصحيح الوضع».

انتشار الهاتف المحمول خلال العشرية الماضية دعّم التقارب بين الإذاعة والمستمعين. قبل عشرين سنة، لم تكن المشاركة في البرامج التفاعلية ممكنة إلّا للذين لديهم خط هاتفي ثابت. أما الآن فقد أصبح بإمكان الجميع التفاعل مباشرة سواء عبر المكالمات أو الرسائل القصيرة.

ويدل نجاح هذه البرامج التشاركية على حيوية المشهد الإذاعي لهذا البلد الذي يعدّ ما لا يقل عن 154 محطّة شغالة، من بينها 47 محطة جمعياتيّة، و39 طائفيّة، و38 تجارية و7 حكوميّة. واعتمادا على تحقيق أجرته أفريكاسكوب ونشرته كانتر في سبتمبر 2019، شمل ثمانية بلدان أفريقية واقعة جنوب الصحراء (بوركينا فاسو، الكاميرون، الكونغو، ساحل العاج، الغابون، مالي، جمهورية كونغو الديمقراطية، السنغال) فإن المستمعين البوركينيين هم الأكثر مثابرة على الاستماع للإذاعة. ويقدر معدّل نسبة سكان هذه البلدان البالغين من العمر 15 سنة فما فوق، والذين يستمعون يوميّا إلى الإذاعة خلال سنة 2019، بـ 62٪. وقد خصصوا للاستماع ما يعادل ساعة و29 دقيقة يوميا. أما بوركينا فاسو فهي تتقدّم كثيرا عن جيرانها بمعدّل يصل إلى ثلاث ساعات و8 دقائق.

إن شغف البوركينيين بهذه الوسيلة الإعلامية ليس بالأمر الجديد، بل هو متجذّر في تجربة الإذاعة الريفية التي بُعثت في السنوات 1970. في هذه البلاد حيث لا يستطيع القراءة والكتابة سوى 41٪ من الأطفال الذين هم في سن 15 سنة (المصدر: معهد اليونسكو للإحصاء، 2018)، تمكّنت هذه الوسيلة الإعلامية من الوصول إلى السكان الذين يعيشون في مناطق بعيدة عن المدن والذين هم في أغلب الأحيان ذوي مستوى تعليمي ضعيف.

ازدهار الإذاعة الريفية

يقول سيدو درامي، المتخصص في قانون الإعلام والاتصال، والأستاذ بجامعة أوب الجديدة وبمعهد علوم وتكنولوجيا المعلومات والاتصال في واغادوغو: «تم إنشاء الإذاعة الريفية سنة 1969. كان من الضروري إيجاد وسيلة إعلاميّة تُمكّن من تعليم الفلاحين الأساليب الجديدة للزراعة». 

وهكذا تأسست «النوادي الإذاعية» حيث يجتمع سكان المناطق الريفية حول جهاز راديو للاستماع الجماعي. وكانت البرامج مشفوعة دائمًا بنقاشات. يقول ماتيو بونكونغو، الذي اشتغل طيلة سنوات في الإذاعة الوطنية لبوركينا فاسو: «سرعان ما اكتشف سكان الريف أن هذه الطريقة الجديدة للتواصل تناسبهم باعتبارها تتناول مشاكلهم وتتكلم باللغات التي يفهمونها».

ذلك أن اللغة الفرنسية، وإن بقيت اللغة الرسمية، ليست مفهومة في الواقع إلا من طرف حوالي 20٪ من السكان. وبالتالي، فإن الإذاعة تُعدّ أيضًا وسيلة لبناء جسور بين اللغات المختلفة المستعملة في البلاد، وكذلك بين مختلف وسائل الإعلام. أما معرض الصحافة الذي تبثّه الإذاعات، فهو يمكّن السكان الذين لا يميلون إلى القراءة من الاطّلاع على الأخبار المنشورة في وسائل الإعلام المطبوعة، باللغات التي يفهمونها.

لذلك كان البرنامج الرائد لإذاعة سافان أف. أم.، إحدى المحطات الإذاعية الأكثر انتشارا في البلاد، هو معرض الصحافة «سونري»، الذي يُقدمه أبو بكر زيدا – الملقب بسيدنابا - بلغة الموري، إحدى اللّغات الوطنية. ويتم خلال البرنامج توزيع الجرائد على الصحافيين ليختاروا مقالات يقومون بتلخيصها وقراءتها على الهواء. ويقول سومايلا رابو، رئيس التحرير: «حتى الذين لديهم مستوى تعليمي جيد يستمعون إلى معرض الصحافة لأنه يسمح لهم بتحسين معرفتهم للغة الموري الوطنية».

وقد يُفسّر هذا النجاح الذي أحرزته الإذاعة في بوركينا فاسو قلّة اهتمام البوركينيين بالتلفزيون. وحسب نفس الدراسة التي أجرتها أفريكاسكوب، إذا كان معدّل الوقت الذي يُقضيه المشاهدون أمام الشاشة في البلدان الثمانية المعنية بالدراسة يُقدّر بحوالي أربع ساعات يوميًا، فإن البوركينيين لا يقضون أكثر من ثلاث ساعات في اليوم أمام التلفزيون.

 

اطلع على مقالات أخرى نشرتها رسالة اليونسكو حول الإذاعة.