بناء السلام في عقول الرجال والنساء

أفكار

نحو «كرولة» مفهوم الإنسانية

cou_02_18_delmas_marty_01.jpg

صورة مُلتقطة من فيديو «بلو سبيلينغ، تغيير الأفق هو تغيير للزمن» للفنانة الغوادلوبية مينيا بيابياني

كيف يمكن حماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي، وفي نفس الوقت الصمود ضد النسبية والإمبريالية، والتوفيق بين عالمية حقوق الإنسان وبين تعدد الثقافات؟ تلقي ميراي ديلماس ـ مارتي، العضوة في معهد فرنسا، على هذه المسألة نظرة الخبيرة القانونية المتخصصة في دراسة تدويل القانون، وتدعو إلى «الكرولة من خلال التحوّل المتبادل»، أي إلى إجراء عملية حيوية وتطوّرية تتمثل في التنسيق والانسجام، وفي بعض الأحيان التوحيد، بين الفوارق.

بقلم ميراي ديلماس ـ مارتي

تُعد حماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي من الأولويات التي حددتها الدول الأعضاء في اليونسكو في بداية الألفية الثالثة. وقد وضعت هذه الدول، بتوقيعها على اتفاقية عام 2005، تعريفاً للتنوع الثقافي بوصفه تراثاً مشتركاً للإنسانية لا يتعين حمايته ـ باعتباره كنزاً يتسم بالثبات والدوام فحسب، بل يجب أيضاً تعزيزه لأنه كنز مفعم بالحيوية، وبالتالي فهو قابل للتجديد والتطوير.

ولقد تبوأ التنوع الثقافي بالفعل مكانة التراث المشترك للإنسانية في الإعلان العالمي لعام 2001، الذي اعتمده المؤتمر العام لليونسكو بالإجماع في نوفمبر من العام ذاته. ويؤكد هذا الإعلان أن التنوع الثقافي هو بالنسبة للجنس البشري «ضروري ضرورة التنوع البيولوجي في منظومة الأحياء». وكان هذا المؤتمر هو أول اجتماع دولي حكومي كبير يُعقد مباشرةً بعد العمليات الإرهابية التي وقعت في 11 سبتمبر بالولايات المتحدة، وقد حرصت اليونسكو على إعلان رفضها بكل وضوح لنظرية تصادم الحضارات وامتناعها عن تقديس الفوارق.

وأعتبر أن التذكير بهذا السياق يمثل ضرورة قصوى لأننا منخرطون، منذ عام 2001، في صنف من الحروب الأهلية العالمية والدائمة التي تثير حالات من الهيجان العقائدي وترهب مجموعات سكانية بأكملها. ويترتب على ذلك بشكل خاص الهجرة الجسيمة التي  نشهدها في الوقت الراهن، فضلاً عن انقباض البلدان المقصودة على هويتها، وانغلاقها في بوتقة خصوصياتها باسم تعرض هويتها الوطنية  للتهديد. وكل هذه الأحداث الراهنة إنما تحثنا على إيجاد آليات لتنمية التعدد الثقافي بأكثر نجاعة.

هل يمكن التوفيق بين التعددية والعالمية؟

غير أنه يجب التسليم بأن نص اتفاقية 2005 ينطوي على تناقض ضمني، ليس من السهل حلّه، بين التعددية، التي يصفها إعلان 2001 بأنها «الرد السياسي على واقع التنوع الثقافي»، وبين العالمية، المندرجة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948، وعلى نطاق أوسع، في قانون حقوق الإنسان.

وفي هذا التناقض الضمني مجازفة مزدوجة، لأنه من خلال الإقرار بمبدأ « تساوي جميع الثقافات في الكرامة» (المادة 2 من اتفاقية 2005)، فإن التعددية الثقافية، إن اقتصرت على وضع الفوارق جنباً إلى جنب، قد تفضي إلى شيء من النسبية في القيم، وبالتالي، إلى نحو من نكران العالمية.

