رئيس قسم القانون الدولي والأوروبي بجامعة ماستريخت، حيث يحتل كرسي اليونسكو لحقوق الإنسان والسلام، فونس كومانس (هولندا) هو أيضا مدير مركز حقوق الإنسان في ماستريخت وعضو بالشبكة الهولندية للبحث في مجال حقوق الإنسان.

كثيرا ما نعتبر الحق في التعليم حقا مكتسبا... لحين أن نحرم منه. يمثل التعليم أداة ضرورية للدفاع عن حرية المهاجرين وكرامتهم، ويعتبر شرطا أساسيا كي يصبحوا عناصر كاملي الحقوق في المجتمعات التي يندمجون فيها. لكن هذا التطلّع المشروع يصطدم على أرض الواقع ببعض العقبات.
بقلم فونس كومانس
الحق في التعليم الذي ينص عليه الفصل 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو أداة أساسية لحماية الكرامة البشرية. والجدير بالملاحظة أن معنى حقوق الإنسان يزداد وضوحا لما يصبح تفعيلها مهددا. وعلى سبيل المثال، عندما يضطرّ أناس إلى الفرار هروبا من نزاع مُسلّح أو من الاضطهاد، أو إلى الهجرة لتحسين أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية، فإن وضعهم التربوي في الدول التي يهاجرون إليها قد يكون غير مضمون.
بالنسبة للمهاجرين، التعليم هو أفضل وسيلة ليُصبحوا أعضاء كاملي الحقوق في مجتمع البلاد المضيفة. يستفيد العمال المهاجرون وأبناؤهم فكريا واجتماعيا من المدرسة حيث يكتسبون معرفة المجتمع الذي يستقبلهم. كما أن طالبي اللجوء الذين ينتظرون تقرير مصيرهم، هم في حاجة إلى دروس لتعلّم اللغة، ناهيك القصّر غير المصحوبين. وبالنسبة للمهاجرين غير الحاصلين على وثائق الإقامة، فإن الاحراز على التعليم الأساسي يُوفّر لهم نوعا من الاستقرار وحدّا أدنى من الانسجام في حياتهم، علاوة على تعزيز الثقة في النفس. إن الحق في التعليم يُحتّم على الدول تمكين الأفراد من الحصول على الخدمات والموارد المالية الضرورية كي لا يُحرم أحد من المؤهلات المدرسية الأساسية، ولو بالحد الأدنى.
إلا أن الوضع التربوي لطالبي اللجوء واللاجئين المقيمين في المخيمات المُؤقتة في البلدان المجاورة، على الحدود مع الدول التي تشهد نزاعات (على غرار لبنان، والأردن، واليونان وتركيا)، قد يكون هشّا بحكم قلّة الموارد المادية (بنايات، أدوات مدرسية)، والبشرية (مُدرسون مُؤهّلون) والمالية.
وفي هذه الحالة، لمن تعود مهمّة تفعيل حقّهم في التعليم؟ إلى المجموعة الدولية دون شك. لكن ذلك يتطلّب التزاما حازما وعزيمة سياسية قويّة لحماية من هم في وضعية هشة. وكثيرا ما يستوجب الوضع إيجاد موارد مالية إضافيّة لتسديد حاجيات هذه المجموعات في مجال التعليم. وتعتمد المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى حد كبير على تبرعات خصوصية لتنفيذ برامجها التربوية في مخيمات اللاجئين. إذا حرم هؤلاء الأطفال من تعليم أساسي جيّد، فإن جيلا كاملا سيكون مآله الضياع.
يضمن القانون الدولي لحقوق الإنسان التعليم للجميع دون أي تمييز. ويشمل مبدأ عدم التمييز كل الذين هم في سن الدراسة ويقيمون داخل إقليم دولة ما، بمن فيهم الذين لا يحملون جنسية تلك الدولة، بصرف النظر عن وضعهم القانوني. وعليه، بإمكان المهاجرين الذين هم في وضعية غير قانونية أو الذين لا يملكون وثائق الإقامة، المطالبة بالحق في التعليم. وهو حق يفرض التزامات آنيّة لا لبس فيها، ولا يترك للدولة أية حرية في التصرف في هذا المجال. أي شكل من أشكال التمييز ممنوع لأن في ذلك مساس بجوهر القانون الذي يضمن المساواة في الحق في الدخول إلى المؤسسات التربوية، ويمكن وصف هذه المساواة بكونها لبّ القانون أو مضمونه الأساسي الأدنى.
هذا المبدأ نابع من الطبيعة الكونية لحقوق الإنسان. ويمكن اتّخاذ إجراءات خصوصية لحماية الحق في التعليم استنادا إلى اتفاقية 1951 الخاصّة بوضع اللاجئين التي تنص في فصلها 22 على أن «الدول المتعاقدة تمنح اللاجئين نفس المعاملة الممنوحة لمواطنيها في ما يخص التعليم الابتدائي، وتمنحهم أفضل معاملة ممكنة، على ألا تكون في أي حال أقل رعاية من تلك الممنوحة للأجانب عامة في نفس الظروف، في ما يخص فروع التعليم غير الابتدائي، وخاصة على صعيد متابعة الدراسة، والاعتراف بالمصدّقات والشهادات المدرسية والدرجات العلمية الممنوحة في الخارج، والإعفاء من الرسوم والتكاليف، وتقديم المنح الدراسية».
بالإضافة إلى ذلك، تنص المادة 3 (1) من الاتفاقية الخاصة بحقوق الطفل (1989) على أنه «يولى الاعتبار الأول للمصالح الفضلى للطفل» في جميع الإجراءات المتعلقة بالأطفال. ويشمل ذلك تقديم الخدمات التربوية لكافة المهاجرين.
