عنود الزعبي صحافية وخبيرة في الاتصال والإعلام السمعي والبصري. وهي منتجة ومقدمة للعديد من البرامج في التلفزة الوطنية الأردنية. أحرزت على الميدالية الذهبية في مهرجان القاهرة لوسائل الإعلام سنة 2014.

سيزامي مركز دولي للبحث العلمي الأول من نوعه في الشرق الأوسط والدول المجاورة، تم افتتاحه في 16 أيار/مايو 2017 في مدينة علان (الأردن)، بعد 14 عاما من العمل الدؤوب تآزرت فيه الإرادة السياسية والطموحات العلمية والرؤية الانسانية بين ثمان دول، تخطت خلافاتها لتتحد حول هذا المشروع الرائد الذي يدرج منطقة الشرق الأوسط في المسار العلمي الدولي ويفتح مجالات عديدة للباحثين. يمثل هذا الإنجاز الذي تم تأسيسه تحت رعاية اليونسكو، جسراً للثقافات بين الشرق والغرب وتجسيدا للامتياز العلمي وانتصارا لفكرة الإنسانية الواحدة.
بقلم عنود الزعبي
مركز السنكروترون المُتواجد على الأراضي الأردنية تحت اسم «سيزامي» هو اختصار لـ «ضوء السنكروترون للعلوم التجريبية وتطبيقاتها في الشرق الأوسط». وسيزامي هو مركز دولي للبحث العلمي الأول من نوعه في الشرق الأوسط، وهو عبارة عن مجهر بحثي قوي وشديد الدقة؛ تتسارع الالكترونات بداخله بشكل كبير جداً يصل لسرعة الضوء في حلقات مفرغة وممغنطة، ينتج من تسارع هذه الالكترونات حزم من الضوء القوي المكثف، يتم تخزين هذه الحزم وتوجيهها إلى عينات البحث لأن هذا الضوء يساعد على رؤية أبعاد جديدة وعميقة في عينات الباحثين وذلك في علوم متعددة مثل الفيزياء، الكيمياء، الأحياء، الآثار، البيئة والتطبيقات المختلفة في الزراعة والهندسة والصيدلة والطب والصناعة، وقد حصل العديد من الباحثين في السنوات السابقة على جائزة نوبل لاكتشافاتهم العلمية المميزة التي توصلوا إليها بعد استخدامهم لهذه الحزم الضوئية المعروفة بضوء السنكروترون.
والآن سيجتمع علماء المنطقة في مركز سيزامي من جنسيات ومعتقدات وتخصصات مختلفة وذلك بدلاً من أن يسافروا إلى الخارج للدراسة والبحث، أو يصيبهم اليأس فيبتعدوا عن العلم لعدم وجود مراكز بحثية متطورة في منطقتهم. سيجتمعون في سيزامي لاستخدام ضوء السنكروترون لدراسة عيناتهم واكتشاف الجديد في مجالات علمية متعددة، سيحلل العلماء النتائج ويتبادلون المعلومات، وسيتيح المركز المجال لهم لتكوين شبكة من العلاقات العلمية مع زملائهم من المنطقة ومع آخرين من مراكز السنكروترون المنتشرة حول العالم والتي يصل عددها إلى حوالي 60 مركزاً في 25 دولة لخدمة ما يقارب الـ 50 ألف عالم.
يعمل المركز الدولي سيزامي بمشاركة ثمان دول هي قبرص ومصر وإيران وإسرائيل والأردن وفلسطين وباكستان وتركيا. وتقوم بدعمه مجموعة تُسمى المجموعة المُراقِبة وهي البرازيل وكندا والمنظمة الأوروبية للبحوث النووية والصين والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا واليونان وإيطاليا واليابان والكويت والبرتغال وروسيا وإسبانيا والسويد وسويسرا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، وقد بلغت تكلفة المركز حتى شهر أيار/مايو 2017 ما يُقارب ال 90 مليون دولاراً أمريكياً.