وفي المقابل، قد تؤدي عالمية حقوق الإنسان إلى نكران التعددية، إن كان عليها أن تفرض دمج جميع الثقافات وزوال جميع الفوارق. وفي هذه الحالة، قد تكون هذه العالمية الزي الجديد لإمبريالية غير معلنة.
ولقد أدرك واضعو اتفاقية 2005 تمام الإدراك هذه الصعوبة. إذ أنهم أدرجوا مبدأً أساسياً في المادة الأولى من الاتفاقية، وهو أنه «لا يجوز لأحد التذرع بأحكام هذه الاتفاقية لانتهاك حقوق الإنسان والحريات الأساسية المكرسة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أو المكفولة بموجب القانون الدولي، أو لتقليص نطاقها».

وبعبارة أخرى، لا يجوز التسليم بوجود الفوارق إلّا إذا كانت تتماشى مع حقوق الإنسان. أما الصعوبة فتتمثل في أن الضمان لا يشمل جميع الحقوق بصورة متساوية. ففي ما يخص «الحقوق غير القابلة للانتقاص»، من قبيل المساواة في الكرامة الإنسانية (منع التعذيب والمعاملات الأخرى غير الإنسانية أو المهينة)، تكون حمايتها مطلقة وتنطبق حتى في حالات الحرب أو الإرهاب، وهذا من شأنه مبدئيا أن يضع حداً مشتركاً لتنوع الثقافات. وهناك حقوق أخرى (الحياة الخاصة، حرية المعتقد) خاضعة لبعض الضوابط إن كان الهدف منها شرعيا وإن كانت الضوابط متناسبة.

ويجوز القول بأن واضعي اتفاقية 2005 قد حددوا هدفاً، ولكنهم لم يصيغوا «طريقة استعمال» تسمح بعدم الوقوع في الخلط بين التعددية وبين النسبية، وبين العالمية والإمبريالية.
وبصفتي خبيرة قانونية، فإن إسهامي في التفكير في أدوات التعددية الثقافية، إن لم يكن باقتراح طريقة لاستعمال تلك الأدوات، فيكون على الأقل ببسط بعض السبل التي يمكن اتباعها لمحاولة التوفيق بين التعددية والعالمية، وكذلك بعض الوسائل الكفيلة بالتقريب بين الثقافات.

من المعلوم أن نشوب العديد من النزاعات ناتج عن عدم معرفتنا لغيرنا، لكن غالباً ما نغفل عن البحث عن مصدرها في جهلنا بالثقافة التي ننتمي إليها، رغم أن ذلك يمثل عاملاً أساسياً. ولهذا السبب، يبدو لي أن الأهم هو إتاحة السبل الكفيلة بتوسيع نطاق معارفنا بشتى الثقافات، بما فيها الثقافة التي ننتمي إليها، لأن ذلك يساعد كل واحد منا على تفادي اعتبار أن ثقافته هي التي تشكل المرجع العالمي دون غيرها. وبعبارة أخرى، لا بد من إضفاء طابع التعددية على ما هو عالمي.

ولكن إلى أين سوف تؤدي بنا هذه السبل الكفيلة بتوسيع نطاق معارفنا بمختلف الثقافات؟ إن إجابتي عن هذا السؤال هي: إلى التقارب بين الثقافات. هي خطوة إضافية لا تقتصر على دمج الثقافات، بل على جعلها أكثر تناسقا في ما بينها، لتحقيق ما أسميه  «تنظيم التعددية».


لامبو (نتفات) هي ذاكرة وُلدت من «معطيات من العالم غير متناسقة تماما»، حسب مصمم اللوحة الفنان والسنيمائي  المارتينيكي جيل إلي-ديت-كوزاك

إضفاء الطابع التعددي على ما هو عالمي

إن المدركات الحسية ـ أي السمع والبصر والشم والذوق واللمس ـ تشكل أولى الأدوات لاكتساب معرفة حقيقية بمختلف الثقافات. ونحن ندرك إلى أي مدى تسهم حفلات الموسيقي أو المهرجانات، على سبيل المثال، في توسيع نطاق معارفنا من خلال المدركات الحسية.

أما الأداة الثانية فهي تتشكل من التمثلات المعرفية، أي من اكتساب معارف من خلال العقل، وليس بالضرورة عن طريق الحواس، أعني الخطاب التربوي والفلسفي والاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي والقانوني. ومن ذلك مثلا في الدور الذي تضطلع به المكتبات أو المعاهد الثقافية أو الجامعات الشعبية التابعة للحركة الدولية لإغاثة المنكوبين والمعوزين ـ العالم الرابع.