وتضمن الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم (1990) المساواة في معاملة العمال المهاجرين وأطفالهم وأفراد عائلاتهم مع مواطني دولة العمل. وفي ما يخصّ تعليم الأطفال، تنص المادّة 30 على أنه «لكل طفل من أطفال العامل المهاجر الحق الأساسي في الحصول على التعليم على أساس المساواة في المعاملة مع رعايا الدولة المعنية. ولا يجوز رفض أو تقييد إمكانية الالتحاق بالمؤسسات الحكومية للتعليم قبل المدرسي أو بالمدارس بسبب الوضع غير النظامي من حيث الإقامة أو تشغيل أي من الوالدين، أو بسبب الوضع غير النظامي لاقامة الطفل في دولة العمل». ولكن المشكل يكمن في أن العديد من الدول المُشغّلة لم تُصادق على هذه الاتفاقية، ولا شك في أن السبب يعود لما تتضمنه من التزامات صارمة.
وعلى المستوى الإقليمي، تتضمّن الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان (1950) أحكاما واضحة وجليّة تنص على أنه «لا يجوز أن يُحرم أي إنسـان من حقه في التعلم» (المادة 2، البروتوكول الإضافي). وحسب قانون الاتحاد الأوروبي، يحق للقُصّر من طالبي اللجوء والمهاجرين التمتع بالتعليم في نفس الظروف المُتاحة لمواطني الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وهو حق يمكن المُطالبة به من طرف أيّ شخص يخضع للسلطة القضائية لدولة من الدول المُوقّعة على الاتفاقية، بمن فيهم، إذن، المهاجرون في وضع غير نظامي. إلا أن فروع التعليم المسموح بها بموجب هذا الحق تقتصر على التعليم الابتدائي والثانوي.
يطرح تفعيل حق المهاجرين في التعليم عددا من التحديات والمعضلات على حكومات الدول المضيفة.
فقد تستدعي مراعاة الصالح العام المتمثل في اجتِناب تجذّر الوافدين في وضع غير نظامي في المجتمع بواسطة التعليم، الاكتفاء بتوزيع الموارد المحدودة حصريا على الأشخاص الحاصلين على رخصة إقامة، ولكن أيضا قد يكون من الصالح العام في المستقبل تشغيل اليد العاملة المهاجرة لمواجهة تقدّم سن السكان.
ولكن، من جهة أخرى، للوافدين الجدد مصلحة مشروعة في أن يُصبحوا أعضاء كاملي الحقوق في المجتمع، بفضل مشاركتهم واندماجهم التدريجي. وفي هذا المضمار، يكتسي التعليم دورا أساسيّا. فإذا كانت الدول حرّة في اتّخاذ قرار توزيع مواردها المالية، يجب عليها في نفس الوقت احترام واجبات المساعدة والحماية التي التزمت بها طوعا عندما أصبحت طرفا في المعاهدات حول حقوق الإنسان.
وكمثال على ذلك، قد تقتضي المصلحة العامّة أن تسعى الدولة لإثناء المهاجرين غير الشرعيين عن مغادرة بلدانهم وعن قيامهم برحلة محفوفة بالمخاطر في اتجاه أوروبا. إنما، حال وصول المهاجرين، لا بد من احترام حقوق الإنسان الأساسية. وهذا لا يعني أنه يجب منحهم امكانية الحصول على كل الخدمات التي يتمتع بها مواطنو البلد المضيف. قد تكون للدول مصلحة مشروعة في الحدّ من مجانية مزاولة التعليم العالي إن كانت تلك المجانية تجلب المهاجرين غير الشرعيين. لكن لا يمكن لها منع التعليم الابتدائي أو الأساسي. فهذا الحق يجب أن يكون مضمونا في كل الأوضاع.
ومن المعلوم أن بعض المهاجرين سوف يستقرون في بلاد المهجر بسبب استحالة عودتهم إلى بلدهم الأصلي. فمن الضروري إذن أن تستبق السلطات الوطنية والمحلّية الأحداث وترسم سياسة تربوية ملائمة ثقافيا حتى يتمكّن المعنيون من الاندماج وتُفتح أمامهم سوق الشغل.
قبل كل شيء، لا بد من إيجاد توازن بين احتياجات الشبان المهاجرين وبين المعاملة المتباينة في مجال التعليم بين المواطنين والأجانب. ويُحبّذ تعليم اللغة حال الوصول.
إن السهر على توفير التعليم، والمسكن، والخدمات الاجتماعية، والخدمات الصحية، والشغل للمهاجرين، يفرض بالضرورة على الحكومات أعباء ماليّة. وبما أن السياسات السخيّة لاستضافة المهاجرين تمثل أحيانا لدى بعض المواطنين مصدرا لسوء الفهم والانزعاج والغضب، يتعيّن على الحكومات تفسير دواعي اختياراتها وتبريرها بالنسبة لأولويات الميزانية الأخرى، والمصالح السياسية والتزاماتها الدولية في إطار حقوق الإنسان.
من المهم إذن أن يتمّ الاعتراف على نطاق واسع بحقوق المهاجرين في التعليم كحُقوق إنسان غير قابلة للتصرف، وليس كمجرّد أهداف يتم تحقيقها من خلال إجراءات الخدمة العمومية. على السلطات الوطنية والجهوية والتربوية أن تعي بذلك وأن تتصرف من هذا المنظور.
تنشر رسالة اليونسكو هذا المقال مساهمة منها في الاحتفال باليوم العالمي للمهاجرين، في 18 ديسمبر.
اقرأ أيضا المؤطر: بناء الجسور وليس إقامة الحواجز