يعد المركز إنجازاً قيّماً لعدة أسباب منها عودة العلوم الدقيقة للشرق الأوسط بعد ابتعاد المنطقة عن البحث العلمي لفترة طويلة تعود للقرن الثالث عشر الميلادي. بالإضافة لكونه نافذة أمل وسط الفوضى والنزاعات السائدة في المنطقة نتيجة الظروف السياسية والاقتصادية السيئة، فقد أتاح بعث هذا المركز المجال لتداول أخبار تتعلق بالبحث العلمي والتعاون والإنجاز المشترك وسط أخبار المنطقة التي غالبا ما تتحدث عن التوترات والاتهامات والعقوبات والإرهاب وغيرها.
حقيقة علمية: الماء على درجة حرارة 99 درجة مئوية يكون ساخناً، لكنه على درجة حرارة 100 يصبح مغلياً، ومع الغليان يأتي بخار الماء، البخار الذي يستطيع تحريك قطارات وتشغيل مصانع، البخار الذي كان سبباً في إحداث ثورة صناعية، كل ذلك بفارق درجة واحدة فقط.
ونفس المبدأ يحكم حياتنا، لم يعد النجاح العادي كافياً بل يجب الوصول للغليان لتحقيق التغيير الحقيقي والتميز، فمعادلة النجاح التقليدية تتضمن الصبر والإعداد الجيد والمثابرة، ولكن الظروف الحالية وصعوبة الحياة وتطور العلوم واشتداد المنافسة أضاف إلى معادلة النجاح عنصر الإبداع، وضرورة اتخاذ خطوة إضافية عن المألوف، خطوة إضافية في رسم الأحلام، وفي التصميم والتركيز والمثابرة وفي العطاء والصبر والإيمان بالهدف.
إن إضافة خطوة واحدة عن المألوف هي التي تفصل العمل الجيد عن المتميز، والشخص العادي عن المُنجِز، وتفصل السلبي عن المتحمس الشغوف.
وهكذا هي قصة مركز السنكروترون سيزامي، هي قصة مليئة بالخطوات الإضافية المتميزة والدؤوبة منذ اللحظة الأولى، عندما كان المركز مجرد فكرة في وجدان الباحثين، مروراً بالإصرار على أن يرى هذا الحلم النور، إلى مرحلة إيجاد الدعم المادي وبناء المرافق وتدريب العاملين ووضع خطط العمل، والنجاح في تنفيذ هذه الخطط وفي تحقيق التسارع المطلوب، وصولاً إلى يوم الافتتاح. ولولا هذه الخطوات الإضافية من جميع المشاركين أفرادا ودولا ومؤسسات لما تم إنجاز هذا الصرح العلمي الريادي.
بدأت الخطوات الإضافية عندما شعر العلماء بحاجة الشرق الأوسط إلى مركز بحثي متقدم وقاموا بالتحرك في هذا الاتجاه بكل طاقتهم، ففي عام 1997 قام كل من هيرمان وينيك (من مكتبة المسارع الوطني «سلاك» SLAC، الولايات المتحدة الأمريكية) وجواستاف أدولف فوس (من مركز السنكروترون الألماني) باقتراح منح المسارع «بيسي 1» BESSY 1 الألماني بعد تفكيكه في عام 1999 ليكون نواة لمسارعٍ الكترونيٍ في الشرق الأوسط، لاقى هذا الاقتراح صدى في الأوساط العلمية فقام كل من سيرجيو فوبيني (مدير مؤسسة الشرق الأوسط العلمية) وهيرويغ شوبير (المدير العام السابق للمنظمة الأوروبية للبحوث النووية «سارن» CERN) بعرضه على الحكومة الألمانية التي وافقت على التبرع بأجزاء مسارعها لبناء مسارعٍ في الشرق الأوسط بعد أن أكدت اليونسكو إنشاء سيزامي تحت رعايتها وضمان الدعم اللازم لعملية التفكيك والنقل من ألمانيا إلى الأردن.
في عام 1999 قامت اليونسكو بإطلاق المشروع، وبعد ذلك بثلاث سنوات قامت بإعلان الموافقة على بنائه تحت رعايتها رغم ما تحمله هذه الخطوة من تحديات، ولكنها تحديات قيّمة وتستحق الجهد لأنها تخدم رؤية المنظمة في نشر الأمان والسلام والتعاون الدولي من خلال التعليم والثقافة والعلم.