وتستند هذه الجامعات إلى تلاقح المعارف، وهي فكرة أود أن أتوقف عندها لحظة وجيزة. منذ عام 1972، تراهن جامعات العالم الرابع على تقاسم المعارف في ما بين أهل العلم وأصحاب المعرفة، أي بين المعارف العلمية والمعارف المكتسبة من تجربة المعيشة. ويقوم التعاون بين المعاهد الثقافية هو أيضاً على فكرة التوافق بين عدة طرق معرفية. في المجال الفني، هناك عدد كبير من الأمثلة الدالة على هذا النوع من التوافق أذكر منها المؤلف الموسيقي الفرنسي بيير بوليز، الذي يستعمل دروس الرسام السويسري بول كلي في مدرسة «باوهواس» بمدينة فيمار، في ما بين 1921 و1931، لتوضيح عملية التأليف الموسيقي، في نهاية الثمانينات من القرن الماضي.

إن التأليف بين ما هو حسي وبين ما هو عقلاني ـ علماً وأن هاتين القدرتين مرتبطتان ـ هو الذي يفتح دون شك الآفاق الأوسع لمعارفنا المتعلقة بمختلف الثقافات. وفي الوقت الراهن، تتيح التكنولوجيات الجديدة مثل هذا التأليف، ويتجلّى ذلك بصفة رائعة في متحف ثقافات العالم في  غوتنبرغ (السويد)، الذي افتتح عام 2004، أو في متحف حضارات أوروبا والبحر المتوسط، الذي افتتح في مارسيليا (فرنسا) عام 2013.

ومهما كان السبيل المتبع ـ حسياً أو معرفياً أو جامعاً بينهما ـ فثمة وسائل عديدة متاحة لنا لتنظيم التعددية، دون القضاء عليها.


لامبو هي «ذاكرة المزيج المكرول، بالمفهوم الجغرافي والروحي»، حسب الفنان

تنظيم التعددية

وحتى نتفادى اعتبار القيم على أنها نسبية وإمبريالية، من الضروري اتباع دينامية تفاعلية وقابلة للتطوير. ويجب إدراك التقارب بين الثقافات باعتباره عملية تتمثل في حركة تحث على تجاوز الصور المجازية الثباتية (اعتبار حقوق الإنسان كأسس، أو قواعد أو ركائز أو جذور لثقافات مختلفة) وتفضيل صورة مجازية تقدم حقوق الإنسان باعتبارها  لغة مشتركة للإنسانية. وتقترح هذه الصورة ثلاث عمليات يتزايد أثرها الدينامي: التبادل بين الثقافات (الحوار)، ثم البحث عن أوجه التكافؤ (الترجمة)، إلى التحول المتبادل (التهجين).

الحوار، أي التبادل بين الثقافات، يتيح تحسين فهم الغير والتعرف عليه، وهو يُيسر التقارب، لكنه لا يضمن حدوثه. ومن الأمثلة على ذلك، ألخص في ما يلي الحوار الذي دار بين القضاة بشأن عقوبة الإعدام، وهو حوار أثير عام 1989 إثر تفسير جرئ للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. فقد أصدرت هذه المحكمة قراراً يقضي بأن تسليم شخص حُكم عليه بالإعدام للولايات المتحدة إنما يتعارض مع منع العقوبات أو المعاملات غير الإنسانية أو المهينة.  ومن خلال احتمال تطبيق هذا القرار القضائي في مختلف البلدان الأخرى، فقد كان من المتوقع أن يؤثر في العالم بأسره. ويبدو أن هذا القرار يسّر تراجع المحكمة العليا في كندا عام 2001 التي استندت إلى قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وكذلك في جنوب أفريقيا حيث تم الأخذ به تأييداً للقرار القاضي بأن عقوبة الإعدام تتعارض مع منع المعاملات القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة (المحكمة العليا، 1995). 