واستمرت إدارة المركز ممثلة برئيس المجلس السابق كريس لويلين سميث ومدير المركز خالد طوقان والموظفين وجميع المشاركين والمراقبين والمساندين في عملها الدؤوب منذ لحظة البدء بالبناء سنة 2003 حتى لحظة الافتتاح سنة 2017. حيث قام الأردن بتخصيص قطعة أرض لإقامة المركز، كما تكفل أيضا بتشييد المبنى وتقديم مساهمات مالية لبناء المسارعات تجاوزت الـ 10 ملايين دولار. أما الوكالة الدولية للطاقة الذرية فقد قدمت تدريباً متخصصاً ونوعياً ومنحاً دراسية للمشاركين. وقدم الاتحاد الأوروبي دعماً يصل إلى حوالي 18 مليون دولار، والمنظمة الأوروبية للبحوث النووية التي وضعت كل خبرتها للمساعدة في إتمام البناء، حيث أن سيزامي مبني على غرار مركز «سارن» في أوروبا، وغيرها من المنظمات والدول والخبراء ومراكز السنكروترون حول العالم التي قدمت جميعها العديد من النصائح والتصاميم والمعدات والخبرات والتي شكلت بمجملها صورة رائعة من التعاون والإرادة والعطاء والإبداع.
وجاء يوم افتتاح مركز السنكروترون سيزامي، في 16 مايو 2017. القاعة مليئة بالفرح والحماس والفخر والتفاؤل، ولكن الأجواء لا تخلو من الرهبة، العيون تراقب والعقول تتساءل: هل فعلاً تجاوزنا المصاعب بعد أربعة عشر عاماً من العمل؟ نعم ها هو العلم يجمع المتخاصمين ليس فقط في قاعة واحدة بل على مقاعد متجاورة، يجلسون جميعاً في مشهدٍ تتحد فيه الجهود وتتنحى الخلافات من أجل الإنسانية.
لم يتوقف التميز في مركز السنكروترون سيزامي عند كونه الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط، أو أنه قام بتوجيه بوصلة الخلافات نحو العلم، ولكن لأنه سيكون أيضا ًأول مختبر علوم في العالم يعمل باستخدام الطاقة الشمسية.
ومن نتائجه أيضاً، أنه وفر تدريباً نوعياً متخصصاً لحوالي 750 باحثاً ومهندساً من منطقة الشرق الأوسط في مراكز البحث والمختبرات في الدول العلمية المتقدمة، وسيحافظ على العقول العلمية في منطقة الشرق الأوسط ويحميها من التسرب إلى الخارج، وسيعزز مساهمتهم في تنمية دولهم علمياً واقتصادياً، وسيقوم بتحسين مستوى التدريس والبحث العلمي في الجامعات والمراكز العلمية في المنطقة والتي ستمتلك الدافعية لإنجاز أبحاث أكثر وبتكلفة أقل ، كما سيكون جسراً للثقافات والإنجازات العلمية بين الشرق والغرب والشمال والجنوب.
وقد تم استقبال 55 اقتراحا من الباحثين لاستخدام حزم الأشعة الضوئية في سيزامي، والأمل كبير في أن يقدم باحثو المنطقة من خلال عملهم في سيزامي اكتشافات علمية جديدة في العديد من المجالات مثل مجال التشخيص المبكر للأمراض وعلاجها، ومجال البحث العميق للآثار والمخطوطات والوثائق القديمة دون تعريضها للتلف، وأيضاً التعرف على أمراض النباتات بشكل أوسع وذلك لإنقاذ المحاصيل، وكشف التلوث في البيئة، وغيرها من النتائج العلمية المفيدة.
ولن تنتهي التحديات مع افتتاح المركز ولكنها ستستمر، مثل بناء مجتمع من المستخدمين، إنشاء حزم ضوئية جديدة، دعم المرافق بما فيها مبنى للإدارة وتأمين الموارد المالية اللازمة لمواجهة كل ذلك. ولكن المؤمنين بهذا المشروع وبأهدافه سيكملون المشوار لأنه يشكل انتصاراً للعلم ولفكرة العالم الواحد والإنسانية الواحدة.