غير أن الحوار يخضع لمشيئة الجهات الفاعلة وهذا يعني أن إسهامه في التقريب بين الثقافات يقتصر على تنسيق الفوارق.
أما الوسيلة الثانية، التي تذهب إلى ما أبعد في الاعتراف بالقيم المشتركة، فهي الترجمة. ويعتبر الفيلسوف الفرنسي بول ريكور أنها «معجزة» حقيقية، إذ أنها «تخلق التشابه حيث لا يوجد، في ما يبدو، سوى التعددية». وأرى، بالإضافة إلى ذلك، أن معزجة الترجمة تكمن في احترامها للفوارق، وفي بحثها عن أوجه التكافؤ التي من شأنها أن توفق بين هذه الفوارق. إن الترجمة هي وسيلة لتحقيق التآلف بين الفوارق، ومنهج يساهم في التقارب على منوال التناغم الموسيقي، كما عرّفه أفلاطون في «محاورة المأدبة»، حيث يقول:« انطلاقاً من عناصر متناقضة في البداية، مثل النغمة الخفيضة والنغمة الحادة، فإن الفن الموسيقي، من خلال التوفيق بينهما، ينتج التناغم».

إلا أننا في الكثير من الأحيان نتعثّر بسبب عدم قابلية بعض النصوص للترجمة وما ينجر  عنها من سوء الفهم. وفي القانون الدولي أمثلة متنوعة تدل على ذلك. وسأكتفي بضرب مثال واحد: يرد في المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن جميع «الناس [...] قد وُهبوا العقل والوجدان  [...]». وفي البداية، لم تُذكر إلّا كلمة «العقل». غير أن أحد محرري الإعلان، المندوب الصيني بينغ شون شانغ، لاحظ أنه إذا أردنا أن يتسم الإعلان بطابع عالمي، فإن مفهوم العقل وحده لا يكفي. ومن ثم، اقترح إضافة الكلمة الصينية «ليانغشين» التي تُرجمت إلى «وجدان». وفي الواقع، لا تترادف كلمتي «ليانغشين» و«وجدان» إلا بنسبة ضعيفة، لأن الكلمة الصينية مشتقة من الحروف «ليان» و«شين» وتشير إلى الوجدان الأخلاقي بالمعني الكونفوشيوسي، أي وجدان يعطي الأولوية للغير.

وحتى نتمكن من حل هذا النوع من الصعوبات، يجب أن نمضي إلى ما هو أبعد من ذلك، من خلال تطبيق الوسيلة الثالثة المذكورة أعلاه، ألا وهي: التهجين أو - إذا أردنا تفادي أي سوء فهم محتمل - «الكرولة». وأستخدم مصطلح  الكرولة» بالمعني الذي اعتمده  الشاعر إدوار غليسان (1928 ـ 2011)، عندما اقترح انفتاح فنوننا الشعرية الخاصة بعضها لبعض. وبعبارة أخرى، تتيح «الكرولة» توحيد الفوارق من خلال دمجها في تعريف مشترك.

ويقول إدوار غليسان في مؤلفه «لا كوهي دي لامنتان» (2004) :«إن الكرولة ليست مجرد  آلية لتمازج السلالات. بل هي تمازج يفضي إلى ما هو غير متوقع».  ومن ثم فإن الوصول إلى ما هو غير متوقع إنما يعني اكتشاف معنى جديد مشترك حقاً، يتجاوز الحوار والترجمة ولو أنهما هما اللذين يسمحان بالوصول إليه. إن «الكرولة» هي الوسيلة الكفيلة بتجاوز الفوارق.

إن الانتقال من المجال الشعري إلى المجال القانوني سوف يتيح لي التعمق في مفهوم ذي طابع عالمي، لا يزال  مدلوله في تطور، ألا وهو: الجريمة ضد الإنسانية.


لامبو هي أيضا مذكّرة شخصية استيهامية، يختلط فيها الفرد مع المجموعة في صفحات متبعثرة

نحو تحوّل متبادل

ينطوي مفهوم الجريمة ضد الإنسانية على بُعد جماعي ـ «هجوم واسع النطاق أو ممنهج ضد مجموعة من السكان المدنيين» ـ ويحمل معناه إزالة الشخصية الفردية للضحية. ويندرج ضمنياً هذا المفهوم، الذي استخدم للمرة الأولى في النظام الأساسي لمحكمة نورمبرغ العسكرية عام 1945، في التصور الغربي للإنسانية الذي يستند إلى تفرّد كل كائن إنساني وانتماء كل الأفراد على قدم المساواة إلى المجتمع الإنساني.

ومع ذلك، اتسع نطاق هذا المفهوم تدريجياً ليشمل أعمال التدمير التي تتعرض لها الممتلكات الثقافية. ففي عام 2001، اعتبر قضاة المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة أنه عندما يتم تدمير المؤسسات المخصصة للدين أو التعليم وإلحاق الضرر بها بصفة متعمّدة مع نية التمييز، فإن ذلك يُعتبر بمثابة «هجوم على الهوية الدينية ذاتها لشعب ما. ويصوّر هذا الفعل في حد ذاته بصفة تكاد أن تكون مثالية، مفهوم "الجريمة ضد الإنسانية"، لأن في الواقع، البشرية جمعاء هي التي تضررت من تدمير ثقافة دينية خصوصية وما يتعلق بها من مواد ثقافية». [المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة، المدعي العام ضد داريو كوردتش وماريو تشيركيز، IT- 95 – 14/ 2، الحكم الصادر في 26 فبراير 2001].

والمسألة مطروحة أيضاً بالنسبة للعراق. ويعتبر الحقوقي المنحدر من أصل إيراني، بيجمان بورزند، أن «تدمير المواد الثقافية التي تسرد تاريخ شعب ما إنما هي طريقة واضحة لاجتثاث جذوره وتجريده من أصوله، فضلاً عن تدمير روحه» [إذاعة نوتر دام، 6 مارس 2015]. كما اعتبر غيره من المعلقين أن ذلك يعد «جريمة ضد تاريخ البشرية».

ومن أجل ضمان «كرولة» حقيقية من خلال التحوّل المتبادل، يجب إدغام ثقافات تعزز الصلة بين الأفراد الذين ينتمون إلى مجتمع وطني واحد، مثلما يوحي به مفهوم «أوبونتو» في جنوب أفريقيا، أو الكلمة اليابانية «أوشي ـ سوتو» (أعضاء المجموعة والآخرون)، أو الكلمة الكونفوشيوسية  «ليانغكشين» التي سبق ذكرها أعلاه.

كما يجب السعي لمشاركة الثقافات التي تفرض على الإنسان واجبات نحو الطبيعة، من قبيل الثقافات الحامية لـ«باشاماما» (الأرض ـ الأم) المدرجة في دساتير كل من الإكوادور وبوليفيا. وهذا هو النحو الذي قد يجب علينا اتباعه حتى نتمكن من فهم الاقتراح المتداول حاليا والمتعلق بتوسيع نطاق مفهوم الجريمة ضد الإنسانية ومفهوم الإبادة الجماعية حتى يشملا «الإبادة البيئية»، أي إلحاق أضرار جسيمة لا رجعة فيها بتوازن النظام الإيكولوجي.
ومن أجل إضفاء طابع عالمي حقيقي على مفهوم الجريمة ضد الإنسانية، لا بد من  إثراء الرؤية الغربية للإنسانية بتقاليد أخرى.

إن التقارب بين الثقافات، وهو موضوع العقد الدولي الجاري (2013 - 2022)، يمضي عبر سبل عديدة تتيح مقاومة النسبية والإمبريالية في نفس الوقت، والتوفيق بين عالمية حقوق الإنسان وتعدد الثقافات. وهذه هي السبل التي تؤدي إلى تطوير البعد الإنساني بشكل متبادل.

 

تنشر رسالة اليونسكو هذا المقال مساهمة منها في الاحتفال باليوم العالمي للتنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية، في 21 مايو.

الصور أعلاه

مينيا بيابياني Minia Biabiany

 جيل إيلي ديت كوزاك Gilles Elie-Dit-Cosaque

ميراي ديلماس ـ مارتي

أسست ميراي ديلماس ـ مارتي (فرنسا)، وهي عضوة في معهد فرنسا وأستاذة فخرية في معهد كوليج دي فرانس، جمعية البحوث الجنائية الأوروبية، كما أنها الرئيسة الفخرية لمرصد فاروس لتعدد الثقافات والأديان، وعضوة في المجلس الأعلى للعلم والتكنولوجيا وعضوة في مجلس إدارة المكتبة الوطنية الفرنسية. وقد وضعت عدة مؤلفات تتناول القانون الجنائي، وتشريعات حقوق الإنسان وعولمة القانون، من بينها

القوى المبتكرة للقانون، في أربعة أجزاء (2004 - 2011)، الصمود والمسؤولية واستباق الأحداث (2013)، في مهب الرياح العالمية. دليل مختصر للغوص في محيط العولمة (2016)، من التسريع الكبير إلى التحول الكبير (2017)